الميليشيات الشيعية تتقدم في تغيير التركيبة السكانية لمناطق سنيّة شمالي العراق – مصدر24

الميليشيات الشيعية تتقدم في تغيير التركيبة السكانية لمناطق سنيّة شمالي العراق

فيما يراهن رئيس الوزراء العراقي على عامل الوقت والمتغيرات للدفع بمشروعه “الحالم” باستعادة هيبة الدولة وتوحيد السلاح تحت رايتها، تمضي الميليشيات الشيعية في تغيير الواقع على الأرض لمصلحتها ومصلحة إيران، الأمر الذي يثير المخاوف من أن يتعاظم تغوّل تلك الميليشيات وتصل سطوتها حدّ السيطرة الكاملة والمنفردة على مقاليد الدولة.

تكريت (العراق) – نفّذت الميليشيات الشيعية العراقية التابعة لإيران هجومين جديدين في إطار عملية التغيير الديمغرافي التي تقوم بها في محافظة صلاح الدين ذات الأغلبية السنية لأهداف اقتصادية، ما أسفر عن مقتل شخصين وجرح أربعة آخرين، بينهم نساء.

وذكرت مصادر أمنية وشهود عيان أن قوة مسلحة توغلت مساء الاثنين في قرية المزاريع التابعة لناحية يثرب في محافظة صلاح الدين، ثم اقتحمت منزلا وقتلت شقيقين اثنين كانا داخله وجرحت امرأتين ورجلين آخرين، قبل أن تنسحب. وبعد ساعات قليلة تعرضت القرية نفسها إلى هجوم مماثل من قبل مجموعة مسلّحة أخرى ما تسبب في جرح عدد من الأشخاص.

ووفقا للمصادر فإن سكان المنطقة يعرفون القوة المسلّحة التي تنفذ عمليات اغتيال وتهديد علني لجميع العوائل التي ترفض مغادرة السكان السنّة لهذه القرية.

وقال شهود عيان إن راسم صالح ومهدي صالح، وهما الشخصان اللذان قُتلا على أيدي الميليشيا يقودان حملة رفض السكان السنّة مغادرة قرية المزاريع في ناحية يثرب التي تجاور منطقة يغلب الشيعة على سكانها.

وفضلا عن خصوبة أراضيها الشاسعة، تتصل قرية المزاريع في ناحية يثرب بأراض تضم العديد من آبار النفط، التي تؤكد المصادر أنها خارج سيطرة الحكومة المركزية في بغداد.

وقبل أقلّ من أسبوعين وقعت عملية مماثلة في منطقة قريبة، حيث هاجمت الميليشيات الشيعية قرية الفرحاتية السنية، واختطفت 12 شخصا، قامت بإعدامهم على دفعتين.

ووجّه سكان الفرحاتية أصابع الاتهام إلى ميليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي بالمسؤولية عن هذه المجزرة، التي تسيطر بشكل رسمي على المنطقة، بوصفها لواء في قوات الحشد الشعبي.

وقال سكان الفرحاتية إنهم تعرفوا إلى جميع عناصر القوة التي هاجمت قريتهم وهم أعضاء في ميليشيا الخزعلي الذي تضعه الولايات المتحدة على قائمة العقوبات بسبب تورطه في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وقالت مصادر أمنية إن سكان المزاريع تعرفوا أيضا إلى عناصر القوة التي هاجمت قريتهم، وهم ينتمون أيضا إلى الميليشيا ذاتها.

لكن اللافت، أن شهود العيان من قرية المزاريع رفضوا هذه المرة الإدلاء بإفادات رسمية تؤكد تورط عصائب أهل الحق في هجمات الاثنين، خشية الملاحقة.

ويهمس سكان القرية بأن ميليشيا العصائب لاحقت سكان الفرحاتية الذين أدلوا بإفادات ضدها وهجّرت عددا منهم من منازلهم قسرا.

رئيس الوزراء العراقي يتحاشى المواجهة مع الميليشيات ويراهن على رفع الغطاء السياسي عنها بالانتخابات المبكرة

وبرغم زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لمنازل ضحايا الفرحاتية وتعهده بتقديم الجناة للعدالة، فضلا عن إعلان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تشكيل لجنة نيابية خاصة للتحقيق في الهجمات، إلا أن الأجهزة الأمنية لم تقبض على أي متورطين في هذه المجزرة ولم تعلن أي معلومات بشأن ما أفضت إليه جهود ملاحقتهم.

ويقول مراقبون إن إحجام السلطات المختصة عن كشف الجناة في هذا النوع من الجرائم حيث يكون المتورط معروفا، يؤكد أن الحكومة عاجزة عن محاسبة ميليشيا قيس الخزعلي على جرائمها المتكررة في صلاح الدين.

وتقول مصادر محلية إن ميليشيا الخزعلي، بالتنسيق مع ميليشيات أخرى، تقترب من بسط نفوذها على مناطق تنتج نحو 30 ألف برميل من النفط يوميا.

وتشير المصادر إلى أن الميليشيات الشيعية التابعة لإيران تدير عملية شبه علنية لاستخراج النفط من هذه المناطق، ثم تهريبه عبر مسارات متعددة، فمنه ما يُنقل إلى تركيا ومنه ما يذهب إلى إيران ليعاود الدخول بوصفه منتجات بترولية مكررة تستوردها الحكومة العراقية رسميا ومنه ما يخلط مع نفط إيراني مهرب ليباع على أنه نفط عراقي.

وحتى تكون السيطرة شاملة، تسعى الميليشيات إلى تطهير هذه المناطق من سكانها السنّة، لاسيما الذين يعملون في وظائف أمنية، حيث يمكن أن يكونوا مصدر معلومات عن عمليات التهريب.

ويقول مراقبون إن حادثة الفرحاتية، والعجز عن معاقبة المتورطين فيها، فتحت الباب على جرائم مماثلة في سياق التطهير الطائفي الذي تنفذه الميليشيات التابعة لإيران في صلاح الدين.

ويسود اعتقاد على نطاق واسع في الدوائر السياسية بأن بعض قادة الميليشيات الذين يتمتعون بدعم إيراني تام، ربما هم أوسع نفوذا من رئيس الوزراء العراقي نفسه، ما يعني أن الجهة التي يمكن لها أن تحاسبهم على أي جريمة يرتكبونها، ليست موجودة فعلا.

لذلك، يعتقد المراقبون أنه من دون تدخل أميركي مباشر، على غرار استهداف قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال الشهير قاسم سليماني ومساعده الذي يدير الميليشيات العراقية التابعة لإيران على الأرض قرب مطار بغداد مطلع العام، فإن قادة الميليشيات سيواصلون توسيع نفوذهم في البلاد وصولا إلى احتكار إدارتها علنا ورسميا.

ولم تفلح العقوبات الأميركية التي طالت معظم قادة الميليشيات في التأثير على نطاق حركتهم، بل زادتهم جرأة في بعض الأحيان لأنها كشفت أن الولايات المتحدة ليست معنية بالتعمق في تفاصيل الملف العراقي، وأن هجوم المطار مطلع العام كان موجها ضد إيران وليس ضد الميليشيات العراقية.

وعندما كثفت تلك الميليشيات التابعة لإيران هجماتها مؤخرا ضد السفارة الأميركية في بغداد، اختارت واشنطن إغلاق مقر بعثتها في المنطقة الخضراء، لولا وساطة قامت بها الأمم المتحدة بين الحكومة وقيادة الحشد الشعبي.

ويتلقى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الكثير من المناشدات للتحرك ضد الميليشيات التي تتغول في المناطق الشيعية والسنية وتهدد المصالح الأجنبية، من دون استجابة واضحة.

ويقول مراقبون إن رئيس الوزراء يفضل تجنب المواجهة المباشرة، على أمل أن تساعد انتخابات مبكرة مقررة العام القادم في تقليص الغطاء السياسي للميليشيات التابعة لإيران، وهي حسابات محفوفة بالمخاطر ولا تستند إلى ضمانات.

وتحت أسماء وهمية من قبيل “ربع الله” يمكن للميليشيات التابعة لإيران أن تنظم أي حدث في بغداد أو المحافظات، من دون أن تخشى أي مضايقة، لأن قوات الأمن تتجنب الاحتكاك بها.

وبينما كان الجدل محتدما يومي الأحد والاثنين في بغداد بشأن ضرورة حصول المحتجين ضد الفساد وتردي الخدمات والمحاصصة على موافقات أصولية للتظاهر في ساحة التحرير وسط العاصمة، كان مبنى السفارة الفرنسية الواقع في شارع أبونواس القريب من موقع الاحتجاجات، يخضع لحصار شبه تام من قبل المئات من الشبان الذين يرتدون ملابس تحمل عبارة “ربع الله” أي جماعة الله المختارة.

ولم تهتم الجماعة بالحصول على موافقة وزارة الداخلية للتظاهر في محيط السفارة الفرنسية ببغداد احتجاجا على الإساءة للإسلام.

ويعتقد مراقبون أن الميليشيات تتغول تدريجيا، وصولا إلى لحظة الإمساك بمقود إدارة العراق بشكل رسمي، ما لم تحدث تحولات كبيرة.

'