“النجم الأوحد” ظاهرة مصرية تسيطر على المسلسلات الخليجية – مصدر24

“النجم الأوحد” ظاهرة مصرية تسيطر على المسلسلات الخليجية

الكويت- شهدت الدراما الخليجية نسقا تصاعديا على مستوى الإنتاج في السنوات الأخيرة رغم أن نشاطها لا يزال مناسباتيا مرتبطا بالخصوص بشهر رمضان، إذ يتسابق الفنانون والمنتجون والمخرجون على إنتاج الأعمال الدرامية لعرضها في السهرات الرمضانية. وهو في الحقيقة تقليد نجده في كل الدول العربية التي تربط الإنتاجات الدرامية بهذا الشهر على غرار مصر وسوريا والكويت والسعودية.

غير أن اللافت للانتباه هو أن الدراما الخليجية بدأت تنسج على منوال مثيلتها المصرية، حيث باتت الأعمال الدرامية تُنتج على مقاس نجم تلفزيوني بشكل يوحي بأن دور البطولة المطلق إنما هو مكتوب خصيصا لذلك النجم أو لتلك النجمة. وهو أمر عايناه طيلة السنوات الماضية في الدراما المصرية مع نجوم من أمثال يسرا وإلهام شاهين ومحمد صبحي ونبيلة عبيد ثم محمد رمضان وياسمين صبري وياسمين عبدالعزيز في مرحلة لاحقة.

ويلاحظ المتابع لأعمال منطقة الخليج أنها باتت تدور في فلك النجوم والنجمات كناصر القصبي في السعودية وحياة الفهد وسعاد عبدالله في الكويت وزينب العسكري في البحرين. وبما أن الدراما الكويتية كانت ومازالت قاطرة الدراما الخليجية بالنظر إلى عامل الريادة والسبق الزمني فإن دولا خليجية أخرى بدأت في السير على خطى الكويت، كالسعودية والبحرين والإمارات.

 

◙ اسم النجم صار هو موضوع المسلسل ورهانه إذ أن “قداسة” بعض النجوم قد تقي العمل شر الإخفاق أو الانتقادات اللاذعة

وربما كان مفهوما الاعتماد على نجم أو اثنين لتحمّل عبء العمل ومسؤوليته و”الاستحواذ” على مفاصله في حقبة ما من تاريخ الدراما الخليجية، وكانت الظاهرة منحصرة في حالتين مخصوصتين: إما أن العمل كوميدي بامتياز حيث يصعب تعويض كوميدي بآخر وهو ما حدث مع داود حسين في الكويت وناصر القصبي وعبدالله السدحان في مختلف أجزاء السلسلة السعودية “طاش ما طاش”، أو أن البطلة عنصر نسائي “نادر” في بيئة خليجية محافظة كانت لا تستسيغ اشتغال المرأة في الحياة الفنية عموما، على غرار حياة الفهد وسعاد عبدالله اللتين اكتسبتا “شرعية تاريخية” عبر الزمن وتحولتا إلى “أيقونتيْن” ليس في الكويت فقط وإنما في منطقة الخليج عموما.

 

ومع مرور الزمن استثمرت هاتان الأيقونتان شرعيتيْهما التاريخية فتفطن المنتجون وصناع المسلسلات في الكويت إلى “القداسة” التي باتت تحظى بها النجمتان حياة الفهد وسعاد عبدالله إلى جانب نجوم تاريخيين آخرين كعبدالحسين عبدالرضا وغانم الصالح، وهي “قداسة” قد تقي العمل المنتَج شر الإخفاق أو الانتقادات اللاذعة.

 

وانفصلت النجمتان اللتان كوّنتا ثنائيا ناجحا في أعمال درامية شهيرة على غرار “خالتي قماشة” و”رقية وسبيكة”، لتؤسس كل منهما مملكة منفردة لنفسها. فباتت سعاد عبدالله بمثابة “ناطحة سحاب” في الدراما الخليجية، وتُلقب حياة الفهد بـ”سيدة الشاشة الخليجية”، وأصبحت تُنتج لهما الأعمال على المقاس، فصار اسم النجم هو موضوع المسلسل وليس القضية التي يعالجها.

 

ثم تفشت الظاهرة مع نجوم أقل سنا رغم أنهم لا يمتلكون تلك “الشرعية التاريخية” على غرار هدى حسين وإلهام الفضالة في الكويت. لكن الجديد في الظاهرة أنه بات لكل نجم أو نجمة فريق عمل شبه قار من الممثلين الذين يتنقلون مع النجم من عمل إلى آخر؛ فنفس الوجوه التي شاركت ناصر القصبي في “طاش ما طاش” نجدها تتكرر معه في “العاصوف”، ويرافق نفس “الكاسْت” تقريبا الممثلة إلهام الفضالة في مسلسل “الكون في كفة” ثم في مسلسل “أمينة حاف” بجزأيْه الأول والثاني الذي يُعرض في رمضان الجاري. فكأن الأمر صار يخضع لمنطق “الشلة” أو “الشلليّة”.

 

كما تتنقل هدى حسين من “عطر الروح” إلى “غصون في الوحل” مرورا بـ”الناجية الوحيدة” ووصولا إلى عمل هذا العام “من شارع الهرم إلى”، مصطحبة نفس الوجوه كما يحمل مدرب كرة قدم معه لاعبيه الأساسيين من مباراة إلى أخرى.

 

وإلى جانب كل ما ذكرنا تحتمل الظاهرة تفسيرات أخرى موضوعية أبرزها السباق المحموم بين الفضائيات الخليجية لعرض أعمالها الدرامية من أجل حصد أعلى نسب مشاهدة واستقطاب الإعلانات التجارية. وللحد من هامش الخطر يعتمد المستثمرون في الدراما الخليجية على “رأسمال رمزي” يكمن في اسم النجم ووزنه الفني ومدى شعبيته، في عملية تذكّرنا بظاهرة شباك التذاكر أو “بوكس أوفيس” المعروفة في السينما الأميركية والتي تعتمد على نجم وحيد، وقد تعاظمت بشكل خاص في بداية الألفية الثالثة عندما سطع نجوم أمثال أنجلينا جولي وبراد بيت وتوم هانكس.

 

لكن الظاهرة تراجعت مع بروز منصات عرض الأعمال الدرامية -مثل “نتفليكس” و”ديزني بلاس”- التي تركز على القصة والسيناريو أكثر من تركيزها على أسماء النجوم، بشكل يحيل تقريبا إلى ما كان يُعرف بـ”سينما المؤلف” مع تسجيل بعض الفوارق طبعا.

لكنّ السؤاليْن المطروحيْن اليوم هما: لماذا لم تأفل ظاهرة النجم الأوحد والوحيد من المشهد الدرامي الخليجي رغم وجود منصة “شاهد” الضخمة التي تعطي الأولوية لإنتاج وعرض المسلسلات الخليجية، كما فعلت “نتفليكس” و”ديزني بلاس” اللتان أطاحتا بفكرة النجم الأوحد الذي يدور العمل الفني في فلكه؟ وإلى أيّ مدى يمكن أن تؤثر هذه الظاهرة على جودة المضامين والقضايا الدرامية لصالح تلميع صورة نجم واستثمار صورته إلى حد التهرؤ والاستنزاف؟

'