الميليشيات تفقد توازنها في ليبيا: خسائر عسكرية وتغير ولاءات ونقص تمويل – مصدر24

الميليشيات تفقد توازنها في ليبيا: خسائر عسكرية وتغير ولاءات ونقص تمويل

الميليشيات تفقد توازنها في ليبيا: خسائر عسكرية وتغير ولاءات ونقص تمويل

لدى قادة كبار للكتائب المسلحة رغبة في عقد صفقات للخروج من الأزمة، والاحتفاظ بالأموال التي نهبوها بالسلاح أو حصدوها بالحماية والمواءمات

تتّضح في ليبيا ملامح رغبة حقيقية في تقويض دور الميليشيات ووضع حد لمرحلة سيطرتها على الدولة في ظل التقدم الذي يحرزه الجيش الليبي في معركة الجنوب من جهة، والخسائر التي تعرضت لها هذه الميليشيات على مستوى التصفية الجسدية لقادتها مع تراجع التمويلات والدعم السياسي لها من جهة أخرى، بالإضافة إلى المعادلات الأممية والخارجية التي يضرّ تخبطها بالكتائب المسلحة أكثر مما يفيدها، الأمر الذي يدفع قادتها إلى مراجعة التطورات والبحث عن سبيل لتأمين خروج آمن.

لعبت الكتائب المسلحة دورا خطيرا في الأزمة الليبية، وضاعفت من الجراح الأمنية والإنسانية التي خلّفتها في طرابلس، مع نجاح قادتها في عقد تحالفات مع قوى سياسية متعددة، في الداخل والخارج، مكنتهم من حصد أنواع مختلفة من الدعم، والسيطرة على مقاليد أمور كثيرة في العاصمة، ما جعل عملية اقتلاعهم من الجذور عصيّة.

ظهرت مقاربات كثيرة للتعامل مع الميليشيات. لكن فشلت جميعها لأن القائمين عليها لم يمتلكوا رغبة فعلية لاجتثاث هؤلاء، وأصبحوا كأنهم دولة فوق الدولة. كما أن المواءمات التي جرت معهم حوّلتهم إلى رقم يصعب الاقتراب منه. وحصلوا على شرعية مقنّنة من جانب حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج. وأصرت البعثة الأممية برئاسة غسان سلامة على التقاعس في التعامل معهم، وبدت قوة البعض متعاظمة لدى الجهات التي اقتربوا منها.

تغيرت مكونات رئيسية في المعادلة السابقة خلال الفترة الماضية، وباتت العصابات على المحك، لأن عددا مهمّا ممن تستروا على قادتها خففوا تعاونهم معها، في محاولة للتنصّل التدريجي منها. وتلقت بعض الكتائب المسلّحة ضربات موجعة في الأشهر الماضية، أفقدتها الكثير من عوامل القوة المادية والمعنوية، ما جعلها تلجأ للبحث عن خروج آمن.

تعرّض بعض القادة من الصف الثاني لتصفيات جسدية، حيث لجأت قوى نافذة إلى إشاعة الفتنة الداخلية بينهم، في محاولة للتخلص من العناصر المناوئة القديمة وتصعيد أخرى. لكن أدت هذه اللعبة إلى عدم الثقة ونشر الترهل في أجسام الكثير من الميليشيات، جراء التوسع في حرب التصفيات.

جاءت أهم الضربات العسكرية لهؤلاء من العملية التي قام بها “اللواء السابع- مشاة” في طرابلس قبل نهاية أغسطس الماضي، وأدت إلى تصفية عسكرية لذيول بعض القوى. وجاءت الضربة الثانية في منتصف يناير الماضي، عندما اشتعل الموقف ثانية، وتقاتلت قوى مختلفة، بينها اللواء السابع في طبعته الجديدة، وتغيرت ولاءات، وتبدلت تقديرات، وكانت النتيجة المزيد من التمزق لمكونات بعض الميليشيات.

غلق باب الميليشيات

Thumbnail

لدى قادة كبار للكتائب المسلحة رغبة محمومة في عقد صفقات للخروج من الأزمة، والاحتفاظ بالأموال التي نهبوها بالسلاح أو حصدوها بالحماية والمواءمات، وهو ما تميل إليه بعض القوى الليبية لغلق هذا الباب نهائيا، لأن تصفيتهم تماما تستلزم الدخول في مواجهات طويلة وقاسية يمكن أن تعطّل الوصول لدرجة مستقرة من الهدوء الذي يساعد على تمهيد الطريق لتنفيذ استحقاقات سياسية لاحقة.

بعث هيثم التاجوري، قائد بكتيبة “ثوار طرابلس”، مؤخرا برسالة عن طريق الإفراج عن أبوزيد دوردة، السياسي السابق ورئيس جهاز المخابرات في عهد العقيد معمر القذافي، بعد أن مكث في أحد معتقلات التاجوري وقتا، ومفاد الرسالة أنه على استعداد للتفاهم مع أي جهة، بمن فيهم الخصوم التقليديون من أنصار النظام السابق.

مثّل توالي كشف عمليات تهريب الأسلحة القادمة من تركيا، نقطة أخرى مؤثرة في وضع الميليشيات، التي تلقت أنواعا كثيفة من المعدات خلال السنوات الماضية ولم تعترض عليها جهات دولية كانت عليمة بخطوط سيرها نحو محطات الوصول، وتركتها تمضي إلى وجهتها لأهداف تتعلق بحساباتها في الأزمة الليبية.

تحولت الفضائح المصورة لعمليات تهريب الأسلحة إلى جرس إنذار لتركيا، وكل من برعوا في دعم الميليشيات. وأصبح اسم أنقرة مقترنا بذلك، بما قلل من حظوظها للمساهمة في حل الأزمة. وأحرج القوى التي حاولت غض الطرف عن هذا الدور، وجعلها لن تستطيع مواصلة هذا الدور.

كما أن تهم التواطؤ التي لاحقت رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، والمبعوث الأممي غسان سلامة، بشأن دعم الميليشيات، خفضت مستوى مصداقيتهما السياسية، وعطلت الكثير من التصورات التي حاول كلاهما تطبيقها على الأرض، وبدت كل خطوة ينتهجها هذا أو ذاك، مرتبطة بمدى رضاء أو غضب الميليشيات والقوى السياسية التي تقف خلفها.

Thumbnail

أدت الوتيرة السريعة التي تتغيّر بها ميول قادة العصابات المسلحة إلى تراكم المخاوف عند السراج وسلامة، وكل من تورط في الحوار والتفاهم والتواصل رسميا مع الميليشيات، فقد تولدت قناعات جديدة لدى قوى دولية فاعلة أن هذه الورقة حان وقت أفولها، وألمحت بعض الجهات بفضح علاقات تحتية يمكن أن تكون لها انعكاسات دبلوماسية.

وساهم إعلان مصر والسعودية والإمارات والبحرين عن قوائم لمتشددين، بينهم ليبيون، في كف تمادي قطر عن دعم إرهابيين وكتائب مسلحة، وحصر نطاق تعاونها معهم سرا ومن خلال وسطاء، أملا في تجنب معاقبتها من المجتمع الدولي، لأن الدول المتورطة في هذه اللعبة تعجز عن التفاخر بها، فما بالنا إذا كانت هناك أدلة في الحالة القطرية؟

بدأ التغيّر مبكرا من قبل فرنسا، ونجحت في تعديل الدفة، ولفظت فكرة التعاون مع الميليشيات، عندما قدّمت دعما سخيا للمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، يهدف إلى التخلص من الإرهابيين في درنة، والحد من نفوذ الكتائب المسلحة بميولها المتعددة في الشرق الليبي. وأظهرت غضبها من القوى السياسية التي توسعت في التعاون مع الميليشيات، بما يخل بالمحددات الرئيسية للأزمة.

جلب التعاون معها (الميليشيات) مردودات سلبية على دولة مثل إيطاليا، عرفت في بعض الأحيان أنها تفضل التعامل مع الكتائب المسلحة على القوى النظامية، وتلجأ إليها لحماية مصالحها الاقتصادية، وممارسة ضغوط تثمر نتائج متصاعدة، تصب في حصالتها السياسية. وأفضى الإخفاق الذي منيت به روما ومبادرتها السياسية في مؤتمر باليرمو في نوفمبر الماضي إلى إعادة النظر في خطتها الخاصة بإدارة الأزمة الليبية، من بينها القيام بمراجعة جادة حيال الموقف من دعم الميليشيات.

بدأت عوامل خارجية عدة تتراكم لتقويض سلطة الميليشيات، ولم يجد قادتها من يستطيع الدفاع عنهم، ومع تقلص مساحة الأدوار التي درجوا على القيام بها تساقطت الكثير من الأوراق، وفقد أصحابها حيويتهم المعتادة وقدرتهم على التأثير والفعل المدمر، وتحولوا إلى عبء تبحث بعض الأطراف عن التخلص منه، بما يخفف من حدة التداعيات السلبية عن كاهلهم.

يتّسع نطاق المأزق على المستوى الداخلي، مع عجز السراج عن التعامل مع هذه القضية، فهو لا يستطيع التمادي في الاعتماد على قادة الميليشيات، وغير قادر على إعلان التنصل منهم صراحة. وحاول غسان سلامة رفع يديه عن الصيغة التي تبناها لفترة طويلة بخصوص هضم الميليشيات داخل جهازي الجيش والشرطة، وهي واحدة من نقاط الخلاف المركزية، وإذا كان الاتجاه نحو استيعابها مقبولا من حيث الشكل، فإن الزج بها في مؤسسات عسكرية نظامية مرفوض.

تجلت الرغبة في التخلص من الميليشيات مع تبني فتحي باشاغا وزير الداخلية لتصورات عملية تحد من قدرتها في السيطرة على مفاتيح الأمن في طرابلس، ما أدخله في صدام مباشر مع السراج، الذي أعلن ضمنيا رفضه الكثير من الخطوات التي أقدم عليها وزير داخليته، والذي يجد دعما من بعض القوى التي تعول عليه كرجل مفصلي في المستقبل، ولن يتمكن من الحصول على رعاية دولية إذا تلطخت يداه بدماء التحالف مع الكتائب المسلحة، كما أنه يريد تقديم نفسه للشارع الليبي كرجل نجح في تقويض أحد أركان زعزعة الأمن في طرابلس، وهو المدخل الذي يمكنه من حصد شعبية تجعله سياسيا واعدا. وكان فتحي باشاغا أزاح منذ يومين الرائد عبدالخالق محمد بلعيد الدايخ قائد إحدى الميليشيات في غريان، ونقله من وزارة الداخلية إلى وزارة الزراع والثروة الحيوانية والبحرية (جهاز الشرطة الزراعية).

قطع التمويل

Thumbnail

تميل بعض الدوائر الوطنية، حصلت على دعم من قوى إقليمية ودولية، إلى غلق الصنبور الذي يغرق الميليشيات بالأموال، وهو الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي، وقد تستغرق هذه المعركة بعض الوقت، لأن الرجل المسؤول عن أهم خزانة مالية في ليبيا يحاط بشبهات قوية، ويمثل التخلص منه نقطة مهمة في غلق تركة الكتائب المسلحة.

تزداد حلقات التضييق على دور الميليشيات وضوحا ومن أبواب متعددة، بعد التقدم اللافت للجيش الليبي في الجنوب، والذي كشف عن تحوّل كبير في طريقة التفكير التي يتبعها حفتر، ما جعله أمام فرصة جدية للمزيد من التقدم في مناطق أخرى، قد تصل إلى حد دخول طرابلس. ودون هذه الخطوة ستصبح قوة الجيش منقوصة، وهو يعتزم إنهاء ظاهرة العصابات، بعد أن تحكمت لفترة طويلة في الأمر والنهي في العاصمة.

اتبع حفتر خطة لدخول الجنوب تعتمد على السيطرة على آبار النفط، وهي الرقم المؤثر في مصالح بعض القوى الخارجية، وكي يصل لهذا الفصل اتبع منهجا يقوم على توسيع نطاق التحالفات مع قوى قبلية، وتفشيل محاولات السراج وسلامة لتفخيخ الجنوب أمام قواته، وتمكن في النهاية من التحكم في جزء حيوي منه، جعله يتطلع إلى إيجاد حل لأزمة الميليشيات.

يتجه حفتر إلى التصرف بصورة عملية مع قادتها، تستوجب التخلي عن قدر من الحلول الإقصائية، وتفتح الباب لمساومات تؤدي إلى تقصير المسافة التي تحتاجها خطوة طي صفحتها، من خلال فتح نافذة للصفح عن بعض القيادات، ومحاولة ضم العناصر الدنيا في وظائف شرطية ومدنية مناسبة، لعدم وضع عراقيل مبتكرة أمام تحركاته المقبلة، لأن ذلك ينزع عن خصومه عملية توظيف الميليشيات، ويجردها من محاولة إعادة تسليحها، إذا وجدت أن المواجهة حتمية، بينما فتح طاقة الأمل يجهض هذا السيناريو، ويقوّض سلطتهم على الأرض.

'