العمال في بريطانيا يحذرون الحكومة: قيدوا الذكاء الاصطناعي – مصدر24

العمال في بريطانيا يحذرون الحكومة: قيدوا الذكاء الاصطناعي

لندن – صيحة حذر أطلقتها نقابات العمال البريطانية حثت من خلالها الحكومة على ضرورة العمل على تنظيم الكيفية التي تستخدم فيها الشركات الذكاء الاصطناعي في العمل بشكل عاجل، محذرة من التمييز على نطاق واسع إذا تُركت التكنولوجيا دون رادع. وكانت السنوات العشر الأخيرة قد شهدت تزايد استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في عمليات التوظيف والإقالة والقرارات اليومية المتعلقة بظروف العمل، لكن القانون لم يواكب ذلك، وفقا لتقرير صدر عن مؤتمر نقابات العمال في بريطانيا مؤخرا.

خطوط حمراء

بوريس جونسون: هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به، وسنقوم به

الحالات التي تحدث عنها التقرير تشمل تفضيل الذكاء الاصطناعي للرجال على النساء، ومعاقبة الأقليات العرقية، والحكم على الناس من خلال تعبيرات وجوههم. ويقول الخبراء إنه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يجعل العمل أكثر كفاءة، ويضمن حصول الموظفين على رواتبهم من خلال الأداء وليس الجنس، وتقييم الجهود التي يبذلها الأشخاص الذين يشغلون الآلات الثقيلة كثيرا أثناء القيادة. وقال مؤلفا التقرير ومحاميا حقوق التوظيف روبن ألين ودي ماسترز في بيان “يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي في تغيير وتحسين ظروف العمل إلى الأبد إذا استُخدم بشكل صحيح. أما في حال استخدم بطريقة خاطئة، فقد يتسبب بمخاطرة كبيرة للغاية”. وذكر التقرير أن هناك خطوطا حمراء واضحة يجب عدم تجاوزها حتى لا يخلو العمل من البصمة الإنسانية، مشيرا إلى “ثغرات هائلة” في القانون البريطاني.

من جانبها أكدت الحكومة البريطانية إنها ستسعى إلى ضمان أن تلبي اللوائح احتياجات التكنولوجيا الجديدة، وكشفت عن تعيين لجنة خبراء مستقلة لتقديم المشورة لها. وقال متحدث باسم الحكومة في بيان “يجب استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم العمال والمجتمع بشكل عام، الهدف النهائي هو توظيف التكنولوجيا بطريقة تجعل الحياة العملية أكثر سهولة وأكثر كفاءة”.

المواكبة مستحيلة

الذكاء الاصطناعي يظهر تحيز للرجال ضد النساء
الذكاء الاصطناعي يظهر تحيز للرجال ضد النساء

وأدت جائحة كورونا إلى تسريع استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل، وفقا لمؤتمر نقابات العمال الذي يضم 48 نقابة تمثل أكثر من 5 ملايين عامل في بريطانيا. وفي يوليو 2020 أظهر استطلاع شمل ما يقرب من 10 آلاف شركة في 30 دولة أوروبية أن 42 في المئة منها تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي في مجال واحد على الأقل، وأن 18 في المئة من هذه الشركات لديها خطط مستقبلية لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال العامين المقبلين.

وغالبا ما تشمل القرارات التي تتخذها الخوارزميات اختيار المرشحين للمقابلة وتقييمات الأداء وتخصيص المناوبات، وفقا للنقابات. ومع ذلك كثيرا ما يظل العمال غير مدريكن لدور الخوارزميات في القرارات التي تؤثر عليهم، وغالبا ما يفتقرون إلى أي طريقة لتحدي هذه القرارات. وبينما يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الإنتاجية، تظهر الأبحاث أن بعض الخوارزميات تخص الأقليات بمعاملة غير عادلة.

في 2018 أُجبرت أمازون على إلغاء محرك توظيف للذكاء الاصطناعي وُجد أنه يفضل الرجال على النساء، وتساءل الباحثون عن دقة البرنامج الذي يحلل تعابير الوجه لتقييم مدى ملاءمة المرشحين للوظائف للقيام بدور ما. وقالت النقابات البريطانية إنه يجب على أصحاب العمل التشاور مع النقابات قبل إدخال أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تؤثر على الرواتب وقرارات العمل الرئيسية الأخرى، وهي خطوة يقول الخبراء إنها يمكن أن تفيد الجميع.

العمال لا يدركون دور الخوارزميات في القرارات التي تؤثر عليهم ويفتقرون إلى طريقة لتحدي هذه القرارات

وقال جيريمياس آدامز براسيل الباحث في التكنولوجيا في العمل بجامعة أكسفورد لمؤسسة تومسون رويترز “تتحرك التكنولوجيا بسرعة أكبر من محاولة تنظيمها بقانون. وبالتالي ستكون المواكبة شبه مستحيلة”. وتشمل الإصلاحات المقترحة الأخرى منح العمال الحق في أن يراجع البشر أي قرارات يتخذها الذكاء الاصطناعي و”التوقف” عن العمل في مناطق “خالية من الاتصالات” في الحياة اليومية.

وقالت الأمينة العامة لمؤتمر النقابات في بيان إنه “دون قواعد عادلة يمكن أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل إلى تمييز واسع النطاق ومعاملة غير عادلة، خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين يشتغلون في أعمال غير آمنة وفي اقتصاد الوظائف المؤقتة”.

والسؤال الذي يجب أن يطرح قبل توجيه اللوم للذكاء الاصطناعي والخوارزميات وتحميلهما مسؤولية اتخاذ قرارات منحازة هو: ما الذي جعل هذه التكنولوجيا تميز بين النساء والرجال، وبين ملامح وجوه البشر، وحتى بين انتماءاتهم الدينية في التوظيف، وفي قرارات أخرى تهم وضع العاملين، باختصار ما الذي يجعل الذكاء الاصطناعي عنصريا؟

إنها البيانات، الخوارزميات تبني قراراتها على مجموعة هائلة من البيانات والمقارنة بينها. يجب أن نعلم بأن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تعتمد بشكل رئيسي على ما يزودها به المبرمجون من معلومات وبيانات قد تستخدم بشكل عنصري.

والتعلم العميق، وهو أساس تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يعني بشكل أساسي أن الخوارزميات تتغذى على البيانات الموجودة ثم تتعرف على البيانات دون الحاجة إلى تدخل بشري.

وفي التعلم العميق تتعلم خوارزمية برنامج ما التصنيف مباشرة من الصورة والنص والصوت، كما يمكن أن تحقق دقة متطورة تتجاوز في بعض الأحيان الأداء على المستوى البشري.

ومما لا شك فيه أن البيانات المستخدمة في برمجة الذكاء الاصطناعي تلعب دورا رئيسيا في مسألة العنصرية والتمييز العنصري. في حالة تغذية أنظمة الذكاء الاصطناعي المُخطط استخدامها في المجال الحقوقي ببيانات تحوي تمييزا عنصرياً فسيؤدي ذلك إلى إدانة الأشخاص ذوي البشرة السوداء بشكل تعسفي.

تفشي العنصرية

ديفيد لامي: وعود جونسون بالمراجعة كتبت على ظهر عبوة سجائر

ويوصي الخبراء بضرورة إعداد بيانات التدريب وتعديلها بالشكل الذي لا يضر بالأقليات، وذلك لتجنب مواقف مثل التحيز والتمييز العنصري في خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

وهذا يحيل مباشرة إلى الجانب البشري الذي قام ببرمجة تلك الأنظمة وتغذيتها بالمعلومات والبيانات وإلى خلل أساسي في المجتمع، قبل أن يجري الحديث عن الذكاء الاصطناعي والاعتماد عليه في التوظيف واتخاذ القرارات اليومية التي تخص العاملين.

وهناك دراسات بريطانية سبق أن أكدت تفشي العنصرية حتى على المستوى الأمني ومستوى العدالة الجنائية.

كلية لندن للاقتصاد أجرت دراسة عام 2018 أظهرت أن الأشخاص السود أكثر عرضة للاعتقال والتفتيش بثمانية أضعاف الأشخاص البيض. وكانت رئيسة شرطة لندن قد قدمت في نفس الفترة التي ظهرت فيها الدراسة اعتذارها للعداءة البريطانية بيانكا ويليامز بسبب “المعاناة” نتيجة توقيفها من قبل الشرطة وإخضاعها لتفتيش لم يثمر عن وجود أية مخالفة للقانون.

وفي العام نفسه أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مراجعة حكومية بشأن “جميع أوجه عدم المساواة” في أعقاب موجة من الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في بريطانيا، في خطوة قوبلت بانتقادات ممن اعتبروا أن هدفها تأخير اتخاذ إجراءات حقيقية.

وكتب جونسون في صحيفة ديلي تيليغراف إنه تم إحراز “تقدم هائل” في معالجة العنصرية “لكن هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به وسنقوم به”.

وأوضح أنه “حان الوقت أن تنظر لجنة حكومية مشتركة في جميع جوانب عدم المساواة في التوظيف والمحصلات الصحية والأكاديمية وجميع مناحي الحياة الأخرى”.

وقال جونسون في مقابلة إنه يسعى إلى “تغيير الرواية لنوقف الشعور بالأذى والتمييز”، مضيفا “نوقف التمييز ونقضي على العنصرية ويبدأ لدينا شعور بتوقع النجاح”.

لكن وزير العدل في حكومة الظل التابعة لحزب العمال المعارض ديفيد لامي قال إن عدم وجود تفاصيل بشأن المراجعة الجديدة يشير إلى أنها “كتبت على ظهر عبوة سجائر”.

وقال لامي إن الحكومة يجب أن تركز على تنفيذ توصيات العديد من المراجعات التي أنجزت بالفعل، بما في ذلك مراجعة من قبل لامي نفسه بشأن التمييز في العدالة الجنائية.

'