المصالحة الخليجية في خلفياتها وحذرها – مصدر24

المصالحة الخليجية في خلفياتها وحذرها

بعد انتهاء القمة الخليجية التي انعقدت في مدينة “العلا” في منطقة “المدينة” في المملكة العربية السعودية، جاءت تصريحات عدد من وزراء الخارجية حذرة وتتسم بالطابع الاستكشافي على مستوى العلاقات الثنائية. لكن كافة الأطراف التي وقعت على بيان المصالحة يوم 4 يناير، حرصت على إظهار البُعد الاجتماعي للاتفاق، بالتأكيد على انفراجة الأزمة التي أعيت الشعوب الخليجية وضيّقت حركتها.

وسُمع تصريح أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي، الممزوج بشيء من التحسب، إذ استخدم قرقاش حرف “قد” الذي يفيد التوقع مع المضارع ويوحي بالتقليل، حين قال إن بلاده قد تستأنف العلاقات التجارية والسفر مع قطر خلال أسبوع، عقب توقيع الاتفاق، لأن عدداً من الإجراءات سوف يتم على صعيد العلاقات التجارية وشركات الطيران والملاحة البحرية. وربما يكون هذا طبيعياً، بحكم أن الخصومة كانت باتة، وقد شملت كل أواصر العلاقات البينية بين الدول الخليجية الثلاث مع قطر، بالإضافة إلى مصر.

عندما تعانق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فإن الغرب، بقادته ومواطنيه، لن يدركوا أن ذلك تعبير رمزي عن انتهاء الصدع المرير

وفي الحقيقة، لم يتردد وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي في الإفصاح مجدداً عن هذا التحسب، ونوّه إلى أن القضايا التي كانت سبباً في قطع العلاقات الدبلوماسية لا تزال في حاجة إلى نقاش، وقد ذكرها بعناوينها، وهي موقف قطر من تركيا وإيران وعلاقاتها مع جماعات الإسلام السياسي. وأغلب الظن، أن الجانب الآخر من الخصومة مع قطر قد ترك للإمارات أمر الاستمرار في التذكير بالملفات التي كانت سبباً في الأزمة. لكن قرقاش نفسه أعلن أن الإمارات وقطر تريدان تنفيذ الاتفاق قريبا، بحكم “أن الهدف الأوسع هو إعادة مجلس التعاون الخليجي اكتشاف صوته الجماعي”.

وغنيٌ عن الذكر أن تلك الملفات تحتاج إلى نقاش تفصيلي يقوم عليه خبراء مطلعون على حيثيات المسائل المذكورة. أما وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، فقد أشار إلى أن الرياض وحلفاءها “سوف يعيدون بناء جميع العلاقات التي قُطعت مع الدوحة في منتصف العام 2017”.

كذلك فإن تصريحات خليجية وأميركية مشتركة أكدت على كون الاتفاق مبدئياً، لإنهاء نزاع استمر سنوات. لذا فإن العزم حتى الآن، هو تمهيد الطريق لمحادثات إقليمية أوسع “قد تهدئ التوترات المستمرة منذ فترة طويلة” حسب ما نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال”. وفي هذه الصيغة أيضاً، استُخدم حرف “قد”. ليس ذلك وحسب، وإنما طُرح افتراض التعثر في حال لم تصل دولة الإمارات والبحرين ومصر، إلى اتفاق حول “كيفية” حل الخلاف العميق مع قطر. وفي هذا السياق، قيل إن عدداً من قادة الدول المتخاصمة مع قطر، بدأوا برعاية أمير الكويت الشيخ نوّاف الأحمد الجابر الصباح محادثات هادئة مع الدوحة التي كان تعليقها على المسار كله، بلسان وزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، بأنها “متفائلة بحل الأزمة مع الدول الأربع”.

وبدا واضحاً من كل الذي رشح عن قمة التصالح، أن إدارة الرئيس ترامب في أيامها الأخيرة التي تشهد أزمة أميركية داخلية، تنذر باحتمالات تعرض الرئيس المنتهية ولايته إلى ملاحقات قضائية؛ أرادت تسوية آخر الملفات التي أعاقت تشكل موقف خليجي واحد ومتناغم في مواجهة إيران. ذلك بمعنى أن العنصرين الأميركي و”الترامبي” تحديداً – إن جاز التعبير – مع الإيراني، هما المحرك الأساس لقمة المصالحة، وإن كان بيان البُشرى يركز على عناصر انفراج تهمّ الشعوب الخليجية، يمكن اعتباره في طور التحقق، فقد حرص الأمير فيصل بن فرحان على القول للصحافيين إن الدول الخليجية “اتفقت تماماً على تنحية خلافاتها جانبا بعد نحو ثلاث سنوات من المقاطعة”. ولم تتأخر قطر عن إعلان رفضها القاطع لكل الاتهامات التي سيقت ضدها، ورفضت أيضا شروط إنهاء المقاطعة الجزئية، التي تشمل إغلاق قناة الجزيرة و”تقييد العلاقات مع إيران”.

ومن خلال النظر بموضوعية إلى الشروط نفسها، مع الأخذ بعين الاعتبار توجهات الإدارة الأميركية الجديدة حيال إيران، تزداد التوقعات بأن لا يُعاد الحديث عن معظم هذه الشروط مع بدء الإدارة الجديدة عملها، ذلك بحكم أن هذه الإدارة لن تعتمد المنطق التناحري الحاد في التعاطي مع إشكالية إيران بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ثم إن القمة الخليجية التصالحية باتت أمراً يمثل منحنياً مختلفاً، إن بقيت معه الشروط والاتهامات، فإن علاقات الأطراف الخليجية لن تعود إلى حال القطع البات للعلاقات على النحو الذي شاهدناه خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

الجانب الآخر من الخصومة مع قطر قد ترك للإمارات أمر الاستمرار في التذكير بالملفات التي كانت سبباً في الأزمة

وفي الحقيقة، لم يخطئ مراسل صحيفة “التايمز” البريطانية في الشرق الأوسط، عندما كتب أن العلاقات الشخصية بين قادة الخليج، غالبًا ما تكون مشوبة بالغرابة في أعين الجماهير الغربية. فعندما تعانق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، فإن الغرب، بقادته ومواطنيه، لن يدركوا أن ذلك تعبير رمزي عن انتهاء الصدع المرير الذي أصاب العلاقات بين السعودية وقطر.

وبخلاف هذا الرأي، يقول سبنسر وغيره من المعلقين، إن توقيت عودة العلاقات الخليجية مع قطر، قبل أسبوعين من تغيير الرئيس في الولايات المتحدة، لم يكن من قبيل الصدفة، وإنما هو تغيير في مسار الأحداث في الشرق الأوسط معطوف على التغيير في الولايات المتحدة.

ومعلوم أن الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، سياسي مختلف تمامًا عن ترامب الذي ازدرى المؤسسات الدستورية، ثم ختم تجربته بازدراء الديمقراطية الأميركية كلها. فبايدن أكثر انسجامًا مع مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية التي كانت تكره دائمًا رؤية دول الخليج، شركاء الولايات المتحدة، منخرطة في خلافات مريرة.

'