النهضة تسعى لتقليص نفوذ سعيّد والشاهد بإضعاف حكومة الفخفاخ – مصدر24

النهضة تسعى لتقليص نفوذ سعيّد والشاهد بإضعاف حكومة الفخفاخ

النهضة تسعى لتقليص نفوذ سعيّد والشاهد بإضعاف حكومة الفخفاخ

الأزمة السياسية في تونس تأخذ بعدا جديدا مع إمكانية أن تعيق الكتل البرلمانية الرئيسية (حركة النهضة وقلب تونس) مرور حكومة إلياس الفخفاخ والدفع بالبلاد إلى حالة من الفراغ السياسي قد تستمر أشهرا، وسط اتهامات لحركة النهضة الإسلامية ورئيسها راشد الغنوشي بتحويل عملية تشكيل الحكومة إلى تصفية حساب مع الرئيس قيس سعيّد ورئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد وإخلاء الساحة من الشخصيات الوازنة القادرة على منع زعيم النهضة ورئيس البرلمان من أن يكون الشخصية المحورية في البلاد.

تونس – أعلن رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ عن موعد تقديم تشكيلته الأولية إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد دون أن يتم الاتفاق عليها بشكل نهائي مع الأحزاب، في خطوة قال المتابعون إن هدفها وضع الجميع أمام الأمر المقضي وإجبار الأحزاب على التوقف عن الابتزاز والشروط المبالغ فيها التي تتم من وراء الستار، وإخراج تلك الشروط إلى النور ليراها الناس، ويعرفوا الجهة التي تعطّل تشكيل حكومة بمهمات عاجلة.

ورغم هذه الحركة التي يحاول الفخفاخ أن يبدو فيها قويا وممسكا بالمبادرة، إلا أن الأحزاب ظلت إلى الساعات الأخيرة من مساء الخميس تلقي بشروطها إلى العلن، فحركة النهضة، التي نزلت بقوة لإرباك هذه الحكومة وخاصة خفض ما بدا لها أنه غرور وثقة مبالغ فيها من الفخفاخ كونه مرشّح الرئيس سعيّد ويستمد مشروعيته منه وليس من غيره، تقول التسريبات إنها حصلت على خمس حقائب وتريد اثنتين أو ثلاثة أخرى، فضلا عن رفع الفيتو أمام حصول التيار الديمقراطي أو حركة الشعب على حقائب بعينها مثل العدل والداخلية.

ويقول المتابعون إن رئيس الحكومة المكلف حاول أن ينأى بنفسه عن ضغوط النهضة، لكن قبل بجزء كبير من شروطها، خاصة ما تعلق بتقليص نفوذ أمين عام التيار الديمقراطي محمد عبو في تشكيل الحكومة، وخاصة رغبة التيار في الإمساك بالوزارات المثيرة لمخاوف الحركة وأساسا وزارة العدل التي يمكن أن تمهّد أمامه الطريق لفتح ملفات قضائية تتعلق بها أو ببعض قياداتها، وخاصة ما ارتبط بالجهاز السري والتحكم في تعيين القضاة في القضايا الحساسة التي تعود إليها.

وتواترت تصريحات قيادات النهضة الملوحة بأن الحركة قد تطيح بحكومة الفخفاخ، أو أنها قد تسمح بمنح ثقتها للحكومة دون المشاركة فيها، وهي تصريحات تظهر أن الحركة تهدف إلى تجريد رئيس الحكومة المكلف من دوره كقائد سفينة قوي ومتحمس لتنفيذ “برنامج ثوري” يقول إنه يستمده من برنامج الرئيس قيس سعيّد ومن “الحزام الثوري” للحكومة، وهو الحزام الذي وضعه في الزاوية وجعل النهضة تضغط عليه وتبتزه بوجه مكشوف.

العداء للشاهد

علاقة متوترة مع النهضة
علاقة متوترة مع النهضة

استعملت النهضة كل أوراقها لتدفع الفخفاخ إلى التنازلات، لكنها قد تضطرّ إلى تمرير الحكومة لسبب هام، وهو منع استمرار رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد في إدارة الشأن الحكومي لفترة قد تفوق ستّة أشهر إذا تم إسقاط حكومة الفخفاخ وتم اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها.

وكشف الشاهد في الحوار الأخير مع قناة حنبعل الخاصة عن أنه كان مهندس إسقاط حكومة الحبيب الجملي التي سعت النهضة إلى تمريرها وفشلت في جلسة صاخبة كانت بمثابة محاكمة لأدائها وعلاقتها بلوبيات الفساد، وهو ما يعني أن ثمة توترا بين رئيس حكومة تصريف الأعمال وراشد الغنوشي، رئيس البرلمان، والذي كان وراء تصعيد الشاهد ودفعه إلى مواجهة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ونجله حافظ قائد السبسي، وحزبه نداء تونس.

بالنتيجة، وبدل أن تحوّل النهضة الشاهد إلى “رهينة لأفضالها” وورقة تناور بها مع الخصوم، فإن العكس هو ما حصل، حيث بات رئيس حزب تحيا تونس رقما صعبا في إفشال أجندات النهضة وخططها السرية، وخاصة ما بات يعرف بـ”الحج إلى بيت الغنوشي” الذي يريد أن يتحول إلى اللاعب الوحيد في المشهد.

وعرفت علاقة النهضة بالشاهد توترا واضحا منذ مرحلة الترشيحات للانتخابات الرئاسية، حيث كان الشاهد يحصل على تأكيدات من داخل النهضة بأنه سيكون مرشحها في مواجهة خصمه من داخل منظومة نداء تونس وقتها، عبدالكريم الزبيدي، لكن خلافات النهضة الداخلية وصعود جناح متشدّد أفشل خيار الغنوشي في تزكية الشاهد الذي رأى في هذه الخطوة مسّا من هيبته ووزنه السياسي كرئيس حكومة، فضلا عن مخاطرته بمعاداة منظومة نداء تونس.

وكان عماد الخميري، الناطق باسم النهضة، قال إن حركته قد تدعم مرور الحكومة دون المشاركة فيها، وهي الحيلة القانونية التي تمكن أولا من منع الشاهد من الاستمرار في حكومة تصريف الأعمال إذا تمت إعادة الانتخابات، ثم إسقاط الحكومة لاحقا بلائحة لوم وإعادة تشكيل حكومة جديدة ربما تعيد لها المبادرة كونها الحزب صاحب الكتلة الأكبر في البرلمان.

التوجس من قيس سعيّد

مرشح قيس سعيد
مرشح قيس سعيد

ليس الشاهد فقط الذي يقع في مرمى تكتيكات حركة النهضة في مسعى لتحييده، فالخلاف مع الرئيس قيس سعيّد بات واضحا وجليا بسبب دخوله على خط تشكيل الحكومة ووضع بصمته عليها بتكليف شخصية قريبة من توجهاته ومتحمسة لأفكاره.

ويعود أحد أسباب سقوط حكومة الجملي إلى قرار الغنوشي خلال لقاء ممثلي الأحزاب مع سعيّد بأن الوقت لم يعد للمشاورات. ثم دفع الجملي إلى إعلان التشكيل الحكومي بسرعة. كان الهدف من وقف المشاورات منع سعيّد من أن يكتسب صفة مهندس الحكومة أو أن يظهر في صورة الحكيم الذي ينجح في تسهيل العقبات ويحتكم إليه الجميع للخروج من الأزمات خاصة في ضوء شعبيته الكبيرة.

ويقول المراقبون إن غضب النهضة من مساعي الفخفاخ في تشكيل الحكومة ومحاولة إرباكها هدفه منع الحكومة من أن تكون تحت عنوان “حكومة الرئيس” بحيث يوكل نجاحها إلى الرئيس سعيّد، ما يزيد من شعبيته ويساعده في تحقيق أهدافه التي تتخوف منها الحركة ذات الكتلة الأكبر في البرلمان، وعلى رأسها الدفع إلى تغيير النظام السياسي ليس فقط لتقوية نفوذ الرئيس وصلاحياته، ولكن قلب النظام من ديمقراطية على الشاكلة الغربية إلى ديمقراطية شعبية يتمّ فيها تصعيد لجان من الأحياء الشعبية والمناطق المهمّشة داخل البلاد إلى برلمان بلون آخر شبيه بالمجالس الشعبية في الدول الاشتراكية لا يكون فيه أي نفوذ للأحزاب.

ويتهم أنصار سعيّد حركة النهضة بالوقوف وراء الحملة الواسعة في مواقع التواصل الاجتماعي على الرئيس مستغلة الأداء البطيء لمؤسسة الرئاسة في ملفات حساسة خاصة ما تعلق بالدبلوماسية التونسية وغياب قيس سعيّد عن مناسبات خارجية مثل القمة البريطانية الأفريقية، أو منتدى دافوس، أو القمة الأفريقية، وخاصة مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية.

توظيف ورقة القروي

ورقة للمساومة بيد النهضة
ورقة للمساومة بيد النهضة

أربكت حركة النهضة جهود الفخفاخ لتشكيل الحكومة من خلال التمسك بوجود حزب قلب تونس، الذي يرأسه نبيل القروي، بزعم الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية بدل حكومة “الحزام الثوري”، الذي يجعل كتلا وازنة في البرلمان في المعارضة ما يضعف أداء الحكومة وحركتها، خاصة ما تعلّق بتمرير القوانين والإصلاحات الضرورية.

وتعرف النهضة أن وجود القروي في الحكومة يعني استفزازا مباشرا للرئيس سعيّد كون القروي كان منافسه في الدور الثاني، فضلا أن وجوده سيدفع التيار الديمقراطي إلى الانسحاب من المشاورات، وكذلك حركة الشعب التي تجاوزت إرباكها سريعا بالقول إنها لم تصنف قلب تونس كحزب للفساد ولا مشكلة لها في وجوده كحزام للحكومة.

ولا تعدو “حكومة الوحدة الوطنية” التي يطالب بها الغنوشي سوى واجهة لتحسين حصة الحركة في الحكومة، وهو ما تمّ بالفعل، حيث حصلت الحركة إلى الآن على خمس حقائب وتطالب بالمزيد، فيما وجد القروي نفسه مثار صراع حام لا فائدة له منه فأعلن أنه لا يقبل أن يكون مجرد كومبارس داعما للحكومة في البرلمان دون الحصول على اعتراف به ضمن الحزام، فضلا عن حقه في الحصص التي يتم توزيعها لكتل أقل منه وزنا.

وبات البعض من أنصار القروي يتهمون النهضة بأنها وظّفت الحزب في معاركها مع الفخفاخ والرئيس سعيّد لتحقيق مكاسب على حسابه، وأن الأمر لا علاقة له بحكومة الوحدة ولا بمراعاة الحجم في البرلمان، وهي اتهامات قد تعيق رهان الحركة على استخدام القروي ونوابه في تمرير قانون العتبة الذي تهدف من خلاله إلى تعبيد الطريق أمامها لتكون القوة الأولى خلال السنوات القادمة باشتراط عتبة الخمسة بالمئة، ما يقصي المستقلين ويؤثر على أوزان أحزاب باتت تقض مضجعها مثل التيار الديمقراطي.

استنساخ تجربة العراق

 

لا يبدي الشارع التونسي أي حماس لمعرفة تفاصيل مشاورات تشكيل حكومة إلياس الفخفاخ بسبب الصراعات السياسية والخطاب المتوتر الذي يطبع أداء مختلف الفرقاء السياسيين. وسمح غياب الاهتمام الشعبي بأن تستمر الأحزاب في المناورات ورفع سقف الشروط دون مراعاة لعامل الوقت والأزمات التي تعيشها البلاد بسبب سوء أداء الحكومات المتعاقبة ما بعد 2011.

لكن الأكثر خطورة هو التعاطي مع الدولة ومؤسساتها بمنطق الغنيمة والضغط للحصول على مكاسب حزبية أو خاصة من بوابة لعبة المحاصصة التي سيطرت منذ 2011، وتتكرر الآن مع حكومة إلياس الفخفاخ التي ينتظر أن يقدمها الجمعة (اليوم) إلى الرئيس قيس سعيّد قبل أن تمر إلى البرلمان.

وحسب القائمة الأولية التي تسربت إلى الإعلام فإن الحكومة تعتمد نظام المحاصصة، حيث يحصل كل حزب على عدد من الحقائب حسب حجمه في البرلمان، وتم توزيعها دون مراعاة كفاءة المرشحين وأهمية الحقيبة التي تسلم للحزب المعني ليتولى تنصيب من يشاء عليها من منتسبيه.

ورغم سقف التفاؤل الذي يرفعه البعض من هذه الحكومة كونها “حكومة الرئيس” صاحب الشعبية الكبيرة، فإنها ستكون محكومة في عملها بالترضيات، إذ سترضي “أحزاب الثورة”، وترضي اتحاد العمال الذي يصفه أنصاره بأنه “أكبر قوة في البلاد”، وترضي رجال المال والأعمال، وفي نفس الوقت تستمر بإطلاق الوعود والشعارات للفئات والمناطق المهمشة عبر حركات ومواقف بهلوانية لاسترضاء الشارع الانتخابي.

ويقول المراقبون إن المشهد التونسي شبيه بما يجري في العراق المكبل بعملية سياسية معقدة منذ 2003، إذ تعيش تونس في خضم صراع سياسي عبثي بين قوى وأحزاب متنافرة عقائديا في عملية سياسية تدور في حلقة مفرغة ولا تزال تصنف على أنها في مرحلة انتقالية رغم مرور تسع سنوات كاملة على الانتقال الذي حصل في 2011، فضلا عن كونها باتت امتدادا للتدخلات الخارجية المختلفة.

الشعبوية وانتهازية الأحزاب

Thumbnail

بقطع النظر عن تفاصيل اللعبة التي يديرها الغنوشي لجعل حركة النهضة اللاعب المحوري في المشهد السياسي خلال السنوات القادمة، فإن الثقة في الطبقة السياسية اهتزت في الشارع التونسي وسط مؤشرات على تقلص هامش الاهتمام بالسياسة والثقة في السياسيين، الذين يغلب على أدائهم الانتهازية والتقلب في المواقف، وخاصة إغفال مطالب الناس.

ويعتقد على نطاق واسع أن هذه الحالة ستستمر بسبب خوف الطبقة السياسية الجديدة من أن تغادر دائرة المؤقت والانتقالي، وهي مرحلة تعزو الفشل إلى العراقيل وإلى صعوبة الحصول على أغلبية برلمانية كافية لإدارة الحكومة.

وتحاول الأحزاب القوية والضعيفة، في آن واحد، البحث عن مسوغات للهروب من مسؤولية الأزمة ونتائجها بسبب الوضع الانتقالي، وفي نفس الوقت تسعى لمنع هذا “الانتقالي” من أن يتحوّل إلى وضع نهائي خوفا من أن يكتشف الناس غياب البرامج وضعف الولاء للدولة لدى أحزاب ظل أغلبها، منذ استقلال 1956، يساوي بين كراهية النظام والنقمة على الدولة ويسعى إلى ضربهما معا من خلال مراكمة الاتهامات والإشاعات.

النهضة قد تدعم مرور الحكومة من دون المشاركة فيها، وهي حيلة تمكن من منع الشاهد من الاستمرار ثم إسقاط الحكومة لاحقا بلائحة لوم

وخلال السنوات التسع الأخيرة ظهرت إشارات كثيرة على أن “منظومة الثورة” لا تتقن إدارة الدولة، ولا تفرق بين المصالح العليا لتونس وبين معاركها مع الخصوم السياسيين، وركوب الشعبوية في مواجهة الإصلاحات الضرورية لإخراج البلاد من أزمتها.

إلى الآن، تتعطل عملية إنتاج الفسفات (بنسب متفاوتة) الذي يوفر للدولة ما قبل 2011 المليارات من الدينارات (الدولار يساوي 2.7 دينار)، ولا يثير الأمر ضجة ولا غضبا بين السياسيين الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على إثارة غضب النقابات أو اللوبيات التي تقف وراء التعطيل، أو التي تفرض نقل الإنتاج المحدود عبر وسائل نقل تابعة لها بدل من القطارات التي تعود ملكيتها إلى الدولة.

وباتت الشعبوية تتحكم في مصير الدولة وتفرض عليها فاتورة باهظة خاصة ما تعلق بزيادة الرواتب، والعلاوات الخاصة بكل قطاع حسب نفوذ النقابات التي تهيمن عليه، فضلا عن إيقاف أي محاولة لمناقشة أوضاع مؤسسات القطاع التي تضطر الحكومات المتعاقبة لضخ الأموال بهدف التغطية على عجزها وتضخم إنفاقها تحت سيطرة لوبيات عمالية ونقابية وشبكات فساد متداخلة بين القطاع العام والخاص والرغبة في دفعها إلى الإفلاس للتفويت فيها بأثمان لا تتماشى مع قيمتها في السوق، مثلما يجري حاليا مع الخطوط التونسية التي تعيش على شفا الإفلاس بسبب الانتدابات العشوائية وغياب الصيانة وتجديد الأسطول.

'