الصين.. بطل تكنولوجي مصنوع من ورق – مصدر24

الصين.. بطل تكنولوجي مصنوع من ورق

رغم ما تسوّقه الصين من امتلاكها لإمبراطورية تكنولوجية في مدينة شنغن العاصمة الإلكترونية، لا تزال الصناعات التقنية ترتهن للموردين الأميركيين والتايوانيين والكوريين الجنوبيين واليابانيين للحصول على الرقائق والعديد من المكونات الرئيسية، ما يجعل الصين بطلا تكنولوجيا مصنوعا من ورق يتأثر بالهجمات المعاكسة من واشنطن.

بكين – تفيد تقارير بأن الإمبراطورية الصينية أهون من بيت العنكبوت، حيث أفضت العقوبات الأميركية إلى إضعاف الشركات الصينية وأجبرتها في العديد من الأحيان على بيع أصولها وعرقلت أهداف الجيل الخامس، ما يعكس ضعف وهشاشة هذه التقنيات التي لم تسعفها مكابرتها في صد الحظر الأميركي طيلة سنوات.

وتعدّ مدينة شنغن، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 12 مليون نسمة والتي تقع في جنوب شرق الصين، عاصمة الإلكترونيات الاستهلاكية في العالم. وقد أصبحت حسب بعض الإحصاءات متفوقة على منافستها الإقليمية المضطربة هونغ كونغ، من حيث عدد السكان وناطحات السحاب، وحتى الناتج المحلي الإجمالي. كما أنها موطن لشركة الاتصالات الصينية هواوي التي تهيمن على البنية التحتية اللاسلكية لشبكة الجيل الخامس، والتي تعتبر جوهر الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين.

وكتب سلفاتور بابونيس، وهو كاتب في السياسة الخارجية وباحث مساعد في مركز الدراسات المستقلة في سيدني، في تقرير أنه لطالما كانت شنغن مركزا لتجميع الهواتف المحمولة، وهي على وشك الدخول في مجال صناعة الهواتف نفسها. ففي شهر نوفمبر، أبرمت مجموعة بقيادة حكومة بلدية شنغن صفقة تشمل 15 مليار دولار لشركة هواوي والاستحواذ على سلسلة أونور للهواتف الذكية.

وتكافح الشركة منذ انطلاق الحظر الذي تفرضه وزارة التجارة الأميركية على مبيعاتها وإدراجها ضمن القائمة السوداء للمصدرين.

ويكمن المشهد الغريب في قرار حكومة المدينة تحويل الأموال إلى عملاق تكنولوجي عالمي يعد رمزا لمشاكل الصين في تطوير تقنياتها الخاصة.

وتتمتع الصين بالطموح ويمكنها جمع الأموال عند الضرورة من مصادر غير محتملة. لكنها تفتقر إلى النظام البيئي الواسع للتعاون التجاري وحماية الملكية الفكرية ورأس المال الاستثماري الذكي الذي يجعل التعاون التكنولوجي العميق ممكنا.

الصين هشة تقنيا أكثر

تعدّ حقيقة قدرة حكومة الولايات المتحدة على عرقلة أكبر صانع للهواتف الذكية في العالم ومورد لبنية الجيل الخامس التحتية في أقل من سنة، مؤشرا على هشاشة قطاع التكنولوجيا في الصين. إذ تعتمد صناعة الإلكترونيات في الصين على الموردين الأميركيين والتايوانيين والكوريين الجنوبيين واليابانيين للعديد من المكونات الرئيسية.

وتعدّ المعالجات الدقيقة من أكثر التقنيات الاستراتيجية أهمية. وعلى الرغم من سنوات من الاستثمار الاستراتيجي، لم تتمكن الصين حتى الآن من إتقان إنتاجها.

وتُستخدم أشباه الموصلات القائمة على السيليكون في جميع أنواع رقائق الكمبيوتر، بما في ذلك رقائق الذاكرة ومجموعة متنوعة من رقائق المعالجات الدقيقة الأخرى.

ويبقى معظم القراء على دراية بالمعالجات الدقيقة للأغراض العامة والمعروفة باسم وحدات المعالجة المركزية التي تعمل على تشغيل الهواتف الذكية وأنظمة الكمبيوتر، لكن أداء الجهاز يعتمد بشكل متزايد على المعالجات الدقيقة الأكثر تخصصا مثل وحدات معالجة الرسوميات ومسرّعات الذكاء الاصطناعي.

قبل تعرض الشركات الصينية للضوابط الأميركية، أثبتت الصين أنها غير قادرة على تأسيس وجود تنافسي في السوق لشرائح الذاكرة البسيطة والمعالجات الدقيقة والمعقدة

وتتضمن وحدات المعالجة المركزية الأكثر تقدما في السوق، مثل أبل “إيه 14 بيونيك” ومعالج كوالكوم سنابدراجون 888 ومعالج شرائح إكسينوس 1080 من سامسونغ، وحدات معالجة رسوميات مدمجة ومسرعات الذكاء الاصطناعي على الشريحة مع تكامل لاسلكي متناسب مع الجيل الخامس.

ويكمن المنافس الصيني الجاد الوحيد لهذه الرقائق الأميركية المتقدمة في هايسيليكون كيرين 9000، الذي صممه أحد فروع هواوي الداخلية.

وإلى حدود السنة الحالية، كانت رقائق هايسيليكون من هواوي من تصنيع شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة. لكن تشديد العقوبات الأميركية وضع حدا لذلك.

وضيّقت ضوابط التصدير الأميركية الأوسع نطاقا من فرص الشركة الصينية لتطوير قدرة تصنيع متقدمة خاصة بها. ونتيجة لذلك، يولد “كيرين 9000” ميّتا.

وتعدّ المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات الأكثر تقدما في الصين، ومقرها شنغهاي. ومثل هواوي، أصبحت المؤسسة مدرجة في قوائم وزارتي التجارة والدفاع الأميركية مما يقيّد وصولها إلى التكنولوجيا والتمويل الأميركيين. ودون مساعدة أجنبية بقيت المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات غير قادرة على إنتاج شريحة مثل كيرين 9000. ومثل جميع وحدات المعالجة المركزية الرئيسية اليوم، تم تصميم كيرين 9000 لرقائق السيليكون ذات الحجم 5 نانومتر.

وعندما يتعلق الأمر بأشباه الموصلات يعتبر الحجم الأصغر الأفضل، وبقيت المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات عالقة عند 14 نانومتر. وقد أعلنت عن خطط لإنتاج شرائح بحجم 7 نانومتر، لكنها تفتقر إلى الأدوات اللازمة لتصنيعها.

ضخ الأموال لا يكفي

قدرة واشنطن على عرقلة أكبر صانع للهواتف الذكية في العالم ومورد لبنية الجيل الخامس التحتية في أقل من سنة، مؤشر على هشاشة قطاع التكنولوجيا في الصين
قدرة واشنطن على عرقلة أكبر صانع للهواتف الذكية في العالم ومورد لبنية الجيل الخامس التحتية في أقل من سنة، مؤشر على هشاشة قطاع التكنولوجيا في الصين

إذا كانت الصين غير قادرة على مضاهاة منافسيها الدوليين على المعالجات الدقيقة، فهذا ليس لنقص في المحاولة أو الإنفاق. فقد أنشأت صندوق استثمار صناعة الدوائر المتكاملة الوطني بقيمة 22 مليار دولار في 2014 في محاولة لتقليل اعتمادها على الرقائق المستوردة، ولكن دون جدوى.

واليوم، يتم تصنيع 16 في المئة من أشباه الموصلات في الصين، وهي الأقل تطورا في كل فئة. وفي العام الماضي، أعلنت الصين عن صندوق كبير ثان لاستثمار 29 مليار دولار أخرى في تطوير أشباه الموصلات. ويبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان الصين أن تنجح في ذلك في مواجهة العقوبات الأميركية.

وعلى الرغم من كل الاستثمارات الموعودة، يعاني صانعو الرقائق والمصممون في الصين من نقص في السيولة المالية. وليس من المستغرب أن تكون شركة هواوي في متناول حكومة شنغن، نظرا لتعرضها الكبير للأسواق الأميركية والهندية.

لكنّ صانعي الرقائق الصينيين الآخرين الذين لا تذكر لهم صلة بالولايات المتحدة يواجهون صعوبات مالية أيضا. فقد وعدت شركة هونغشين لتصنيع أشباه الموصلات في ووهان ببناء أول رقاقة من حجم 7 نانومتر في الصين، لكن الأموال نفدت في أغسطس. ومنذ ذلك الحين، استولت عليها حكومة المقاطعة البلدية في عملية إنقاذ فعالة.

وأعلنت شركة يانغتسي ميموري تكنولوجيز لتصنيع شرائح الذاكرة للأجهزة المحمولة، التي يقع مقرها في مدينة ووهان المتضررة من فايروس كورونا المستجد، عن خطط في سبتمبر لتصنيع شرائح بقيمة 22 مليار دولار.

وبعد شهرين، تخلفت الشركة الأم تسينغوا يونيغروب عن سداد سندات بقيمة 198 مليون دولار. وبالإضافة إلى المشروع المتوقف، تمتلك تسينغوا يونيغروب شركة لتصميم الشرائح ومنصة للحوسبة السحابية، من بين شركات أخرى. وكان يُعتقد أنها محصّنة سياسيا من الفشل لارتباطها بجامعة تسينغهوا المرموقة.

ومع ذلك، ليست أول شركة مرتبطة بجامعة تتخلف عن سداد ديونها. فقد تخلّفت مجموعة مؤسسات جامعة بكين عن سداد سندات في ديسمبر الماضي، حتى قبل أزمة فايروس كورونا المستجد. وإذا كانت الصين تسمح لمثل هذه الشركات ومجموعات الأبحاث الجامعية بالإفلاس، يجب أن تكون الظروف المالية في البلاد أسوأ بكثير مما قد توحي به إعلاناتها عن صناديق استثمار بمليارات الدولارات، حتى أن محافظ بنك الشعب الصيني يي جانغ، شعر بأنه مضطر إلى تحذير الحكومات المحلية علنا الأسبوع الماضي من قرارات العمل السيئة، مثل الاستحواذ على الشركات المتعثرة أو ذات العقود المستقبلية غير المؤكدة.

وجعلت الصين صناعة الشرائح من أهم أولوياتها التكنولوجية في العقد الماضي، لكنها لم تتقدم كثيرا. وحتى قبل أن تتعرّض العديد من شركاتها الرائدة إلى الضوابط الأميركية، أثبتت الصين أنها غير قادرة على تأسيس وجود تنافسي في السوق لشرائح الذاكرة البسيطة والمعالجات الدقيقة والمعقدة. ومع شمول أحدث تصاميم الشرائح لوحدات المعالجة المركزية ووحدات معالجة الرسوميات ومسرّعات الذكاء الاصطناعي، ستجد الصين صعوبة أكبر في اللحاق بالركب.

عدم قدرة على الصمود

في سياق آخر تشير أبحاث إلى أنه إذا اتخذت واشنطن المزيد من الإجراءات ضد شركات التكنولوجيا الصينية، فلا بد أن تردّ بكين بفرض المزيد من القيود على شركات التكنولوجيا الأميركية في الصين.

وستكون العلامات التجارية الأميركية عرضة للمقاطعة من قبل المستهلك الصيني، حيث أدت مخاوف الشركات الصينية أمام حظر مبيعات رقائق الكمبيوتر الأميركية إلى تكثيف الجهود الصينية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من التكنولوجيات الرئيسية.

وفي هذا كله سترغب الدول والشركات الأوروبية الكبرى من جهتها في البقاء على الحياد في الحرب الباردة الناشئة بين الولايات المتحدة والصين، ولكن هل تتمكن من ذلك؟ فحتى قرار المملكة المتحدة فتح سوق اتصالات الجيل الخامس أمام هواوي لم يصمد طويلا، بل تبيّن أنه مستحيل.

وبعد إحداث شلل في هواوي، وتفكيك الأعمال العالمية لشركة بايت دانس، حوّلت الولايات المتحدة أنظارها الآن إلى شركة تكنولوجيا عملاقة صينية ثالثة، تينسنت.

وكانت تينسنت قد أزاحت فيسبوك من قمة منصات التواصل الاجتماعي الأكبر قيمة سوقية في العالم. حيث قفزت القيمة السوقية لها إلى 670 مليار دولار. ولا يزال عملاق الإنترنت الصيني يمتلك فرصا لارتفاع قيمته السوقية.

وبحسب التقرير، فإن تينسنت تلقّب باسم “قوة ألعاب الجوال العالمية”، فهي تضم تحت مظلتها حزمة واسعة من الألعاب التي يتجاوز عددها 480 لعبة، إلى جانب عدد من المنصات الاجتماعية منها تطبيق وي تشات المعروف. كما تشتهر الشركة بمقاطع الفيديو الموسيقية وتطبيقات الحوسبة السحابية.

22 مليار دولار قيمة صندوق استثمار صناعة الدوائر الذي أنشأته الصين للحد من الاستيراد دون جدوى

وفيما يصنف مؤسس ورئيس مجلس إدارة الشركة، بوني ما هواتنغ، كأغنى شخص في الصين، والمصنف رقم 20 عالميا بمؤشر بلومبرغ بثروة تفوق 52 مليار دولار، ليسبق جاك ما، مؤسس شركة علي بابا، الذي تقدر ثروته بـ50.5 مليار دولار.

ويشتدّ التنافس بين شركات الإنترنت الأميركية والصينية هذه الفترة، وهو ما تجلى قبل أسبوعين في إزاحة شركة علي بابا للتجارة الإلكترونية، شركة فيسبوك من المرتبة السادسة كأكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، بعد أن وصلت قيمة العملاق الصيني إلى 673 مليار دولار.

وتستفيد الشركات الصينية من النمو الاقتصادي المحلي وتعاظم الناتج المحلي الإجمالي، مع تمتعها بفرص أكبر للانفتاح على المزيد من الأسواق الناشئة في آسيا وأفريقيا.

وحظر تينسنت، وتطبيق وي تشات الذي يستخدمه مليار صيني سيكون له تأثير كبير ليس فقط على ثاني أكبر شركة تكنولوجيا صينية من حيث القيمة، لكن أيضا على قطاعات كبيرة من الشركات الأميركية.

وكان الأمر التنفيذي الذي وقعه دونالد ترامب غامضا ولم يوضح إلى أي مدى ستكون العقوبات شديدة؟ لكنه كان سلبيا بما يكفي لإزالة عشرات مليارات الدولارات من أسعار أسهم تينسنت وأبل، التي لم تستجب لطلب التعليق.

وإذا كان هناك تفسير صارم فإنه يمكن أن يضطر أبل وغوغل إلى إزالة تطبيق وي تشات من متجر تطبيقاتهما، وهي خطوة ستؤدي حتما إلى إضعاف مبيعات أجهزة آيفون في الصين، وبالتالي شعبية التطبيق.

الشركات الأميركية مثل وول مارت، وكوك، ونايكي التي تعتمد على وي تشات لتسويق وبيع سلعها ستتضرر هي الأخرى. خاصة وأن التطبيق قد حل محل البريد الإلكتروني في الصين، بوصفه واحدا من طريقتين رئيستين للدفع عبر الهاتف الذكي التي تشهد تزايدا في التخلي عن استخدام النقود في عمليات التسوق.

ويبلغ عدد مستخدمي وي تشات في الولايات المتحدة نحو ثلاثة ملايين مستخدم فعال شهريا فقط معظمهم من المغتربين الصينيين والطلاب الصينيين الذي يدرسون في الجامعات الأميركية الذين يعد التطبيق وسيلة قيّمة بالنسبة إليهم للبقاء على تواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم في البلد الأم.

ولكن مصدر القلق الأكبر يكمن في القيود على أعمال الشركة الخارجية التابعة لها، وهو منعها من شراء الخوادم أو الرقائق الأميركية لاستخدامها في أعمال وي تشات الخاصة بها.

وتشير جميع التحاليل تقريبا إلى عدم وجود رابح في هذه القضية التي يتقاسم فيها الطرفان الخسارة.

والصراع الذي يجري حاليا هو صراع سياسي وأمني بالدرجة الأولى. طالما أن الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي لا يثقان في النظام الشيوعي في بكين، سيبقى هناك قلق من استخدام بكين شركات أميركية وأوروبية في جمع البيانات بشأن المستخدمين وتشكيل المحتوى الإعلامي والتدخل في البنية التحتية الأساسية.

'