المخاوف من امتداد الحرب الأوكرانية إلى مولدوفا تتفاقم – مصدر24

المخاوف من امتداد الحرب الأوكرانية إلى مولدوفا تتفاقم

تفاقم توجس الغرب من امتداد رقعة الحرب الروسية -الأوكرانية لتصل إلى مولدوفا المجاورة، التي تعتبرها موسكو أيضا شأنها شأن أوكرانيا فناء خلفيا لا يمكن التفريط فيه. وتعمل موسكو على السيطرة على الجنوب الأوكراني الذي سيوفر للسكان الناطقين بالروسية في مولدوفا مخرجًا في ترانسنيستريا.

كييف – أتمت الحرب الروسية – الأوكرانية التي انطلقت في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، بتعليمات من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شهرها الثالث وسط مخاوف من استمرارها، وامتدادها إلى مولدوفا.

وأثارت التصريحات التي أدلت بها روسيا بشأن منطقة ترانسنيستريا في مولدوفا مخاوف امتداد الحرب إليها، فقد أعلن روستام مينيكايف نائب قائد المنطقة العسكرية المركزية الروسية أن السيطرة على جنوب أوكرانيا ستوفر للسكان الناطقين بالروسية مخرجًا في ترانسنيستريا.

وجمهورية ترانسنيستريا أو ترانسدنيستريا المولدافية هي دولة انفصالية في الشريط الضيق بين نهر دنيستر والحدود الأوكرانية، ومعترف بها دوليا في الوقت الحالي كجزء من مولدوفا، عاصمتها تيراسبول، و34 في المئة من سكانها من الروس. وعقب هذا الإعلان بوقت قصير، تعرض مبنى “وزارة أمن الدولة” في العاصمة المولدوفية كيشيناو إلى هجوم بقاذفة صواريخ.

واستدعت وزارة الخارجية في مولدوفا السفير الروسي الشهر الماضي وأعربت عن “القلق البالغ” إزاء تصريحات قائد عسكري كبير قال إن السكان الناطقين بالروسية في البلاد يتعرضون إلى القمع، كما حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من عزم موسكو الاستيلاء على دول أخرى.

ونقلت وكالات أنباء رسمية روسية عن نائب قائد قوات المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش الروسي روستام مينيكايف القول إن السيطرة الكاملة على جنوب أوكرانيا من شأنها أن تتيح لبلاده الوصول إلى ترانسنيستريا، وهي إقليم انفصالي تحتله روسيا شرقي مولدوفا، ويتاخم حدود جنوب غربي أوكرانيا، فهل تكون مولدوفا وجهة الروس القادمة بعد أوكرانيا؟

فولوديمير زيلينسكي: موسكو عازمة على الاستيلاء على دول أخرى

ويرى الباحث في العلوم السياسية بجامعة بيتسبرج رونالد ليندن أن دولة مولدوفا الصغيرة التي تقع جنوب شرقي أوروبا، وهي إحدى أفقر دول القارة، لها أهميتها الرمزية التي تتجاوز حجمها، في أوروبا، وما وراء ذلك.

ويقول ليندن إن مولدوفا، بفضل تاريخها، كانت دوما مؤشرا على قوة روسيا، وبالنسبة إلى الكثيرين تعد بمثابة “أوكرانيا مصغرة”، وربما تكون التالية التي تلقى مصير جارتها.

واستعرض ليندن في تحليل نشره مؤخرا تاريخ مولدوفا منذ كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية حتى القرن التاسع عشر، ثم جرى تقسيمها على مدار قرنين، وضمها ذهابا وإيابا بين روسيا وخصومها. وانتهى المطاف بها جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق.

وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانفصال مولدوفا عنه في عام 1991، واجهت البلاد انفصالا داخليا؛ فقد حدث في أعقاب حرب قصيرة عام 1992 ظهور إقليم ترانسنيستريا الانفصالي الموالي لروسيا، وتمركُز 1500 من قوات “حفظ السلام” الروسية في المنطقة، حتى اليوم.

وللوهلة الأولى، تظهر مولدوفا، “أوكرانيا مصغرة”، يتوقع لها أن تكون هدف الخطوة التالية من فلاديمير بوتين في سبيل إقامة إمبراطوريته الجديدة.

ومثل أوكرانيا، لم تظهر مولدوفا أبدا كدولة مستقلة، وظلت لعقود جزءا من الاتحاد السوفياتي، كما أن الحكومة المركزية في الدولتين لا تحكم، بالفعل، جزءا من أراضي البلاد. وفي ترانسنيستريا (500 ألف نسمة) ثلث السكان من الروس، وحوالي الربع من الأوكرانيين، والروسية هي اللغة الإدارية السائدة هناك، كما توجد اللغة المولدوفية – الرومانية بأبجدية كريليك.

وكما هو الحال مع أوكرانيا، تسعى مولدوفا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، ووقعت مع بروكسل في عام 2014 “اتفاقية تجارية عميقة وشاملة”، وهو نفس الأمر بالنسبة إلى أوكرانيا. وقدمت مولدوفا طلب الانضمام في نفس العام. ومثل أوكرانيا أيضا، ولكن مع ظروف اقتصادية أقل حظا، تعتبر مولدوفا ديمقراطية فاعلة.

وبحسب تحليل ليندن، فإن النجاح الديمقراطي، على وجه التحديد، هو أكثر ما يثير خوف بوتين، الذي لا يستطيع ادعاء وجود تقارب عرقي (أو هيمنة) في مولدوفا، كما يفعل مع الأوكرانيين. كما أن مولدوفا ليست لها حدود مع روسيا، ولها دولة “مرجعية” هي رومانيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي. ويحمل حوالي 75 في المئة من سكان مولدوفا جوازات سفر رومانية.

وقد زاد التأثير الاقتصادي للغرب في مولدوفا، مثل أوكرانيا، على مدار العقد الماضي، والاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للبلاد، وأكبر مستثمر فيها.

ويستطيع سكان مولدوفا، حتى من الإقليم الانفصالي، دخول دول الاتحاد دون تأشيرة. ولكن الأمر يختلف فيما يتعلق بالناتو، فهناك احتمال أقل بالنسبة إلى قدرة مولدوفا على الانضمام للتحالف، حيث ينص دستور البلاد على الحياد. وكشف استطلاع قبل حرب أوكرانيا عن أن 20 في المئة من سكان البلاد، فقط، يفضلون الانضمام للناتو. وليس لدى مولدوفا مميزات عسكرية كبيرة تستطيع أن تقدمها للحلف.

مستعدون لتقديم تضحيات حماية لحدودنا

ولكن بالنسبة إلى الناتو والغرب، فإن تعطيل مخططات روسيا في أراضي مولدوفا أمر مهم للغاية. وأثارت تصريحات نائب قائد قوات المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش الروسي بشأن ترانسنيستريا، اهتمام صناع السياسة في الغرب. كما وصفت منظمات دعائية رئيس مولدوفا بأنه نازي. وتذكرنا هذه الادعاءات بما حدث مع منطقة دونباس في أوكرانيا.

وهذه الادعاءات، إضافة إلى التفجيرات التي لم تجد تفسيرا في تيراسبول، عاصمة ترانسنيستريا، من شأنها أن تعطي موسكو مبررا للتدخل. ومن الناحية العسكرية، ستكون سيطرة روسيا على ترانسنيستريا ميزة كبيرة لقواتها في جنوب أوكرانيا.

ويبدو أيّ تهديد عسكري لمولدوفا حاليا أمرا غير محتمل، حيث إن الروس يواجهون ما يكفيهم ويزيد، في أوكرانيا. كما أن موسكو لم تظهر قدرة كبيرة على تحريك تجمعات كبيرة من القوات في أنحاء البلاد من أجل هدف فعال، وعلى عكس الحالة الأوكرانية، ليس لروسيا حدود مشتركة مع مولدوفا.

حرب أوكرانيا خلفت تداعيات على جهود مولدوفا في البحث عن مصادر أخرى كما تراجعت تحويلات العاملين بالخارج 

ورغم ذلك، تظل مولدوفا دولة صغير وفقيرة، يمكن أن تؤثر فيها ضغوط روسيا الاقتصادية، حيث تحصل البلاد على معظم احتياجاتها من الطاقة من الغاز الروسي عبر شركة غازبروم، والذي يذهب، دون مقابل، إلى إقليم ترانسنيستريا، حيث تقع محطة توليد الكهرباء الأكبر في مولدوفا، ويرتفع سعر الغاز الذي تتلقاه مولدوفا بشكل مطرد.

وخلفت حرب أوكرانيا تداعيات على جهود مولدوفا في البحث عن مصادر أخرى، كما تراجعت تحويلات العاملين بالخارج والتي تشكل حوالي 16 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وليس من المتوقع أن يحقق اقتصاد مولدوفا نموا هذا العام، بحسب توقعات البنك الدولي.

وأما فيما يتعلق بالمستقبل، فإن لوجود مولدوفا الديمقراطية والمستقلة على مدار ثلاثين عاما، أهمية رمزية أكثر منها فعلية. وبالنظر إلى ماضي مولدوفا وتركيبة البلاد غير المتجانسة والإرث الاقتصادي الضعيف والوجود في محيط مضطرب تبدو قدرة البلاد على الاستمرار بمثابة معجزة.

ويشير ليندن إلى أن مستقبل مولدوفا سيعتمد إلى حد كبير على القوى المحيطة بها. وهي تعد مثالا على ما يمكن أن تقدمه الشجاعة والخيال، إذا ما تركها العالم لتفعل ذلك بمفردها.

'