القاهرة تخوض معركة توفير دولارات الكهرباء – مصدر24

القاهرة تخوض معركة توفير دولارات الكهرباء

تخوض مصر معركة مضنية لتوفير دولار الكهرباء في ظل أزمة مالية ضيقت الخناق أكثر على الناس بعدما اضطرت الحكومة إلى ترشيد استهلاك الطاقة، وذلك في الوقت الذي يصر فيه الخبراء على أنه لا مفر من قرض صندوق النقد الدولي لتجاوز هذه المحنة.

القاهرة – لجأت الحكومة المصرية إلى خفض إضاءة الساحات العامة ضمن إجراءات ترشيد استهلاك الطاقة أملا في تصدير كميات أكبر من الغاز للحصول على دولارات إضافية تدعم بها الاحتياطات النقدية الآخذة في التبخر بشكل متسارع.

ويشهد البلد مرحلة حرجة في ما يتعلق بالسياسات المالية، فهو يحاول من جهة ضبط ارتفاع الأسعار بعد أن وصل معدل التضخم إلى 15 في المئة، بينما يسعى من جهة أخرى إلى توفير النقد الأجنبي للخروج من نفق تبعات الحرب في أوكرانيا.

وتتفاوض القاهرة مع صندوق النقد من أجل قرض جديد لدعم البلد الذي تصل فيه نسبة الفقر إلى نحو 30 في المئة من مجمل السكان الذين يتجاوز عددهم 103 ملايين نسمة.

هاني جنينة: المشكلة تكمن أساسا في اتباع السياسة النقدية نفسها

واتخذت السلطات إجراءات عديدة تتوقع أن يسمح تطبيقها بتوفير القطع، بدءا بتخفيض قيمة الجنيه في مارس الماضي بنحو 17 في المئة أمام الدولار ليتجاوز سعر بيع العملة الأميركية 18 جنيها آنذاك.

كما وافقت الحكومة، بحسب بيان رسمي، مؤخرا على مشروع قرار لترشيد استهلاك الكهرباء بما في ذلك “تخفيض إنارة الشوارع والميادين العمومية”، من أجل توفير كميات من الغاز الطبيعي “لتصديرها”.

وقال شاب مصري ثلاثيني لوكالة الصحافة الفرنسية، طالبا عم كشف هويته، “أرى أعمدة الإنارة في الشوارع تعمل نهارا ونحن نعاني ارتفاع أسعار الكهرباء، أولى أن يبحثوا (الحكومة) عمن يسرق الكهرباء ونسدد نحن بدلا عنه”.

ويرى الخبير الاقتصادي هاني جنينة أن الحكومة تحتاج حتى منتصف أكتوبر المقبل إلى القيام بـ”إجراءات إصلاحية قاسية نتجرع منها جرعة سريعة في الأمد القصير حتى نتمكن من توفير الدولار”، على رأسها تحرير سعر الصرف بشكل كامل.

وبعدما أشار إلى أن “المشكلة تكمن في السياسة النقدية نفسها”، قال المحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة “من الأسباب الكلاسيكية لتعرض بعض الدول الناشئة لأزمات اقتصادية تثبيت سعر الصرف بشكل وهمي”.

وأوضح أن ذلك “يشجع (المقترض الحكومي) على الاقتراض من الخارج ما يعرض البلد إلى مأزق حال طلب السداد”.

وتابع جنينة “منذ الأسبوع الماضي وهناك نقص حاد في توفير الدولار للمستوردين من قبل البنوك في مختلف القطاعات”، معتبرا أن الحل يكمن في “تسريع وتيرة التفاوض مع صندوق النقد”.

وكانت مصر حصلت سابقا على قرض قيمته 12 مليار دولار من الصندوق بموجب اتفاق تم توقيعه نهاية 2016، وقرضين آخرين في 2020 بقيمة 5.4 مليار دولار لتطبيق برنامج اقتصادي و2.8 مليار دولار لمواجهة الوباء.

وكتبت شركة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث بلندن في تقرير تقول إن “طول أمد المحادثات مع الصندوق يدل على أن بعض المسؤولين يترددون في متابعة مطالبه ويفضلون الاعتماد على الدعم المقدم من اقتصادات الخليج الغنية بالنفط”.

وقرر الرئيس عبدالفتاح السيسي في وقت سابق هذا الشهر تعيين المصرفي المعروف حسن عبدالله الذي شغل منصب العضو المنتدب للبنك العربي الأفريقي الدولي بالقاهرة لقرابة 16 عاما، قائما بأعمال محافظ البنك المركزي خلفا لطارق عامر الذي استقال بشكل مفاجئ قبل عام من انتهاء فترة ولايته الثانية.

ولم تعرف أسباب رحيل عامر رسميا لكن بعض وسائل الإعلام المحلية ذكرت أن أحد الأسباب هو “عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

ويرى جنينة أن “خلاف وجهات النظر داخل الحكومة مبني على سرعة تنفيذ الإجراءات، ولكن هناك اتفاقا على المستهدفات”.

وأشار إلى أن الصندوق قد يطلب تطبيقا عاجلا في بعض الملفات مثل الدعم وسعر الصرف، بينما تفضل الحكومة القيام بذلك تدريجيا.

ويرى الخبير في كابيتال إيكونوميكس جيمس سوانستون أن قيمة الجنيه “بحاجة إلى أن تخفض مجددا ليبلغ سعر الدولار 25 جنيها بنهاية 2024 لتجنب التعرض لاختلالات خارجية”، أي نقص النقد الأجنبي. وأضاف أن ذلك “يتطلب من صانعي السياسة التمسك بهذا التغيير”.

ويتوقع سوانستون أن يمهل الاتفاق مع صندوق النقد مصر “فترة راحة من بعض الضغوط الخارجية وسيسمح خصوصا بطمأنة المستثمرين، ويفترض أن يساهم في جذب الاستثمار مرة أخرى”.

وتفيد بيانات المركزي بأن مصر شهدت خروج 14.6 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في الربع الأول من هذا العام “ما يعكس قلق المستثمرين إثر اندلاع الصراع الروسي – الأوكراني”، كما يقول سوانستون.

التقشف سياسة الحكومة المصرية لمجابهة أزمة الكهرباء
التقشف سياسة الحكومة المصرية لمجابهة أزمة الكهرباء

ووصل حجم النقد الأجنبي الذي خرج من السوق المصرية في نهاية النصف الأول إلى أكثر من 35 مليار دولار، وذلك مع تحول صافي الأصول الأجنبية لتسجيل سالب 370.1 مليار جنيه (سالب 19.3 مليار دولار) من 251.7 مليار جنيه (13.1 مليار دولار).

واستنزف عجز ميزان المعاملات الجارية 5.79 مليار دولار من الاقتصاد في الربع الأول فقط من 2022.

ومع ذلك أعلنت وزارة التخطيط الأسبوع الماضي تحقيق معدل نمو اقتصادي للعام المالي الماضي المنتهي في أواخر يونيو الماضي نسبته 6.6 في المئة “مدفوعا بطفرة نمو محققة في الأشهر التسعة الأولى”، قبل أن يبدأ ظهور انعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية.

ووفقا للإحصائيات الرسمية بلغت نسبة النمو في العام المالي الذي سبقه حوالي 3.3 في المئة.

وأعلنت القاهرة في 2018 تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، خصوصا بعد دخول حقل ظهر العملاق على خارطة الإنتاج، ليصل معدل الإنتاج إلى قرابة سبعة مليارات قدم مكعب يوميا. ولذلك يبدو هذا القطاع واعدا في إطار الجهود المبذولة لتجاوز الأزمة.

جيمس سوانستون: لتجنب صدمات جديدة لا بد من خفض آخر للجنيه

وأوضحت الحكومة في بيانها حول ترشيد استهلاك الكهرباء أن الهدف هو “تحقيق فائض إضافي متوسطه نحو 15 في المئة من حجم الغاز الطبيعي الذي يضخ لمحطات الكهرباء، على مدار العام بغرض تصديره والاستفادة من العملة الصعبة”.

وشددت على “تخفيض إنارة الشوارع والميادين العمومية”، وعلى رأسها ميدان التحرير الذي بلغت كلفة إضاءته أثناء تطويره حوالي 4 ملايين دولار.

وتفيد بيانات المركزي بأن قيمة صادرات مصر من الغاز ارتفعت إلى 5.6 مليار دولار خلال الفترة بين أكتوبر 2021 ومارس الماضي.

ووقعت مصر في يونيو مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل مذكرة تفاهم تهدف إلى تصدير الغاز إلى أوروبا، في محاولة لإيجاد بدائل للطاقة الروسية.

ومقابل التدابير الحكومية للاصلاح، قد يدفع ضريبة ذلك محدودو الدخل في البلاد. ولذلك وجّه السيسي في السادس والعشرين من يوليو الماضي بتطبيق حزمة اجراءات للدعم الاجتماعي بينها “مساعدات استثنائية لتسعة ملايين أسرة لمدة ستة شهور قادمة، بتكلفة إجمالية حوالى مليار جنيه شهريا (نحو 52 مليون دولار)”، كما ورد في بيان للرئاسة المصرية.

وتساءل محمود الصعيدي بائع الفاكهة المتجول في شوارع محافظة الجيزة عن كيفية التعايش مع الظروف والغلاء في ظل كسبه البسيط.

وقال البائع الأربعيني والأب لأربعة أطفال “أعود إلى قريتي وعائلتي في الصعيد بعد كل أربعين أو خمسين يوما من العمل في الجيزة ومعي فقط حوالي 600 جنيه (31.3 دولار) متبقية من الربح”. وأضاف “ماذا سأفعل بهذا المبلغ؟”.

'