المشاريع المعطلة في تونس.. تقصير من الحكومات المتعاقبة أم غياب للآليات والموارد المالية – مصدر24

المشاريع المعطلة في تونس.. تقصير من الحكومات المتعاقبة أم غياب للآليات والموارد المالية

يرجع التونسيون تعطل المشاريع التنموية المبرمجة منذ ثورة يناير 2011 إلى تقصير الحكومات المتعاقبة وترويجها لبرامج تعرف مسبقا أنها غير قادرة على تنفيذها، إلا أن آخرين يعتبرون أن شح الموارد المالية عقبة رئيسية أمام تنفيذ هذه المشاريع المعطلة.

تونس – طرحت انتظارات المواطنين بشأن استكمال المشاريع المعطلة في تونس من أجل تطوير نسق التنمية وخلق فرص التشغيل بعد ثورة يناير 2011 تساؤلات لدى مختلف الأوساط بالبلاد حول ما إذا كانت تقصيرا متواصلا من الحكومات المتعاقبة أم غيابا للآليات والموارد المالية، والتي جعلت تلك المشاريع مبرمجة دون تنفيذ.

وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة في هذا المجال، فإن نسبة هامة من المشاريع ما تزال معطلة كما أن مناخ الاستثمار في تونس بات مهددا.

ويؤثر تعطيل إنجاز هذه المشاريع الاستثمارية الكبرى سلبا على واقع البلاد، ما دفع بعض المستثمرين إلى تحويل استثماراتهم نحو بلدان أقل قيودا.

وأكد سمير سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط  أن “الحكومة بصدد العمل حاليا على 12 إجراء بعدما سبق لها أن أعلنت عن 42 من الإجراءات العاجلة للنهوض بالاقتصاد خلال شهر أبريل الماضي”.

وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “الحكومة ستشرع قريبا في حوار مع الأطراف المهنية وشركائها من المجتمع المدني مثلما كان الشأن خلال الدفعة الأولى من الإجراءات”، مشيرا إلى أنه من القوانين التي ستتم مراجعتها على سبيل المثال “الفصل 96 من المجلة الجنائية الذي كان وراء محاكمة وزراء و مسؤولين كبار خاصة من نظام بن علي”.

 

وكشف أن “هناك مسودة أولى لمشروع تتعلق بهذا الفصل” قال إنها “ستعرض قريبا على مجلس الوزراء”، لافتا إلى أن “هناك أيضا محور التصدير وتسهيل عملياته واستعجال عمليات الرقمنة وسوف نساند تأمين جزء من الصادرات لأن تونس اليوم في أمسّ الحاجة إلى تنميتها وتعيش فوق طاقتها سواء تعلق الأمر بالأفراد أو بالشركات أو بالدولة ولا يمكن المواصلة بهذه الطريقة فنحن نستهلك أكثر مما ننتج وهذا يخلق المديونية التي بلغت حدودها”.

وأوضح أن “النموذج الاقتصادي اليوم هو نموذج المبادرة والريادة وتحرير الطاقات لكي تتمكن تونس من الاستثمار وبعث المشاريع وخلق القيمة المضافة في إطار مناخ يحرر هذه المبادرات باعتبار محدودية المالية العمومية اليوم “.

وأضاف أنه سيتم على المدى المتوسط الرجوع لاعتماد تقاليد الخطة الثلاثية والخماسية وأن المدى البعيد هو أفق سنة 2035، مؤكدا أنه “تم أيضا بحث أسباب وجود عدد كبير من المشاريع المعطلة، كما تم تحديد رزنامة لوضع إجراءات استثنائية لمعالجتها وستعرض قريبا على مجلس الوزراء”.

ويرى مراقبون أن غياب البرمجة الواضحة والاستراتيجيات اللازمة من الحكومات، حالت دون استكمال إنجاز تلك المشاريع، فضلا عن محدودية المبادرة في ظل وجود صعوبات إدارية، وشحّ التمويل.

وأفاد الناشط السياسي حاتم المليكي أنه “توجد مشاكل أساسية من بينها غياب البرمجة الواضحة، حيث يجب التأكد مسبقا من قابلية الإنجاز إداريا وماليا، لذلك هناك عدة مشاريع عالقة”.

وقال لـ”العرب” إن “قانون الصفقات العمومية يتضمن العديد من الصعوبات، ومن يقدّمون عروضا لا يلقون تجاوبا ولا تشجيعا خصوصا في المناطق الداخلية، كما أن الموارد المالية للدولة ضعيفة والسلطات ترفض مراجعة الأسعار”.

وتابع المليكي “هناك العديد من المقترحات خصصت لمراجعة قانون الصفقات العمومية، ومراجعة البرمجة ومدى قابليتها للإنجاز، فضلا عن المشاريع الوطنية (وزارة التجهيز ووزارة الفلاحة)، والبرامج الجهوية (الولاية) والمحلية (البلديات) التي خصصت لها هبات من عدة دول ولم يتم استعمالها”.

وأضاف “هناك عدة مشاريع صحية معطّلة على غرار الدهماني (شمال غرب)، وتالة (غرب) والقيروان (وسط)، ونسبة الإنجاز الآن تراجعت إلى حدود 30 في المئة، بعد أن كانت 50 في المئة قبل 2011”.

واقترح المليكي “ضرورة دراسة المشاريع إذا توفّرت كل ظروف الإنجاز (المال والإدارة)، علاوة على مراجعة دورية لسقف الصفقات وتأسيس وكالات شراءات”.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت إن “المشاريع المعطلة غالبا ما تكون لها اعتمادات مرصودة، لكن أحيانا لا يتم التصرّف فيها كأفضل ما يكون لعدة اعتبارات تتعلق بإجراءات عقارية أو بعض المسائل الأخرى المتعلقة ببطء الجهاز البيروقراطي”.

وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “غياب الاستقرار السياسي بعد 2011 جعل من تلك المشاريع مؤجّلة لارتباطها بقرارات الحكومات المتعاقبة، كما يوجد خوف من تحمّل المسؤولية والتهرب من إنجاز المشاريع”.

وأردف ثابت “التحولات في السوق تغيّر من كلفة تلك المشاريع التي لم تعد محيّنة وتحتاج إلى مراجعة، والحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية كبرى في تعطيل تلك المشاريع”.

وفي وقت سابق، أفاد رئيس الجامعة الوطنية لمؤسسات البناء والأشغال العامة جمال الكسيبي بأن قيمة المشاريع المعطلة في تونس منذ سنة 2016 بلغت 17 مليار دينار جلها في قطاع المياه بطاقة تشغيلية قدرت بـ50 ألف موطن شغل كل سنة.

 

ودعا الكسيبي في تصريح لجريدة “الصباح” التونسية في عددها الصادر الخميس التاسع من ديسمبر 2021، إلى ضرورة تكوين لجنة لتسريع المشاريع المعطلة وتحسين الإطار التشريعي الذي يعود إلى سنة 1970 مما خلق فسادا على مستوى الإدارة خاصة في علاقة بتعطيل المشاريع.

وبين أن تونس ظلت الدولة الوحيدة التي تطبق خطايا التأخير في ظل أزمة كورونا، مضيفا بأن المرسوم الذي أصدره رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ بخصوص إعفاء المؤسسات التي أبرمت صفقات عمومية وتعطلت بسبب الوباء من خطايا التأخير لمدة أقصاها 6 أشهر لم يتم التمديد فيه.

وتعتبر الإشكاليات الإجرائية أهم عائق لتقدم إنجاز المشاريع، وتعود إلى ضعف التنسيق بين الأطراف المتداخلة في إنجاز المشروع سواء على المستوى الجهوي أو المركزي أو إلى بطء في اتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل المصالح الإدارية المعنية أو نقص في المتابعة من قبل الإدارة والتنسيق بين المتدخلين العموميين أو فسخ صفقات وإعادة طلبات عروضها والمهلة الزمنية التي تفرضها الصفقات العمومية بين فسخ العقد وإعادة طلب العرض، فضلا عن الإشكاليات العقارية التي تمثل عائقا معقدا وتتطلب وقتا لحلها لارتباطها بتوفر الأراضي لإنجاز المشاريع أو إجراءات التفويت والتخصيص وتغيير الصبغة أو الانتزاع وتحرير الحوزة والمعاوضة.

المنذر ثابت: الحكومات السابقة تخاف من المسؤولية وتتهرب من الإنجاز

وتعود الصعوبات المالية إلى الإعلان عن برامج ومشاريع دون توفير التمويلات اللازمة لإنجازها وعدم وجود التمويلات والاعتمادات اللازمة نتيجة تجاوز التكلفة المرسمة بالموازنة أو تأخر في فتح الاعتمادات، أما بقية الاشكاليات فتتوزع بين فنية أو اجتماعية وتعود الإشكاليات الاجتماعية خاصة إلى استحواذ بعض المواطنين على الأراضي المخصصة لإنجاز المشاريع أو معارضتهم لإنجاز المشروع لأسباب مختلفة.

وفي وقت سابق أظهرت دراسة أنجزتها وزارة التجهيز والإسكان بالشراكة مع منظمة العمل الدولية، أن مساهمة قطاع البناء في تونس تدحرجت من نحو 26 في المئة في العام 2000 إلى قرابة 7 في المئة بنهاية العام 2020.

وأشارت الدراسة التي شملت ألف شركة إلى أن معظم المشكلات التي يعاني منها القطاع تتعلق بتداعيات الجائحة، فيما تشكل قضية التمويل 34 في المئة والباقي يتعلق بالوضع الاجتماعي الذي يحول دون تنفيذ المشاريع، فضلا عن المناخ السياسي غير المستقر.

وقال رئيس مشروع المبادرة النموذجية للتنمية المحلية المندمجة بمنظمة العمل الدولية جهاد بوبكر “إن 2020 كانت له عدة انعكاسات سلبية على القطاع”، موضحا أن “أكثر من 60 في المئة من شركات القطاع لم تتجاوز أرباحها 100 مليون دينار (34.6 مليون دولار)، وهي قيمة لا تغطي متطلبات الإنفاق السنوية المتعلقة بدفع أجور الموظفين والعمال وصيانة المعدات”.

وأكد بوبكر أن “83 في المئة من الشركات هي مؤسسات صغيرة أو تنتمي إلى القطاع غير الرسمي، وليست لها القدرة على الاستمرار أو التوظيف في ظل الظروف الراهنة، في حين تفوق الطاقة التشغيلية لنحو 0.4 في المئة من الشركات حاجز الخميسين موظفا”.

وتحتاج تونس إلى قرابة 108 اختصاصات في البناء والأشغال العامة، بمعدل طلبات مقدرة بنحو 40 ألف فرصة عمل كي يتسنى تنفيذ الالتزامات العالقة.

'