المصالحة الخليجية مع قطر لا تفكك الرباعي العربي – مصدر24

المصالحة الخليجية مع قطر لا تفكك الرباعي العربي

تحالف الدول الأربع المقاطعة لقطر يحبط رهانات من خارجه على أنه سيتأثر بشكل كبير تحت وقع المصالحة الخليجية مع الدوحة. لكن المؤشرات، إلى حد الآن، تؤكد أن التحالف صامد خاصة أنه نجح في استيعاب خصوصيات كل بلد ومطالبه وحدود تحركه.

حققت المصالحة التي جرت مع قطر في القمة الخليجية الأخيرة، جانبا من أهدافها الظاهرة للأطراف التي انخرطت فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا تزال اختبارات صمودها مستمرة كي تصل إلى غاياتها النهائية، فما تم في قمة العُلا السعودية حلقة تنتظرها حلقات عدة لاستكمال العقد السياسي الضمني.

وقد تصورت بعض الدوائر أن طريق المصالحة الذي رُسمت خارطة طريقه في العُلا، يعني تفكيكا تلقائيّا لتحالف الرباعي العربي، بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، حيث نشأ في كنف المقاطعة مع قطر، ولذلك تبدو أغراضه التي ظهر من أجلها منتهية، وانقضى مفعولها السياسي.

وانتبهت الدول الأربع إلى ذلك جيدا وحرصت على عدم الوصول إلى نتيجة تؤثر على العلاقات بينها، أو تصطحب معها عوامل لتفخيخها، وجرى استيعاب الفروق النسبية في التقديرات السياسية الظرفية، ولم يتم السماح لأي تباين أن يحدث مفعوله السلبي، وخرجت القمة بحد مقبول من التوافق الرباعي جعل إمكانية التفاهم مرنة مستقبلا في أي من القضايا الإقليمية التي تمس الهموم المشتركة.

وفي خضم ما بدا كأنه عدم رضاء على التطورات الأخيرة قبيل القمة وبعدها، لم تنحرف القاهرة عن المسار الرباعي، كذلك فعلت الإمارات والبحرين والسعودية. فإذا كانت نواته وضعت وسط احتدام الخلاف مع قطر، إلا أن جدواه الإقليمية أصبحت أبعد منها، فقد أصبح تجمعا عربيا مهما للتعامل مع بعض المعطيات الإقليمية المقبلة.

التطورات الإقليمية تفرض عدم التفريط في التحالف الرباعي، فهناك مواجهة ممكنة مع إيران ولا أحد يعرف بوصلتها المقبلة

وتجاوزت مسؤولية الرباعي الأزمة مع قطر في مواقف كثيرة، وتحول إلى بوتقة لتوطيد العلاقات بين دوله، والتي أصلا كانت جيدة، ومعه بدأت تأخذ إطارا سياسيا أوسع، لأن القضايا التي أوجدت الخلاف مع الدوحة لها تشابكات ممتدة، ولا تتوقف عليها، لأن المصالحة تمت مصحوبة بقدر عال من الضبابية في المطالب الرئيسية التي تبدو قطر طرفا فيها، لكن الروافد الناجمة عنها تتجاوزها كثيرا.

ظهر الموقف القطري في القمة الخليجية غامضا حيال إيران وتركيا وجماعة الإخوان، وبدأ بعدها ينجلي ويميل ناحية التمسك بعدم وجود تغيير في ثوابتها نحو الجهات الثلاث، والتي ثمنت نتائج القمة في علامة توحي بالثقة في عدم التخلي عنها من قبل الدوحة، وكأنها ليست معنية بالخطوط العريضة التي تستهدفها.

تستدعي هذه القضية وحدها الحفاظ على استمرار التحالف بين دول الرباعي العربي، فمن الممكن أن تظهر نتوءات عقب ردود الفعل القطرية حيال الملفات التي أدت إلى اندلاع الأزمة معها، تستوجب توطيد التعاون والتنسيق بين الرباعي، وعدم تصوير المشهد باعتباره هزيمة لدوله أو نصرا مؤزرا لقطر.

كما أن التطورات الإقليمية المفتوحة على احتمالات مختلفة تفرض عدم التفريط فيه، فهناك مواجهة ممكنة مع إيران ولا أحد يعرف بوصلتها المقبلة، وتغلغل تركي لا أحد يتوقع مداه ومراميه في المنطقة، وهناك تعاون عربي صاعد مع إسرائيل في ملفي التسوية السياسية والتطبيع، وما يمكن أن يترتب على كليهما من أبعاد تؤثر على التوازنات الإقليمية المعرضة لتقلبات جديدة مع الإدارة الأميركية الجديدة.

وتحرص الدول الأربع على عدم تعريض ما حققته إلى هزات سياسية، لأن التحديات تكاد تكون متشابهة، ربما تكون هناك فروق في التفاصيل، غير أنها في الجوهر تستدعي عدم التفريط في المكونات الخلاقة للتنسيق بينها، حيث يمثل ذلك مكسبا مضاعفا لكل دولة يمكّنها من التعامل مع التحولات المنتظرة بصورة أكثر قوة.

وأكدت تصريحات رسمية صدرت في الدول الخليجية الثلاث أهمية مصر بالنسبة إليها، والعكس. ولا تعني فترة الحذر والريبة التي أثارتها القمة الخليجية تقليلا من العلاقات بين الجانبين، أو أن شرخا حدث بينهما، فكل منهما يعي مغبة انفراط عقد الرباعي، حيث يقلل من الوزن الجماعي في بعض المحكات الإقليمية.

وحدة الصف العربي
وحدة الصف العربي

وصوبت الأنظار نحو القاهرة مع تكرار الحديث عن اختزال المصالحة في صيغتها الخليجية، ومع أن وزير الخارجية سامح شكري حضر قمة العُلا، لكن البعض تصوّر أنه حضور دبلوماسي ولا يحمل مضمونا سياسيا متينا، وأن القاهرة على وشك رفع يديها عن التعاون مع ثلاثي خليجي وفر لها دعما ماديا وسياسيّا مهمّين، وتتطلع للبحث عن مصالحها بشكل فردي أو بشكل جماعي في فضاء آخر.

ويبدو القصور في هذه النظرة حاضرا في عدد من الجوانب، أبرزها أن منطقة الخليج في غاية الأهمية للأمن القومي المصري، ولم يفتر التركيز عليها يوما ما، في السراء والضراء، في ظل وجود الرباعي العربي أو بدونه. بالتالي، فاقتصار المصالحة على الشق الخليجي لا يعني تخليا مصريا، فالروابط المشتركة إستراتيجية وصيغة الرباعي عززتها وهمشت بعض التناقضات التي عكرت صفو العلاقات في مراحل سابقة، وقربت المسافات في قضايا حيوية، وجعلت الخلاف محصورا في جوانب تفصيلية.

تعلم القاهرة أن ابتعادها عن الرباعي يمنح الفرصة للمزيد من التآكل في الجسم العربي. فقد سدت الدول الأربع نقصا خطيرا، بعد أن قادت تداعياته إلى تفكك بعض الدول. وعندما تتوافر درجة من التنسيق، كما هو حاصل الآن، من الممكن تقليل المخاطر على الأمن العربي عبر خطوط ممتدة لكل دولة من الرباعي على فضاءات عديدة.

ويقوض استمرار التعاون حجم التدهور في المنظومة العربية في ظل المعاناة التي تحيط بالعمل المؤسسي من خلال الجامعة العربية، وربما من ركزوا على البعد الخليجي في المصالحة مع قطر، كانت أعينهم مصوبة على هذه النقطة التي تصب حصيلتها في صالح إيران وتركيا وإسرائيل، وهو ما تنتبه إليه دول الرباعي العربي.

قد لا تتفاعل مصر كثيرا مع ملف التطبيع الجديد مع إسرائيل ولا تتحمس لأهدافه، لكنها لا تستطيع الوقوف في وجهه، وتتعامل معه دول الرباعي العربي بصورة عملية، حيث تتجنب كل دولة دخوله بمفردها، وتعلم أن الطريقة الجماعية أكثر جدوى وأقل خسارة، فوجود مصر مع الدول الثلاث، والعكس، يمنحها قوة عند دخول أي تعاون إقليمي يضم إسرائيل أو غيرها، ومن ثم فالمحافظة على الرباعي ضرورية.

أصبحت الأنظار تتجه نحو تطوير صيغة التعاون بين دول الرباعي، الذي ترافق ظهوره مع الأزمة القطرية، وأن غيابه حتمي مع تسويتها أو تسوية أجزاء فيها على مراحل، وهو ما تسعى إلى تحاشيه القاهرة حاليا. فمع استمرار أوجاع العراق وسوريا واليمن وليبيا والجزائر وتعاظم المشكلات، سوف تكون حريصة على الرباعي.

درجت السياسة المصرية على أن تكون أكثر فاعلية بما يتوافر لها من دعم وغطاء عربيين، ووسط أجواء تتزايد فيها التحديات والمطبات، بات البعد العربي ضروريا. ومهما تصاعد انخراط القاهرة في تعاون مع دول من الشرق والغرب، والشمال والجنوب، تظل الساحة العربية هي المجال الحيوي الذي تنصهر فيه إرادتها، ما يدفعها للحرص على عدم التفريط في فكرة الرباعي العربي.

'