العراق يريد دعما ماليا لكن السعودية والإمارات تعرضان فرصا للاستثمار – مصدر24

العراق يريد دعما ماليا لكن السعودية والإمارات تعرضان فرصا للاستثمار

رؤية السعودية والإمارات في كيفية توثيق العلاقات مع العراق بمنطق تقديم المساعدات لم يعد فيها ما يغري في خضم الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم حتى لو كان للأمر ارتباط بإبعاد بغداد عن فلك الإيرانيين. ولذلك فإن البلدين الخليجيين يريدان الحصول على مكاسب مزدوجة في علاقتهما ببغداد حيث يريان أن توسيع رقعة الاستثمارات وخاصة في قطاع الطاقة البديلة قد يكون فرصة ذهبية لتحصيل إيرادات أكبر.

بغداد – وجّه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بوصلة بلاده باتجاه السعودية والإمارات بهدف تصحيح مسار العلاقات الخارجية لبغداد مع دول الجوار وشروعها في الانفتاح على البلدين الخليجيين الغنيين وقد ترسخ انطباع لدى الكثير من المحللين أن إقامة علاقات طبيعية مبنية على المصالح المشتركة ستكون هي المحدد في نهاية المطاف.

وما يشجّع هذا التوجّه هو وجود رغبة خليجية مقابلة في الانفتاح على بغداد يترجمها دخول دول الخليج العربي بما فيها السعودية والإمارات في ما يشبه السباق للتواصل مع الجانب العراقي وفق نوايا وحسابات مختلفة.

وعندما زار الكاظمي كلا من السعودية والإمارات في مارس وأبريل الماضيين كان في الأساس يبحث عن دعم مالي لمساعدة اقتصاد بلاده المنهك، إلا أن ما حصل عليه بدلًا من ذلك هو التزام كل من الرياض وحكومة وأبوظبي باستثمار ثلاثة مليارات دولار وأن جزءا منها يستهدف الطاقة المتجددة.

ومع أن هذه الاستثمارات لن تعمل على تخفيف عجز الميزانية المتوقع لما يقرب من 20 مليار دولار هذا العام أو منع تخفيض آخر لقيمة العملة المحلية المتدهورة، لكن هذه الاستثمارات تشير أيضًا إلى حقائق جديدة في الخليج.

كارين يونغ: منتجو النفط مستعدون للمساعدة لكنهم يتوقعون عوائد
كارين يونغ: منتجو النفط مستعدون للمساعدة لكنهم يتوقعون عوائد

مكاسب مزدوجة

كان مبلغ الستة مليارات دولار في الأساس وسيلة لفتح باب الاستثمار للبلدين الخليجيين الغنيين العضوين في منظمة أوبك، أي شركة النفط الوطنية أرامكو السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، اللتين تريدان البقاء كشركات طاقة عالمية. وهي تتطلع إلى بناء وجودها في أعمال الطاقة المتجددة، وتحديدًا في إنتاج الطاقة الشمسية والهيدروجين، للكهرباء ووقود النقل.

وبالنسبة لمصدري النفط في الشرق الأوسط، تعد هذه لحظة تغيير، إذ ستعمل الدول القادرة على بناء أعمال تجارية عبر قطاع الطاقة بما في ذلك البتروكيماويات ومصادر الطاقة البديلة والهيدروجين التي تكمل الصناعات الهيدروكربونية الحالية على إطالة عمر إيرادات مواردها الطبيعية وربما سلطتها السياسية. ولذلك يجب النظر للاستثمار السعودي والإماراتي في العراق من خلال تلك العدسة.

وتقول كارين يونغ باحثة مقيمة في معهد أميركان إنتربرايز في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن منتجي النفط الأغنياء على استعداد للمساعدة، لكنهم يتوقعون عائدًا عليها، ويفضلون توجيهها من خلال شركاتهم وأدوات الاستثمار الخاصة بهم لتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية المحلية.

ويبدو إيجاد أسواق جديدة لأنشطة الشركتين يمثل أمرا حتميا، ويمكن أن يكون العراق العضو في أوبك هو الآخر زبونا جيدًا. وعلى سبيل المثال، تصدر السعودية بالفعل الكهرباء إلى العراق، مما يثبت جدوى شبكة الطاقة المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي مما يقلل من اعتماد العراق على الغاز الإيراني.

لكن هل الاستثمار جيد للعراق؟ تقع الدولة في عمق أزمة اقتصادية حادة: تخفيض قيمة العملة، وتصنيف ائتماني غير مرغوب فيه، وعبء دين خارجي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ متوسطه نحو 5.8 مليار دولار سنويًا بين عامي 2021 و2023، وعجز مالي مثقل بعبء فاتورة رواتب القطاع العام التي تمثل 50 في المئة من الإنفاق الحكومي.

وعلاوة على ذلك، هناك صعوبة في تلبية احتياجات العراق من إنتاج الكهرباء المحلية وضعف تقديم الخدمات في ظل الفساد المستشري. ثم هناك قطاع النفط الذي هو بحاجة ماسة إلى الاستثمار والاستقرار السياسي.

وينجذب العراق في اتجاهات متضاربة، بالنظر إلى اعتماده على إيران في التجارة وموارد الكهرباء وحاجته إلى تحسين العلاقات مع جيرانه في الخليج العربي، الذين لديهم القوة الاستثمارية.

وشهدت السعودية والإمارات فرصة للتدخل ولكن ليس بالمساعدات أو القروض أو حتى وديعة البنك المركزي للمساعدة في دعم العملة. وبدلًا من ذلك، تشير التزامات السعودية والإمارات البالغة 6 مليارات دولار في الاستثمارات الأجنبية إلى ثقة الحكومتين في تحقيق أهداف التنمية الخاصة بهما.

لكن الإرسال المباشر للأموال، حتى كقرض، كان من شأنه أن يفعل المزيد للتخفيف من المتاعب المالية للحكومة العراقية. أما الاستثمار لن يكون علاجا فوريًا للعراق، ولكن إذا تم تخصيصه بشكل جزئي، فسيكون أكثر من صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للعراق مقارنة بالعقد الماضي.

حذر ممزوج بالتفاؤل

Thumbnail

ترى يونغ الباحثة، التي تدرس الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط مع التركيز بشكل خاص على دول مجلس التعاون الخليجي أن هناك ما يدعو إلى الحذر وبعض التفاؤل في هذه الاتفاقيات الاستثمارية التي وقعتها الحكومة الاتحادية العراقية، وثمة نماذج مماثلة تعكس ذلك الوجه.

ففي العام 2018، قدمت الإمارات تعهدات مماثلة بقيمة ثلاثة مليارات دولار من الاستثمار في إثيوبيا، منها مليار دولار كوديعة للبنك المركزي.

ومنذ ذلك الحين، أُقيم مشروع واحد بقيمة 28.7 مليون دولار من قبل شركة سند للطيران، المملوكة لمبادلة، صندوق الثروة السيادي لحكومة أبوظبي، والذي يوفر صيانة محركات الطائرات. والمشروع كان بالشراكة مع الخطوط الجوية الإثيوبية.

لكن أكبر استثمار إماراتي في إثيوبيا منذ ذلك التاريخ كان مشروعا عقاريا خاصا. ففي نوفمبر 2018 بدأ مشروع عقاري بقيمة 646 مليون دولار من قبل شركة “إيغل هيلز” ومقرها دبي في بناء مشروع حضري متعدد الأغراض. ولقد أظهرت التجربة الإثيوبية مع الاستثمار الإماراتي ثلاثة أشياء: أولًا، التزام الدولة بعمل استثمارات قد يستغرق سنوات حتى تؤتي ثماره حتى لو تم إنشاء المشروع كاملًا.

ثانيًا، من الصعب تخصيص أو وضع استثمارات ضخمة في بعض الاقتصادات الإقليمية، لاسيما تلك التي تمر بأزمة سياسية أو تمر بمرحلة انتقالية. وقد حصلت “مبادلة”، بصفتها صندوق ثروة سيادية، على توجيه سياسي للاستثمار في إثيوبيا، لكنها قد تجد صعوبة في التواصل مع الفرص المحلية الكبيرة والمناسبة.

تجربة الاستثمارات الخليجية في إثيوبيا قد لا تتكرر في العراق لأن احتياجاته التمويلية والاستثمارية تبدو أكبر

وثالثًا، تأتي الفرص في بعض الأحيان من الجهات الفاعلة في القطاع الخاص أكثر من وسائل الاستثمار الحكومية، وهو ليس بالأمر السيء بشكل عام. لكن هذا قد يغير الطريقة التي تساهم بها الدولة المتلقية في سياسة التنمية المحلية في أنواع الوظائف التي يتم إنشاؤها وأنواع الأهداف طويلة المدى التي يمكن أن تحققها الأموال. وفي الحالة الإثيوبية، يعد مشروع صيانة محركات الطائرات مفيدًا

لتنمية العمالة ذات المهارات العالية ودعم توسع صناعة السياحة. أما الاستثمار العقاري، على العكس، فهو يخلق وظائف بناء ذات أجور منخفضة وإسكان يخدم شريحة صغيرة ثرية من السكان.

لكن احتياجات العراق التمويلية والاستثمارية تبدو كبيرة، وبالتالي يجب على المسؤولين القبول بكل المساعدة التي يمكن أن يحصلوا عليها. وينضم البلد النفطي الذي يعاني من تراكم الأزمات منذ 17 عاما إلى مجموعة واسعة من الاقتصادات الإقليمية التي تتطلع إلى الخليج للحصول على مساعدات واستثمارات، من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام. وبعض هذه الدول هي أيضا منافسة في مجال النفط والغاز.

وتعتبر كل هذه الأسواق محتملة لمنتجات الطاقة ولكن بالنسبة لمصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط، ومن أجل الحفاظ على نفوذهم في تحول الطاقة في المستقبل، هناك بالفعل ميزة لأولئك الذين يمكنهم التحكم في الموارد وتكريسها للطاقة البديلة والمتجددة وتلك الدول التي تضع احتياجات التنمية الخاصة بها أولًا.

'