العمل العاطفي – مصدر24

العمل العاطفي

عندما سألت المهندس الذي ركّب جهاز تدفئة جديد في منزلي عن عمله الشاق ذهنيا وجسديا، وصفه لي بالرائع. لم يتذمر ولو للحظة واحدة مع كل الصعوبات التي واجهته لمد أنابيب الغاز ولحمها في مساحات ضيقة لا تمنحه حرية الحركة والسيطرة على أدواته. كان يتمتع بالتفكير ليجد الحلول. لم يفكر بالوقت والانتهاء بأي طريقة من مهامه. كان باختصار يجسد بامتياز مفهوم “العمل العاطفي”.

يشير هذا المصطلح الذي صار يوضع كأحد أهم المؤشرات في نجاح المشاريع الاقتصادية مع أنه غير مرئي وغير مدفوع الثمن كما يبدو من الوهلة الأولى، إلى الطاقة العاطفية غير المرئية والتي غالبا ما يتم التقليل من قيمتها، مع أنها تنطوي على إبقاء الأطراف الشريكة في هذا العمل، مرتاحين وسعداء.

صاغته للمرة الأولى عام 1983 عالمة الاجتماع في جامعة كاليفورنيا آرلي راسل هوشيلد، حيث تم استخدام المصطلح في الأصل لوصف عمل إدارة المشاعر الشخصية في سياق مهني، لاسيما في الوظائف العامة حيث يعمل الموظفون لإنتاج شيء معين وفق التأثير العاطفي على عملائهم “على سبيل المثال، تبتسم المضيفات بحرارة لجعل الركاب يشعرون بالترحيب”.

ماذا عن العمل الإبداعي، فالنجار ينتشي بإنجاز قطعة فنية مبتكرة تشد الذائقة البصرية وتوفر خيارا مريحا للمستخدم، وقبل ذلك تزيد من أرباحه. دعك من التأليف والكتابة لأنها بالأساس نتاج عاطفة معينة.

قسمت هوشيلد العمل العاطفي إلى تمثيل سطحي وآخر عميق. يحدث السطحي عندما يُظهر الموظفون المشاعر المطلوبة لوظيفة ما دون تغيير شعورهم الفعلي. أما التمثيل العميق فهو عملية مجهدة يقوم من خلالها الموظفون بتغيير مشاعرهم الداخلية لتتماشى مع التوقعات التنظيمية، مما ينتج عنه عروض عاطفية طبيعية. ذلك ما يمكن لي أن أعزو له عمل مهندس التدفئة في منزلي الذي استمر ثلاثة أيام من دون أن تظهر عليه علامات المشقة.

ومع ذلك، يستخدم المصطلح في الكثير من الأحيان لوصف العمل الذي يحدث في المجال المنزلي، والذي هو ضروري للحفاظ على أسرة تمضي حياتها بسلاسة.

يقدم لنا المدافعون عن فكرة العمل العاطفي وصفة إنسانية مثيرة لجعله مسارا في حياتنا اليومية، عندما نفهم الديناميكية ونحدد المشكلة ونتحدث إلى الشريك ونطلب الدعم. العمل العاطفي ليس في الإنتاج فحسب، إنه في طبيعة علاقتنا الاجتماعية. فجزء من مشكلة تقاسم هذا العبء هو أن معظم الشركاء لا يفهمون الخسائر التي يتحملها الشريك الآخر، حتى عندما يشرحها لهم.

تقول هوشيلد: غالبا ما يقع العمل العاطفي على النساء وكأن القدر الاجتماعي جعلهن يتولين الحياة العاطفية للآخرين. فالنظر للمرأة مجرد مربية يضع جانبا احتياجاتها الإنسانية الخاصة.

لكن مثل هذا التفسير لعدم التوازن في العمل العاطفي لا يرتبط دائما بالوقائع الجندرية، عندما يتطلب من الرجال أن يكونوا أفضل من في الأسرة بإدارة شؤون العاطفة. صحيح أن التاريخ يقول إن المرأة كانت الأفضل، لكن من نجح غالبا في إدارة الخلل العاطفي؟

الرجل الصالح سيرغب في الصعود إلى المستوى المطلوب بمجرد أن يدرك أن المخاض العاطفي أكبر من أن يتحمله الشريك بمفرده.

مع ذلك تبرز أمامنا حزمة من الأسئلة، عندما يمرض الطفل، من يطلب؟ وعند نشوء خلاف، إلى أي مدى تحاول المرأة حماية غرور الرجل؟ ذلك ما تجيب عليه فلسفة العمل العاطفي التي تبدو تنظيرية مجردة، لكنها في حقيقة الأمر أعمق بكثير من ذلك. ولا تتوقف الحاجة الماسة إليها في حياتنا.

'