الممثل المصري أحمد كمال: مهمة الممثل تحريك مشاعر المتفرج لا البكاء والصراخ – مصدر24

الممثل المصري أحمد كمال: مهمة الممثل تحريك مشاعر المتفرج لا البكاء والصراخ

التمثيل مهنة صعبة تتجاوز مجرد التقمص أو المحاكاة إلى التفكير وخلق حياة حقيقية من لحم ودم لشخصيات مكتوبة. وقد يتجاوز الممثل حدود الكتابة ليقدم شخصية برؤيته الخاصة في حركاتها وصوتها وغير ذلك حتى ليبدو العرض وكأنه واقع. لكن التماهي الكبير وغير المدروس يرفضه الكثير من الممثلين على غرار المصري أحمد كمال، الذي له رؤيته الخاصة إلى الممثل. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الممثل.

برع الفنان المصري المخضرم أحمد كمال في تأدية الأدوار المركبة بنوع من السهل الممتنع، وهو حين يفعل ذلك يثبت أنه فنان مبتكر ومتجدد على صعيد الأفكار والأدوات، وقدم الفنان الكثير من الأعمال الهامة في التلفزيون مثل مسلسل “ذات” و”فرح ليلى” و”هدوء نسبي” و”واحة الغروب” وغيرها.

كما قدم كمال أدوارا لافتة في عشرات الأفلام السينمائية الهامة على غرار “تراب الماس” و”رسائل البحر”، لكن تبقى تجربته مع داوود عبدالسيد من أعمقها وأغناها، ورغم أنه أستاذ التمثيل والمعلم للكثير من النجوم، إلا أنه لا يخشى المغامرة مع التجارب السينمائية الشابة، لأنها تحمل أفكارا طازجة ومفيدة تساعده على الانتعاش.

العمل مع الشباب

العرب: أريد أن أبدأ حواري معك من فيلمك الأحدث “خان تيولا”، ألا ترى معي أن السينما المصرية ابتعدت مؤخرا عن معالجة القضايا الاجتماعية وبدأت تنحو باتجاه الكوميديا وأفلام الرعب والأكشن وغيرها؟

أحمد كمال: فيلم “خان تيولا” ليس فيلم رعب، فهو يدور حول فاوست والتحالف مع الشيطان، وهي فكرة قديمة تعود إلى آلاف السنين وتحاول ربط الإنسان بالخلود، والمخرج شاب يحاول أن يجتهد لتقديم فيلم جيد وسط كم من الأفلام التافهة والكوميدية السخيفة والعاطفية الغبية، التي تقدم اليوم في مصر في ظل غياب تام للمخرجين الجيدين، ويعتبر الفيلم محاولة جريئة من المخرج رغم وجود بعض الأخطاء.

العرب: لطالما تعاونت مع مخرجين شباب في تجاربهم الإخراجية الأولى خصوصا في الأفلام القصيرة، واليوم تعيد التجربة مع مخرج في فيلم روائي طويل كتبه وأخرجه وسام المدني وتتولى عائلته إنتاجه، وهذا يحسب لك كفنان ومدرب تخرّج على يديه جيل كامل من الفنانين الذين أصبحوا اليوم نجوما على الساحة، كيف تصف هذا التعاون؟

أحمد كمال: أحب العمل ضمن تجارب تحمل فكرا ومغامرة جديدة، وهذه التجارب تتوفر لدى المخرجين الشباب، فالمخرج وسام المدني شاب في الثلاثينات من عمره، أنتج فيلمه من مال عائلته الخاص، مما يعني مغامرة عائلية لتقديم فيلم جيد، كما أنني وقبل هذا الفيلم تعاونت كثيرا مع العديد من المخرجين الشباب، وأحيانا بشكل تطوعي أي من دون أجر.

ولكن هذا لا يمنع أن لديّ شروطا للمشاركة في تلك التجارب، منها الجدية ووجود الخيال والرغبة الفنية، وأن تكون لدى المخرج أسئلة يحاول الإجابة عنها داخل الفيلم، أو لديه قلق أو أرق تجاه مسألة ما في الحياة سواء كانت اجتماعية أو غير ذلك، وأن تكون لديه القدرة الإبداعية على الكتابة، فكل ذلك يشجعني على قبول العمل.

الممثل يقرّ بتفضيله للأعمال الدرامية التي يعود مصدرها إلى الأدب لأن العمل الأدبي هو مصدر ملهم للممثل

كما أنني أرى في تجربة العمل مع جيل الشباب تجربة مفيدة بالنسبة إليّ، لما يحمله ذلك الجيل من أفكار طازجة أحتاجها من وقت إلى آخر،على اعتباري فنانا من زمن قديم وأحتاج إلى الانتعاش سواء على صعيد الأفكار أو الأدوات، فمن الممكن أن أسمع ملاحظة هامة من مخرج شاب، أو أن تكون لديه القدرة على توجيهي أو اكتشاف عيوب ما لديّ، فيلفت نظري إليها، بالنهاية هي مغامرة فنية مفيدة.

العرب: تقول هذا الكلام على الرغم من أنك ممثل محترف والأهم من ذلك أستاذ، فهل هذا تواضع منك، أم أن مسألة التعلم واكتشاف مناطق جديدة في الفنان لا تنتهي؟

أحمد كمال: أنا مؤمن بالمثل الشعبي الذي يقول يموت المعلم ولا يتعلم، ومن يعتقد أنه تعلم واكتفى فهذا يعني أنه وصل إلى بداية النهاية أو النهاية نفسها، فالأسئلة في الحياة كثيرة ونموت قبل أن نجيب على معظمها، الفن هو الحياة والحياة متجددة ومتغيرة دوما وغامضة ومفاجآتها كثيرة، وكما يقولون الإنسان لا ينزل في نفس النهر مرتين، فكل شيء متحرك حتى الطبيعة، فمنظر البحر مثلا من جهة البحر الأحمر يختلف من حيث اللون ودرجة الإضاءة.

بالتالي لا يوجد في الفن أستاذ وتلميذ، كلنا نتعلم من بعضنا البعض كبارا وصغارا، ونحاول أن نفهم الحياة والدنيا، وأنا لا أعتبر نفسي شخصا متواضعا، بل شخصا يريد أن يتعلم من الحياة.

كما أن كمية التجارب التي يعيشها الفنان في الحياة واحتكاكه بالآخرين، والعمل ضمن تجارب فنية مختلفة ومع مخرجين مختلفين، كل ذلك يجعل منه بالنهاية ممتلئا إلى حد ما، وكأنه اكتفى أو شبع بحيث أصبح قادرا على تقديم كل ما هو جديد، ولكنه حين يكتفي أو يمتلئ، عليه أن يبدأ من جديد بالبحث عن طريقة تفكير مختلفة، وأنا أحترم الناس الذين يهتمون بالبحث عموما، سواء في مجال الفن أو غيره، وخاصة الذين لديهم حب وشغف بالحياة وخيال إلى درجة الابتكار، وأجد هذا في المخرجين الشباب، كما كنت أجده سابقا لدى المخرجين الكبار الذين سبق وأن عملت معهم مثل داوود عبدالسيد ومحمد خان.

مخرجون كبار

الفن هو الحياة والحياة متجددة ومتغيرة
الفن هو الحياة والحياة متجددة ومتغيرة

العرب: عملت مع داوود عبدالسيد في معظم أفلامه السينمائية، فهل كانت بينكما كيمياء فنية خاصة أم أنك أيضا كنت كما الموسيقار راجح داوود، تحب فيه جنونه؟

أحمد كمال: بداية اسم داوود عبدالسيد ارتبط بكل من مهندس الديكور أنسي أبوسيف والموسيقار راجح داوود، هذا الثلاثي عملت معه كثيرا إلى درجة اعتبرت نفسي رابعهم، وكنت كلما دخلت إلى موقع التصوير ووجدت تلك الأدمغة مجتمعة في لقاء بديع يملأه الحب الشديد والإخلاص والإبداع والرغبة في الفن من أجل الفن، كان ذلك يؤثر فيّ كثيرا.

داوود عبدالسيد كان يقول لي “لا يمكن إلا وأن تكون في أفلامي”، والفيلمان الوحيدان اللذان لم أشارك فيهما كانا “أرض الخوف” و”سارق الفرح”، بسبب وجودي خارج مصر، وفي فيلم داوود الأخير “قدرات عادية” حين وصلت “اللوكشن” (مكان التصوير)، قال أنسي أبوسيف الآن فقط قد اكتمل الفيلم، في الحقيقة لطالما شعرت أنني شخصية من شخصيات داوود عبدالسيد التي كتبها ثم تركها لتعيش في شوارع مصر.

كما أن داوود كمخرج ومفكر سينمائي يعطي مساحة حرية بلا حدود لإبداع الفنان الذي يثق في فنه، ولن أنسى كيف أهدى فيلمه “الكيتكات” إلى فنان السينما المصرية أنسي أبوسيف في بادرة فريدة من نوعها.

العرب: عرفناك عربيا بداية مع فيلم “الكيتكات” بشخصية سليمان، ثم لاحقا مع شوقي الماجري في مسلسل “هدوء نسبي” وأعتقد أنها التجربة الوحيدة التي عملت فيها مع مخرج عربي وضمن طاقم عربي، وكانت حينها ظاهرة التعاون العربي جديدة على الدراما، فكيف تصف لنا تلك التجربة؟

أحمد كمال: كانت المرة الأولى التي أسافر فيها إلى سوريا، وكنت سعيدا جدا لأن سوريا كانت حلما بالنسبة إليّ، أريد مشاهدتها والتعرف على شعبها، وخاصة أن هناك رابطا كبيرا يجمع بين مصر وسوريا، وطبعا لأني سأعمل مع المخرج البديع الراحل شوقي الماجري، والذي يعتبر مخرجا هاما لديه أفكاره وعقله، ولقد جمعني العمل مع الفنانة نيلي كريم تلميذتي سابقا وزميلتي اليوم.

كانت تجربة جميلة على قصرها، وشوقي كانت لديه الجرأة والمهارة في جمع شخصيات عربية في عمل عربي واحد والقدرة على الوصول إلى ما يريد.

شخصيات مركبة

قدرة كبيرة على تجسيد الشخصية
قدرة كبيرة على تجسيد الشخصية

العرب: تابعناك لاحقا في أعمال درامية مثل “ذات” و”فرح ليلى” و”حارة اليهود”، بعضها لشخصيات مركبة كما شخصية فتحي في “فرح ليلى”، أو لشخصيات تقليدية، لكنك في معظمها كنت تتميز بحضور هادئ على صعيد الصوت والأداء، فهل السبب في ذلك يعود إلى الشكل الذي رسمه المؤلف للشخصية، أم أنك اخترت هذا المنحى من وجهة نظرك كفنان؟

أحمد كمال: طبعا الدور يفرض نفسه وحسب طبيعة الموقف أقدّم المشهد، فهناك لحظات على الشخصية أن تكون فيها عصبية أو خائفة، وتنوع المشاعر يفرض نفسه على الممثل، لكن أنا أميل كممثل إلى عدم المبالغة، فالموضوع بالنسبة إلي ليس موضوع صراخ وبكاء، فالمتفرج لا يريد أن يرى ذلك لأن حياته قد امتلأت بهما، وأنا كممثل أعتبر أن من مهمتنا تحريك مشاعر المتفرج وليس التعامل بالإنابة عنه في البكاء والصراخ، المهم هو المشاعر الدفينة التي لا تظهر، يقولون هناك أمواج للبحر نراها ولكن هناك تيارات بحرية لا يراها الإنسان لأنها داخلية، وهذا ما يستهويني؛ التيارات الداخلية وليست الظاهرة.

العرب: كان ذلك واضحا في تجسيدك لشخصية فتحي في مسلسل “فرح ليلى”، الذي يبدو ظريفا وطريفا لكنه في الحقيقة شخصية مركبة وفي أعماقها حزن كبير؟

أحمد كمال: هذه الشخصية أحبّها الجمهور لأنها فعلا تبدو ذات “دم خفيف”، ولكن في الحقيقة تعيش مأساتها الداخلية، وهذه التركيبة في الشخصية جميلة في الكتابة وهي موجودة بكثرة على مستوى العالم، فالناس عادة ما تضحك وبداخلها وجع، وهي شخصية تلامس الناس، فهي بسيطة وتشبه الأطفال ولديها عالمها الخاص المتواضع المكتفية به، فهو يعيش مختبئا كالفأر لكنه مجنون بليلى.

العرب: عندما قرأت رواية بهاء الدين طاهر “واحة الغروب” شدتني وسحرتني جدا شخصية الشيخ يحيى إلى درجة أنني تخيلتها من لحم ودم، وكنت أفكر كيف يمكن أن تظهر على الشاشة دراميا، وخاصة أنها رواية صعبة على صعيد التمثيل ومكان الحدث، لكنك في الحقيقة جسدتها بشكل فاق إعجابنا بها روائيا فكيف حصل هذا؟

الفنان المخضرم يحب العمل ضمن تجارب تحمل فكرا ومغامرة جديدة، وهذه التجارب تتوفر لدى المخرجين الشباب

أحمد كمال: العمل لم يكن سهلا في التنفيذ، فلقد بدأ التفكير فيه منذ العام 2014 إلى أن تم تصويره في العام 2017 لأنه، وللأسف، اليوم الإنتاج التلفزيوني في مصر ليس لديه الإمكانيات الضخمة التي يستطيع من خلالها التصوير في مواقع صعبة، كواحة سيوة لأيام طويلة، أو أن يصور مشاهد المعارك الحربية، بالإضافة إلى أن العمل يقتضي بناء مدن وهدم مدن، رغم أنه سابقا كان ينتج أعمالا تاريخية هامة، إلا أنه اليوم يختصر معظم التصوير على الشقق والشوارع والمكاتب.

لذلك كان إنتاج العمل نوعا من التحدي، وعندما ظهرت التجربة بكل جمالها وبعض أخطائها البسيطة جدا، كانت مهمة جدا، ليس فقط بالنسبة إلى المتفرج وإنما للعاملين فيه، مثلي أنا ومثل منة شلبي وخالد النبوي وسيد رجب والفنانة الأردنية ركين سعد.

أتذكر في أول لقاء مع المخرجة كاملة أبوزكري عندما أعطتني الرواية كان اسمي مكتوبا تحت شخصية الشيخ يحيى، وكيف أخبرتني أنها منذ عشر سنوات حين صدرت الرواية قد اختارتني لذلك الدور وتخيلتني فيه، ورغم أنني قرأت الرواية منذ صدورها إذ إني مهتم بقراءة كل أعمال بهاء طاهر الذي أعرفه بشكل شخصي، إلا أنني شعرت بأن الرواية قد اختفت من ذاكرتي فرجعت لقراءتها بشغف وحب وخوف، لأن قراءة الرواية على سبيل المتعة والثقافة يختلف عن قراءتها بهدف تأديتها دراميا.

أعتبر أنه ذكاء من المخرجة أن تختار الممثل الذي يملك تجارب فعلية أو فنية تتشابه مع الشخصية التي سيؤديها، فلدي الكثير من التشابه مع الشيخ يحيى من حيث التأمل للواقع وتطور المجتمع وتخلفه، وأعتقد أن كاملة شعرت بأنني سأفهم سريعا الشخصية.

الحقيقة، شخصية الشيخ يحيى من أصعب الشخصيات التي قدمتها نظرا إلى ظروف التصوير القاسية، سواء من حيث الطقس، الحر شديد أو البرد شديد والعواصف والرمال، أو من حيث الماكياج الذي كان يستغرق ثلاث ساعات لتنفيذه وثلاث ساعات لإزالته، إلى درجة أنني كنت أشعر بفقدان التركيز من التعب والإرهاق، رغم ذلك كنت مستمتعا وأطير مع الشخصية، وكأن الشخصية أخذتني إلى مستويات مختلفة من الشعور، شعور بتقدم الجماعة وتأخر الجماعة نفسها، وبالناس المسؤولين عن ذلك التقدم والتراجع والإحساس بالمسؤولية.

كما أن عمر الشيخ يحيى الطويل بمقابل خسارته للناس من حوله خاصة أبناءه، وتساؤلاته عن ماهية الحياة، بالإضافة إلى وجودي في سيوة بذلك البيت الذي بني للشيخ وجلوسي أمام البحيرة كان يشعرني بالسحر والانبهار والذهول من جمال الطبيعة هناك.

أضف إلى ذلك أن العمل مع فنانين مهمّين يعملون بمنتهى الإخلاص والجدية كخالد النبوي ومنة شلبي وسيد رجب وركين سعد وعلى رأسنا المخرجة كاملة أبوزكري كان له دور هام.

العرب: أشعر وكأنك تماهيت ودخلت فعليا في شخصية الشيخ يحيى؟

أحمد كمال: هذا صحيح، إلى درجة أن البعض لم يعرف من هو الممثل الذي يؤدي دور الشيخ يحيى حتى الحلقة العاشرة سواء من الجمهور أو حتى من أهلي، فاسمي كان موجودا على “جنريك” العمل لكن دون صورة، وذلك بقرار من المخرجة التي أرادت أن لا يعرف الناس الشخصية التي سأؤديها، والبعض رأى أن صوتي تغيّر وأن حركتي في المشي قد تغيّرت أيضا بفعل أداء دور شخص كبير في السن، كل ذلك ظهر تدريجيا نتيجة إحساسي بالشخصية، وخصوصا أن لدي مادة ثرية جدا ضمن الرواية يمكن الاستناد والرجوع إليها بغض النظر عما كتبته مريم نعوم ومن معها، وهذا سبب تفضيلي للأعمال التي يعود مصدرها إلى الأدب لأن العمل الأدبي هو مصدر ملهم للممثل.

العرب: هل مفاضلتك هذه تعود إلى أنك في الأصل رجل مسرح.

أحمد كمال: بالتأكيد، فعندما كنت أعمل في المسرح على نص لمؤلف، كنت أحاول قراءة جميع أعماله الأخرى وأن أعود أيضا إلى البحث عن المؤلف وأعماله الأخرى، وهي مسألة بحثية أدبية، فأنا رجل يهتم بالعمل الأدبي واعتبره المصدر الأساسي لي كممثل.

'