الغنوشي لخصومه في النهضة: أنا باق وأتمدد – مصدر24

الغنوشي لخصومه في النهضة: أنا باق وأتمدد

تونس – لا يبدو أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، ورئيس البرلمان التونسي، قد قبل بفكرة التنحي عن رئاسة الحركة والتوقف بمستقبله السياسي عند مؤتمرها القادم الذي يفترض أن يختار غيره رئيسا جديدا للحزب الإسلامي، وفق ما يقول نظامه الداخلي.

وجدّد الغنوشي تمسكه بتعيين محمد الغرياني، آخر أمين عام للحزب الحاكم في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، مستشارا له في البرلمان، وهي خطوة تظهر أن الغنوشي يفكر في تدعيم وضعه وزعامته في المستقبل، وأنه لا يقيم وزنا للاءات معارضيه في النهضة الذين يخططون لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية 2024.

محمد الغرياني لا يمتلك القدرة والأدوات لتنفيذ أهداف الغنوشي وخططها

وتقول أوساط مقربة من النهضة إن تصريحات الغنوشي الأخيرة بشأن قبوله بالفصل 31 من النظام الداخلي الذي يمنعه من التمديد في رئاسة الحركة مناورة، كان الهدف منها ربح الوقت وإسكات خصومه الذين باتوا يتحركون بشكل مربك له.

وأشارت هذه الأوساط إلى أن الغنوشي يريد أن يظهر للمؤتمر وكأنه غير مرشح لأي دور مستقبلي، وأنه سيفاجئ خصومه بمبادرة صهره رفيق عبدالسلام ورئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني التي تهدف إلى انتخاب قيادة برأسين، رئيس حركة مهمته القيادة اليومية، وزعيم تسند إليه مهام تمثيل الحركة خارجيا، والترشح باسمها للمهام الكبرى على مستوى البلاد؛ رئاسة الجمهورية، أو الحكومة، أو البرلمان.

وقال الغنوشي في كلمة له أمام البرلمان، الأحد، إن “استقطاب (تعيين) محمد الغرياني يتنزل في إطار تحييد مستشاريه”، ويقصد بذلك انتداب شخصيات مستقلة عن النهضة، لكن هذا لا يمنع أن يكون المنتدبون موالين له ويتعهدوا برد الجميل له، وهي سياسة اعتمدها الغنوشي منذ الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث لجأ إلى ترشيح أبناء وبنات رجال أعمال على قائمات النهضة بالرغم من المعارضة الداخلية القوية التي تعتقد أن أبناء الحركة أولى بالمناصب الحكومية.

وتحقق هذه الإستراتيجية أهدافا مختلفة للغنوشي، منها تحييد خصومه داخل النهضة وأنصارهم ومنعهم من تولي المناصب في الدولة، وجعل اختيار أي شخص في أي وظيفة مرتبطا بالغنوشي والفريق البراغماتي الذي يحيط به نفسه.

ولا ييأس الغنوشي من تسويق نفسه محليا وخارجيا على أنه البديل الذي يرعى مصالح رجال الأعمال وأصحاب الشركات وداعميهم الخارجيين تحت عنوان المصالحة الوطنية، والتي ينظر إليها زعيم النهضة على أنها مصالحة الدولة العميقة معه مقابل ضمان مصالحها ومنع مرور أي قوانين يمكن أن تؤثر في تلك المصالح.

وزاد تمسك زعيم النهضة بمبادرته للمصالحة الوطنية بعد أن طرح الرئيس التونسي قيس سعيد بدوره مبادرة للمصالحة مع رجال المال والأعمال، تقوم على تسوية أوضاعهم مقابل تمويل مشاريع وبرامج اقتصادية واجتماعية سبق أن وعد بها، ما يسمح بتدعيم وضعه كمرشح لانتخابات 2024.

ويريد الغنوشي وقيس سعيد ركوب قضية المصالحة لتثبيت زعامتهما المستقبلية، لكن رئيس البرلمان يعتقد أنه يمكن أن يخترق دوائر المال والأعمال من خلال الوعود الفضفاضة بالمصالحة التي تقوم على تقوية المشترك الوطني، أو استقطاب من قال إنهم “انتقلوا إلى أرضية الثورة” وأبدوا رغبة في المصالحة مع الثورة، والمقصود مصالحة الأحزاب الجديدة ونفوذها وأجنداتها.

لكن إغراءات الغنوشي لا يبدو أنها قادرة على استقطاب النواة الصلبة لرجال الدولة والكفاءات التي سبق أن عملت قبل 2011، وهي كفاءات تريد أن تخدم البلاد دون أن ترهن نفسها لأي جهة أو تتحول إلى مطية لهذا السياسي أو ذاك للترويج لنفسه وشرعيته.

مساعي الغنوشي لافتكاك المبادرة من قيس سعيد
مساعي الغنوشي لافتكاك المبادرة من قيس سعيد

ويقول مراقبون إن الغنوشي فشل خلال عشر سنوات من ثورة 2011 في تبديد صورته القديمة كرئيس حركة اتسمت مواقفها منذ البداية بالتشدد ومعاداة قيم الدولة الوطنية الحديثة، وارتبط بعض أعضائها بممارسة العنف واستهداف الخصوم.

ولفت المراقبون إلى أن الاستدارة الكلية للغنوشي بإحداث انقلاب مواقف في قضايا مدنية وحقوقية، أو محاولة المصالحة مع الدولة، لا تكفي وحدها لتبديد مخاوف رموز المنظومة القديمة وكفاءاتها مع استمرار الشعبوية وخطاب التحريض وخطط وضع اليد على ممتلكات رجال الأعمال وأموالهم.

وقلل هؤلاء من الدور الذي يمكن أن يلعبه الغرياني في تنفيذ أهداف الغنوشي وخططها، معتبرين أن آخر أمين عام للتجمع بلا وزن سياسي لدى المنظومة التي عملت مع زين العابدين بن علي، وكان دوره في التجمع محدودا خاصة أن صعوده كان ضمن مسار استفادة الدولة من الشباب وليس بفعل تراكم تجاربه وعلاقاته.

ولا تمكّن تجربة الغرياني -وخاصة سياسته في التبرؤ من الماضي واللحاق بركب الثورة- من تحقيق ما يريده الغنوشي من تحجيم دور رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي ومحاصرتها ضمن دائرة الغاضبين من الثورة ممن عملوا مع التجمع. والسبب بسيط، ذلك أن موسي تستفيد من فشل أداء حكومات ما بعد الثورة لاستقطاب الغاضبين، وكثير منهم من الشباب الذين لم يعملوا مع التجمع.

'