القيود الألمانية على بيع السلاح للسعودية – مصدر24

القيود الألمانية على بيع السلاح للسعودية

القيود الألمانية على بيع السلاح للسعودية.. “ديماغوجيا” برلين تغضب لندن وباريس

ألمانيا تواجه انتقادات متزايدة من حلفائها بشأن سياستها التي توصف بالمتناقضة في مجال تصدير الأسلحة.

برلين – يكشف الجدل المتصاعد بشأن وقف ألمانيا تصدير السلاح للسعودية، عن وجود إشكالات في المضي بتنفيذ مثل ذلك القرار يعكسها احتجاج سياسيين وفاعلين اقتصاديين يحذّرون من خسائر لا تمسّ فقط قطاع صناعة السلاح والمستفيدين منها بشكل مباشر، لكنّها ستخلّف على مدى أبعد تبعات اجتماعية تمسّ مواطن الشغل وأوضاع العمال المشتغلين في القطاع وباقي القطاعات المتصلة به.

ويذهب المعترضون على مثل ذلك القرار إلى القول إنه بمثابة تنازل طوعي عن موطئ قدم في سوق عالمية تشتد فيها المنافسة، بحيث يوجد دائما من هو على أهبة الاستعداد للتعويض الفوري وتلبية حاجة أي طرف للسلاح الذي لا يُتاح له اقتناؤه من مصنّع آخر.

وتتحوّل المشكلة إلى معضلة، حين يحتج شركاء كبار لألمانيا على تعطيلها مصالحهم في بيع السلاح، نظرا لشراكتهم معها في تصنيع بعض الأسلحة كما هو حال فرنسا وبريطانيا.

وتواجه ألمانيا انتقادات متزايدة من حلفائها بشأن سياستها التي توصف بالمتناقضة في مجال تصدير الأسلحة، بين إجراءاتها التقييدية الهادفة إلى تأكيد القطيعة مع النزعة العسكرية النازية، وكونها من المصدّرين الرئيسيين للسلاح في العالم.

والتوتر الذي كان كامنا منذ فترة، ظهر للعلن خصوصا مع لندن وباريس، ووضع حكومة المستشارة أنجيلا ميركل في وضع حرج من شأنه أن يزيد من تعقيد مصاعبها السياسية الداخلية.

وتحدث وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت مباشرة في الأمر خلال زيارة لبرلين، مشيرا إلى وجود خلاف بشأن مبيعات الأسلحة للسعودية التي جمدتها ألمانيا منذ اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر الماضي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول.

وفي رسالة قوية موجهة إلى نظيره الألماني هايكو ماس نشرتها مجلة دير شبيغل الألمانية، اتهم هانت برلين بـ“عدم الولاء” آخذا عليها منع أوروبا “من الوفاء بواجباتها في إطار حلف شمال الأطلسي”.

والسبب بالنسبة للندن يتمثل في استحالة وفاء المصنّعين البريطانيين بعقود أسلحة للرياض بسبب تعليق تسليم قطع غيار الطائرات المقاتلة من نوع يوروفايتر أو من نوع تورنيدو من ألمانيا. وفي حال تطوّر الخلاف بشأن صادرات السلاح للسعودية، فإن ذلك سيضيف ملفا آخر للملفات الخلافية بين ألمانيا وبريطانيا وعلى رأسها ما يتّصل بترتيبات الخروج البريطاني المتعسّر من الاتحاد الأوروبي.

والمصاعب الكبيرة المرافقة لهذا الخروج هي أحد دوافع لندن للحفاظ على مصالحها مع مختلف الدول لاسيما دول الخليج الغنية وعلى رأسها السعودية، بينما سيكون وقف تصدير الأسلحة للمملكة مضادّا تماما لتلك المصالح.

ورد وزير الخارجية الألماني على الانتقاد البريطاني بالقول “موقفنا هو أننا لن نسلّم أسلحة للسعودية في الوقت الحاضر”، مشترطا لتغيير الموقف حدوث تطور في الوضع باليمن. كما بدا الغضب واضحا أيضا منذ فترة في باريس. وقال مصدر حكومي فرنسي “إنّ مسمارا ألمانيا صغيرا في آلية يسمح برهن بيع سلاح ما”.

ألمانيا مضطرة تحت ضغوط شركائها إلى تليين قواعد الحظر على بيع السلاح عندما يتعلق الأمر بمشاريع تصنيع مشتركة

وباريس وبرلين منخرطتان في مشاريع صناعية مشتركة كبرى مثل تطوير دبابة مقاتلة مستقبلية ونظام جوي قتالي مستقبلي.

وبحسب المصدر الفرنسي ذاته، يجري البلدان الجاران في هذا الإطار مباحثات بشأن قواعد صادراتهما من السلاح والهدف يتمثل أساسا بمنع “قدرة التعطيل” الألمانية.

وبالنسبة للتيارات المضادة للاتحاد الأوروبي والتي تصعّد دعواتها للدول للخروج منه أسوة ببريطانيا فإن قضية الارتباط في مسائل اقتصادية وصناعية، على غرار الارتباط بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في صناعة السلاح دليل على مساوئ ذلك الارتباط وعلى منطقية الدعوة لفكّه لضمان حرّية الدول في قراراتها.

ويأخذ الجانب الفرنسي على ألمانيا تأقلمها مع حظر صادراتها لدواع تقول إنها أخلاقية، عندما يفيد ذلك الصناعة الألمانية. بمعنى أنّ ألمانيا تكون مرنة ومتساهلة في تصدير السلاح حين يتعلّق الأمر بتحقيق مصالحها الاقتصادية.

وفي أكتوبر 2018 اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ألمانيا بممارسة “ديماغوجيا محضة” من خلال دعوتها لتجميد مبيعات السلاح للسعودية. وأشار إلى أن ألمانيا “تبيع أحيانا سلاحا أكثر من فرنسا من خلال مشاريعها المشتركة”.

واتهمت صحيفة لا تريبيون الفرنسية الشهر الماضي ألمانيا بالنفاق بشأن مسألة بيع الأسلحة للسعودية. وفي مظهر على امتعاض الفاعلين الاقتصاديين على التوجّه الألماني للتضييق على تصدير الأسلحة، قال مسؤول كبير في شركة إيرباص إنّ قرار ألمانيا بوقف صادرات السلاح للسعودية يمنع بريطانيا من استكمال بيع 48 مقاتلة من طراز يوروفايتر تايفون للرياض، وقد يؤجل صفقات محتملة لبيع أسلحة أخرى مثل طائرة النقل العسكرية من طراز “إيه 400 أم”.

وألمانيا من بين أهم مصدري السلاح الأربعة الأوائل في العالم خلف الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. ورغم الضغوط يبدو من الصعب على الحكومة الألمانية إقناع الرأي العام بتغيير موقفها الرسمي.

ورأى المحلل السياسي مايكل برونينغ أنّ “الارتياب يبدو شبه جماعي إزاء صادرات السلاح في ألمانيا”. وأضاف “نظرا لتاريخها الحربي، ينظر الرأي العام منذ أمد بعيد إلى صادرات الأسلحة بمزيج من الاستنكار الأخلاقي والعجز”.

وبحسب تسريبات للصحف، تنوي الحكومة الألمانية على ما يبدو، في إطار مفاوضاتها الجارية مع فرنسا، تليين موقفها بهدف عدم عرقلة عمل شركائها عندما يتعلق الأمر بمشاريع تسلح مشتركة. وقد تتخلى برلين مثلا عن تعطيل مبيعات عندما لا تكون مشاركة ألمانيا في مكوناتها ضعيفة بنحو 20 بالمئة.

وأشارت ميركل نفسها خلال مؤتمر الأمن في ميونيخ نهاية الأسبوع الماضي، إلى ضرورة ضبط “القواعد التوجيهية المشتركة في مجال صادرات الأسلحة” في المستوى الأوروبي.

'