العاهل الأردني في حاجة إلى عقد جديد مع العشائر – مصدر24

العاهل الأردني في حاجة إلى عقد جديد مع العشائر

عمان- هزت الاتهامات التي طالت الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني، وعدد من الشخصيات بينهم شيوخ عشائر بالتورط في مخطط يستهدف أمن الأردن صورة تماسك العائلة الهاشمية، وعكست أيضا عمق التصدع في العلاقة بين القصر والعشائر.

وتقول أوساط سياسية أردنية إن ملابسات “المخطط” الذي لا تزال تفاصيله غير واضحة المعالم أظهرت أن العاهل الأردني بحاجة إلى التقارب أكثر مع العشائر ومحافظات الأطراف، حيث يحظى الأمير حمزة بشعبية لافتة قربته من أوساط الحركة الاحتجاجية التي تطالب بإصلاحات سياسية جذرية.

وتشكل العشائر في الأردن مكونا أصيلا وتعد إحدى ركائز بناء الدولة الأردنية الحديثة التي دخلت مؤخرا مئويتها الثانية. ولطالما حرص ملوك الأردن على توثيق الروابط مع هذا المكون ومن بينهم الملك عبدالله الثاني لاسيما في السنوات الأولى من تسلمه العرش عام 1999.

وطرأ في السنوات الأخيرة تغير على مستوى هذه الروابط، ليس فقط لجهة تراجع اللقاءات التي كان العاهل الأردني يحرص على عقدها بشكل مكثف مع شيوخ العشائر وأبنائها، بل برزت أيضا مؤشرات توحي بتوجه نحو تحجيم هذا المكون، يربطها البعض بمخاوف لدى العاهل الأردني من إمكانية حدوث اختراقات على مستواها داخليا وخارجيا قد يجري توظيفها ضد قيادته.

العشائر في الأردن تشكل مكونا أصيلا وتعد إحدى ركائز بناء الدولة الأردنية الحديثة

وتأثرت العشائر كسائر المكونات الأردنية بالأزمة الاقتصادية التي تعانيها المملكة منذ سنوات في ظل تراجع الدعم الدولي والسياسات الحكومية المتخبطة، بالتزامن مع تصاعد الانتقادات لتفشي الفساد وسوء الإدارة والحوكمة وسياسة المحاباة التي طالت في عمقها العشائر أنفسهم، ما ولد حالة من التململ داخل هذا الوسط.

وشكل أبناء العشائر الأقل حظوة ودعما أبرز المشاركين في التحركات الاحتجاجية التي تشهدها المملكة منذ عام 2018، وكانوا الأعلى صوتا في توجيه انتقادات للسلطة بشقيها التنفيذي والتشريعي وفي عملية التغيير المستمرة للحكومات عند كل منعطف دون أن يطرأ أي تعديل على مستوى الأداء.

وعلى عكس السلطة التي تعاطت بفتور أو لم تُول تلك الأصوات القدر الكافي من العناية أظهر الأمير حمزة بن الحسين اهتماما متزايدا، وكثف لقاءاته مع أبناء العشائر ومحافظات الأطراف، حيث كان مستمعا جيدا لمطالبها وهواجسها، مع تبنيه لمعظم طروحاتها لاسيما على مستوى تغيير النهج في التعاطي مع الأزمة في المملكة وضرورة القيام بخطوة حقيقية على مستوى الإصلاح السياسي.

ويعتبر محللون أن تقارب الأمير حمزة مع أبناء العشائر وتوجيهه من حين لآخر انتقادات علنية لتفشي الفساد وسوء الإدارة قد يكونان السند الذي تم الاتكال عليه في القضية المتفجرة التي من غير المرجح أن يتم احتواؤها سريعا، رغم التحركات الجارية لتطويقها لاسيما داخل الأسرة الهاشمية.

ويلفت المحللون إلى أن الأشخاص الذين جرى توجيه اتهامات لهم ومن تم اعتقالهم لا يمكن أن يكونوا قادرين على القيام بانقلاب في ظل سيطرة الملك على المؤسستين الأمنية والعسكرية ودائرة المخابرات، وأن الأمر قد لا يعدو كونه مجرد استباق لاحتواء انفجار شعبي بدأت تظهر شرارته بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتعالي الأصوات المنادية بإصلاح جوهري يمس الحياة السياسية وعجلة الاقتصاد.

ويقول المحللون إن هناك خطوات اليوم لتطويق الأزمة بين الملك عبدالله الثاني والأمير حمزة، لكن التحدي الأبرز سيكون إعادة صياغة العلاقة بين العشائر والملك عبدالله الثاني التي رفعت الأزمة الجارية الغطاء عما يسودها من توتر.

وشارك حشد من عشيرة المجالي وأبناء محافظة الكرك جنوب المملكة في اعتصام مساء الاثنين، احتجاجا على اعتقال عدد من شيوخ العشائر وأبنائها في الأحداث الأخيرة. وطالب المشاركون في الاعتصام بالإفراج الفوري عن المعتقلين، منددين بمحاولات التشويه التي تتعرض لها العشائر الأردنية وعشيرتهم على وجه الخصوص.

الأزمة عكست عمق التصدع في العلاقة بين القصر والعشائر

وإلى جانب اعتقال مدير الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد اعتقلت السلطات الأردنية عددا من الشخصيات العشائرية، ومن بين من ترددت أسماؤهم العقيد المتقاعد ياسر المجالي والشيخ سمير عبدالوهاب المجالي.

وقال المحتجون إن “العشائر الأردنية وعشيرة المجالي قدّمت أرواح أبنائها وروت بدمائهم تراب الوطن، ولم يكونوا يوما إلا في صفّ الوطن، ولم يكونوا يوما خنجرا في خاصرة الوطن”.

وأصدر أهالي المعتقلين من أبناء العشائر بيانا تمت قراءته في الاعتصام، وجاء فيه انتقاد للبيان الحكومي الذي تلاه نائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي الأحد، وقالوا إن بيان الحكومة تضمن العديد من المغالطات والافتراءات التي تهدف إلى تشويه سمعة أبنائهم.

وذكروا أن العلاقة مع الأمير حمزة بن الحسين والهاشميين بشكل عام هي “علاقة ولاء وانتماء ومحبة عشناها معهم في العسر واليسر”. وأكدوا رفضهم الزجّ بأسماء أبنائهم مع أسماء آخرين.

من جهتها أطلت عشائر كفرخال التي تنتمي إليها زوجة الأمير حمزة، الأميرة بسمة بني أحمد العتوم، ببيان تنتقد فيه “الزج باسم ابنتهم” والتصريحات حولها من قبل الحكومة، محذرة من استمرار “نشر الأباطيل” عنها.

وكان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي قال الأحد في معرض كشفه عن تفاصيل حول “المخطط” “إن الأجهزة الأمنية رصدت تواصل شخص له ارتباطات بأجهزة أمنية أجنبية مع زوجة الأمير حمزة السبت، يضع خدماته تحت تصرفها، ويعرض عليها تأمين طائرة فوراً للخروج من الأردن إلى بلد أجنبي. وهذا يمثل مؤشراً آخر على تورط جهات خارجية في النشاطات المشبوهة التي تم إفشالها حماية لأمن الأردن وحماية لاستقراره”.

ولاحقا نفى رجل الأعمال من أصل إسرائيلي روي شابوشنيك ما جرى تداوله على أن له صلة بالموساد وأنه متورط في مؤامرة ضد الأردن، لكنه أكد عرضه المساعدة على عائلة ولي عهد الأردن السابق بموجب الصداقة التي تربطهما.

الأزمة الحالية قد تشكل فاتحة للإصلاح السياسي الذي كان قد وعد به الملك عبدالله الثاني قبل سنوات وإن كان تدريجيا

وتقول الأوساط السياسية إن الأحداث الأخيرة ساهمت بشكل واضح في المزيد من تأزم العلاقة بين القصر وبعض العشائر الوازنة، مرجحة أن يسعى الملك عبدالله، بعد أن تهدأ الأزمة الحالية، إلى إعادة النظر في العلاقة مع هذا المكون خاصة وأنه يدرك أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتجه نحو التفاقم في ظل وضع إقليمي ودولي لا يسمح بمد يد المساعدة ماليا.

وتلفت الأوساط إلى أنه ربما تحمل الأزمة الحالية التي يمر بها الأردن فاتحة للإصلاح السياسي الذي كان قد وعد به الملك عبدالله قبل سنوات ولو “بالتدريج”، والذي يفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومات دستورية أو منتخبة داخل البرلمان.

ويستدعي هذا الهدف تحسين البيئة التشريعية للحياة السياسية عبر تعديل قوانين الانتخاب والأحزاب والحريات العامة في المملكة التي لا يزال برلمانها قاصرا عن أداء دوره ومازال المشهد الحزبي غائبا أو مغيبا ووسائل الإعلام تحت سيطرة الحكومة.

الأردن

'