المشيشي يُلوح بورقة الاستقالة للتصدي لابتزاز حزامه البرلماني – مصدر24

المشيشي يُلوح بورقة الاستقالة للتصدي لابتزاز حزامه البرلماني

تونس –  كشفت مصادر مُقربة من الدوائر المُحيطة برئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، أن حديث استقالة الأخير من منصبه الذي تردد صداه خلال اليومين الماضيين، لم يكن معزولا عن التحركات الجارية على أكثر من صعيد بحثا عن ترتيبات سياسية جديدة للسلطة التنفيذية لا تخلو من الابتزاز والضغط والمناورات.

وقالت لـ”العرب”، إنه رغم الحرص الكبير الذي تُبديه غالبية القوى السياسية على الاستقرار الحكومي في هذه الفترة التي تتسم بتزايد التحديات التي تواجهها البلاد على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، كثفت حركة النهضة الاسلامية من مناوراتها لإرباك الحكومة عبر الضغط على رئيسها وتضييق الخناق عليه لإخضاعه لمشيئتها.

وأوضحت هذه المصادر أن هذه الحركة التي يرأسها راشد الغنوشي والذي يرأس كذلك البرلمان التونسي، لم تتوقف عن مناوراتها لدفع رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى إجراء تغييرات جوهرية في تركيبة حكومته بما يمكنها من إبعاد الوزراء المحسوبين على الرئيس قيس سعيد وعددهم ستة، وإحداث اختراق يفتح لها الباب نحو العودة إلى قصر الحكومة بالقصبة.

وساهم تحالفها المُريب مع حزب قلب تونس برئاسة نبيل القروي، في تحول هذا الضغط إلى ما يُشبه الكابوس الذي بات يخنق عمل الحكومة، حيث وجدت حركة النهضة في الاحتجاجات الاجتماعية التي عرفتها البلاد خلال الأيام الثلاثة الماضية، فرصتها للمزيد من ابتزاز المشيشي، وذلك في مناورة مزدوجة الأهداف.

ووفقا لمصادر “العرب”، فإن النهضة اختارت هذا التوقيت بالذات للضغط على المشيشي ظنا منها أن وضعه أصبح مهزوزا، وغير قادر على مواجهة مناوراتها التي تسعى من خلفها إلى محاولة فرض سطوتها على العمل الحكومي، خاصة في هذا الوقت الذي يبدو فيه المشيشي بحاجة ماسة إلى سلم سياسي واجتماعي.

وبدا واضحا أن المشيشي الذي استطاع خلال الأشهر القليلة الماضية مُراكمة بعض المفاجآت في علاقة بمعادلة الصراع السياسي بين الرئاسات الثلاث، أدرك خطورة تحركات حركة النهضة، لذلك لم يتردد في التلويح بالاستقالة التي رأى فيها ورقة قادرة على إفشال تلك المناورات، أو وقف اندفاعها نحو تحقيق أهدافها.

وأكدت مصادر “العرب”، أن المشيشي كان قد تطرق إلى ورقة الاستقالة خلال الاجتماع الوزاري الذي ترأسه يوم الجمعة الماضي، لتتواتر الأنباء حول عزمه الاستقالة قبل بدء المداولات البرلمانية العامة حول مشروعي الميزانية العامة وقانون المالية للعام 2021.

هشام الحاجي: المشيشي يجد نفسه محشورا في صراع سياسي قد يدفعه إلى التخلي عن مهامه

وتداولت عديد الصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي خبرا حول استقالة هشام المشيشي انتشر بشكل لافت، رغم أن البعض وصفه بأنه “إشاعة ليست بريئة وتوقيتها ليس صدفة”، حتى أن النائب البرلماني خالد قسومة، لم يتردد في القول في تدوينة له إن “تهديد رئيس الحكومة بالاستقالة هو مناورة”.

ومع ذلك، شكل إعلان المشيشي عن رفضه القاطع للابتزاز وسياسة لي الذراع، تأكيدا لتعرضه للضغط بهدف تطويقه ومحاصرته، كما أعطى لحديث الاستقالة أبعادا أخرى، رغم نفيه عبر أسلوب التسريبات المنسوبة إلى مصدر رسمي مجهول الهوية.

 كما شكل في نفس الوقت مفاجأة لم تكن حركة النهضة الإسلامية تتوقعها لعدة اعتبارات؛ أبرزها أن هذا الإعلان جاء تحت قبة البرلمان، فيما تشهد البلاد موجة متدحرجة من الاحتجاجات الشعبية أضعفت الحكومة، وأحرجت المشيشي.

وقال في كلمة ألقاها السبت، أمام أعضاء البرلمان خلال بدء المداولات البرلمانية العامة لمناقشة الميزانية العامة للدولة التونسية، إنه “لم ولن يخضع للابتزاز والمحاولات التي وصفها بـ’البائسة’ لليّ الذراع، ولا مجال للاستسلام والعودة إلى الوراء”.

 وتابع “لقد ضاق شعبنا ذرعا من انعدام الاستقرار السياسي… مصيرنا اليوم بأيدينا، وقدرنا أن نكون كالبنيان المرصوص وأن نحافظ على وحدة شعبنا وعلى سيادة وطننا… تونس في حاجة إلى الروح الوطنية العالية”.

وحذر المشيشي في كلمته من أن “عدم الاستقرار السياسي يضاعف الضغط على إيجاد حلول”، قائلا في المقابل “حكومتنا حكومة إنجاز وحلول، ونحن نسعى إلى بناء علاقة ثقة، وحان الوقت للعمل على برنامج وطني رائد وطموح، يُجمع، ولا يقصي أحدا”.

وقرأ مراقبون هذا التأكيد على أنه في جزء منه رسالة مباشرة إلى حركة النهضة وحليفها حزب قلب تونس، تتضمن رفضا قاطعا لضغوطهما التي تدفع نحو جره إلى مربع إجراء تعديل حكومي، إلى جانب تمكينهما من عدد من المحافظات في حركة المحافظين المرتقب الإعلان عنها خلال الأسابيع القليلة القادمة.

وفي هذا السياق، اعتبر الباحث السياسي التونسي هشام الحاجي، أن هذا التأكيد يعكس أن هناك الكثير من مناطق الظل والعتمة في علاقة “الرئاسات الثلاث” وهو ما ينعكس على الوضع السياسي في تونس، باعتبار أن هذه العلاقة محكومة إلى حد الآن بمنطق الإقصاء والتوجس والريبة والرغبة في افتكاك النفوذ والملفات الكبرى.

وقال الحاجي لـ”العرب”، إن هذا الوضع يجد فيه رئيس الحكومة نفسه محشورا في الصراع الدائر بين الرئيس قيس سعيد، ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، وهذا يحد من دوره وصلاحياته، وقد يكون مدعاة إلى تخليه عن مهامه، خاصة وأن كل طرف يمارس ضغوطا قوية عليه خدمة لحسابات شخصية وحزبية.

وبين هذه القراءة التي لا تستبعد إمكانية ذهاب المشيشي إلى حد إعلان استقالته في قادم الأيام، وبين إجماع مختلف الأطراف السياسية على ضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي والحكومي، يبقى السؤال قائما حول مدى قدرة المشيشي على الاستمرار في مواجهة ألاعيب حركة النهضة التي تستهدف إعادة رسم الواقع وفق حسابات ومعادلات جديدة.

'