العلاقة المتوترة بين الآباء تخلق عداوات مهنية وهمية للأبناء – مصدر24

العلاقة المتوترة بين الآباء تخلق عداوات مهنية وهمية للأبناء

من الناحية النظرية، يعتمد النجاح في العمل على مدى التفاعل الجيد بين الزملاء ورب المؤسسة التي يعملون فيها، ومدى الرضا الوظيفي والترقيات والرواتب المجزية، لكن كلما لعب الآباء دورا إيجابيا في حياة أطفالهم، كان ذلك أفضل على بيئة العمل والعلاقات الشخصية.

تساهم عوامل كثيرة في الكيفية التي يتعامل بها الموظفون مع زملائهم في العمل، مثل أجواء المكاتب وشخصيات المسؤولين الإداريين وأرباب العمل، فضلا عن طبيعة شخصيات الزملاء بشكل عام.

لكنّ هناك عاملا آخر خفيا، قد يكون مسؤولا عن معاناة الكثيرين من مشكلات مع زملائهم في العمل، من قبيل العلاقات المشحونة بالخلافات وعدم التعاون أو طلب المساعدة، والرغبة في تحقيق النجاح على حساب الغير، ورفض النقد للآداء السلبي في العمل، وكل هذه الصفات تسبب الكثير من الخلافات، التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الإنتاجية في المؤسسات، وقد يتزايد الضرر ليسبب خسائر مادية كبيرة.

وبعبارة أخرى، يؤثر الجو الأسري والعلاقة بين الأبوين على نمو الطفل وتشكيل سماته الشخصية، وهو ما ينعكس لاحقا على علاقاته المهنية.

وتزداد البراهين المتعلقة بهذه النظرية، ليس على صعيد التأثير على الحياة المهنية فحسب، بل حتى على طريقة العثور على الحياة وتكوين صداقات وعلاقات اجتماعية.

ورغم أن النجاح في العمل يتوقف من الناحية النظرية على مدى التفاعل بين الزملاء مع بعضهم البعض، وبين الأفراد ورب المؤسسة التي يعملون فيها، ومدى الرضا الوظيفي والترقيات والرواتب المجزية، لكن كلما لعب الآباء دورا إيجابيا في حياة أطفالهم، كان ذلك أفضل على بيئة العمل والعلاقات الشخصية.

ولهذا فإن الحياة في بيئة الأسرة التي تسود فيها علاقات متأزمة ومليئة بالمشاحنات، ستؤدي حتما إلى اكتساب الطفل سمات شخصية تتماشى مع البيئة التي نشأ فيها، ومع الوقت تزداد المشاعر السلبية التي اكتسبها رسوخا، ويصبح السلوك العدواني مرضيا في مكان العمل، وهذا السلوك ينبع من ألم تشكل خلال الطفولة.

دراسة:

الأطفال لأب وأم يعيشان في إطار زواج مستقر هم أوفر حظا في تنمية صفات مهنية إيجابية مقارنة بالأطفال الذين يتربون في عائلة من أب أو أم واحدة، أو من أب متزوج من غير الأم أو العكس

ويمكن للطفل أن يحاكي سلوك والديه السيء أثناء تعاملهما مع بعضهما وقد يكون ذلك سببا في جعله يفرط مستقبلا في إيذاء زملائه ليصبح الأمر أشبه بـ”احتجاز رهائن”.

ويؤكد خبراء علم النفس أن العلاقات الودية والناجحة بين زملاء العمل لا تنشأ من فراغ، فالأطفال الذين ينشأون في بيئات أكثر تنظيما لأبوين منسجمين وسعيدين معا، تربطهم مستقبلا علاقات أوثق وأكثر ألفة مع زملائهم في العمل، مقارنة بالأطفال الذين يعيشون في جو أسري مشحون بالخلافات والمشكلات.

وتناولت أبحاث عديدة فكرة تأثير الخلافات بين الأزواج على مستقبل الأطفال المهني ومدى توافقهم في علاقاتهم الزوجية والاجتماعية المستقبلية، وطُرحت الكثير من النظريات في هذا الصدد، منها طبيعة علاقة الطفل بأفراد أسرته والأثر الذي تتركه على شخصيته في الكبر.

لكن النظرية الأكثر انتشارا، والتي تكاد تصبح حقيقة مسلما بها، هي أن طريقة التفاعل بين الزملاء، التي قد تتشكل بناء على طبيعة العلاقة بين الوالدين؛ خاصة في ما يتعلق بكيفية التعاطي مع خلافاتهما؛ فهل كانا ينزعان للطرق الودية والبناءة أم يميلان للشجار والصراع؟

وخلص استعراض لعدة دراسات إلى أن جودة العلاقة بين الآباء، من حيث وجود ألفة وود بينهم أو صراعات أو تمييز في التعامل بينهم، قد تسبب لأبنائهم مشكلات نفسية وسلوكية على المدى الطويل أو تحميهم من مخاطرها.

وأظهرت دراسة تحت عنوان “بناء الشخصية”، حللت معلومات ومعطيات أخذت من الآلاف من الأسر أن الأطفال الذين ينحدرون من بيئة أسرية يسودها الود والتفاهم بين الأم والأب ينمّون قدرات وصفات إيجابية في طريقة التعاطي مع زملائهم.

وبيّنت الدراسة أن الأطفال لأب وأم يعيشان في إطار زواج مستقر هم أوفر حظا في تنمية صفات مهنية إيجابية مقارنة بالأطفال الذين يتربون في عائلة من أب أو أم واحدة، أو من أب متزوج من غير الأم أو العكس.

وتؤكد الدراسة أن العوامل الاجتماعية والعاطفية والاقتصادية في المجتمعات البشرية تؤثر في نوعية العلاقة بين الآباء والأطفال، ويمكن أن يظهر أثر ذلك بالتوالي في بيئات العمل، فالأشخاص الذين ينشأون في بيئات أكثر تنظيما لأبوين منسجمين وسعيدين معا، تربطهم علاقات أوثق وأكثر ألفة بزملائهم مقارنة بالأطفال الذين يعيشون في جو أسري مشحون بالخلافات والمشكلات.

وقال العلماء إن ما عثروا عليه من نتائج قد يكون ذا صلة تساعد على تفهم أهمية التدخل المبكر في حياة الطفل عبر التأثير في شخصيته وسلوكياته، ومساعدته على تنمية العديد من مهارات التواصل الاجتماعي.

وتشير دراسة بريطانية حديثة إلى أن صفات في الشخصية مثل الانضباط الداخلي ووضوح الهدف والغرض، والجاذبية الاجتماعية، تتطور أكثر عند الأطفال الذين يتربون في بيئة أسرية يتوازن فيها الحب مع الانضباط.

الماضي الأسري المشحون بالخلافات يقوّض العلاقات المهنية بين الزملاء
كثرة التشاحن والشجار بين الوالديْن تؤدي إلى التأثير على ما يُعرف بـ”نمط التعلق” الخاص بابنهما

ووجدت الدراسة أن صفات كهذه، مهمة جدا في حياة تتوفر فيها فرص مهنية معيشة أفضل.

وأكدت الدراسة أن مثل هذه الصفات تبدأ في التشكل بشكل واضح وعميق خلال السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل.

ويؤكد علماء النفس أن كثرة التشاحن والشجار بين الوالديْن تؤدي إلى التأثير على ما يُعرف بـ”نمط التعلق” الخاص بابنهما، وهو النمط الذي يحدد كيفية تعامله مع الآخرين. وربما يلقي ذلك بظلاله على مقدرته على إقامة علاقات صحية في مكان العمل.

وترجع نظرية “التعلق” إلى منتصف القرن الماضي وقد صاغها عالم النفس البريطاني جون بولبي. وتشير هذه النظرية إلى السنتين الأوليين من عمر الطفل واللتين تمثلان مرحلة حرجة يكون لها وقع كبير على الأداء الوظيفي للطفل اجتماعيا، وعاطفيا وإدراكيا.

وينقسم هذا “التعلق” إلى عدة أشكال منها؛ “نمط التعلق الآمن” الذي يشعر أصحابه بالثقة في أنفسهم وفي الآخرين، أما الثاني فهو “نمط التعلق القَلِق”، الذي تقل ثقة أصحابه في أنفسهم ويخشون كذلك من التعرض للرفض أو التجاهل من جانب الآخرين، ويسعون دوما للحصول على تطمينات منهم.

ويُعرف النمط الثالث باسم “نمط التعلق ذو الطابع الانطوائي”، الذي تقل ثقة أصحابه في أنفسهم وفي الآخرين كالنمط الثاني، لكن الاختلاف يكمن في أنهم يستطيعون التكيف مع هذا الأمر، من خلال تجنب الاقتراب الشديد ممن حولهم.

وهناك عدد كبير من العوامل التي تسهم في تشكيل “نمط التعلق” الذي يطوّره كل شخص. ومن بينها، طبيعة استجابات الوالديْن للمواقف التي يمران بها، بجانب طبيعة شخصية الإنسان نفسه، التي تتشكل بدورها بفعل مزيج من العوامل البيئية والوراثية.

كما تلعب طبيعة علاقة الوالديْن ببعضهما البعض دورا في تشكيل “نمط التعلق” فالأب والأم يقدمان لأطفالهما نموذجا لكيفية تسوية المرء خلافاته مع من يرتبط معهم بعلاقات وثيقة، وذلك بالطبع إذا كانت تلك الخلافات قابلة للحل من الأساس.

لكن العامل الرئيسي الذي يؤثر على تربية الطفل بشكل واضح هو الدعم الذي يقدمه الأزواج لبعضهم، فالكثير من الآباء والأمهات قد لا يجدون دعما أو مساندة في تربية أطفالهم، سواء من شريك الحياة أو العائلة أو حتى الحكومة، قد يشعرون بأنهم منهكون من كثرة الأعباء، ويصبح من الصعب إقامة علاقة صحية ووطيدة مع أزواجهم وأطفالهم.

'