انتحار الشباب في غزة.. رسائل احتجاج تكشف حياة اليائسين – مصدر24

انتحار الشباب في غزة.. رسائل احتجاج تكشف حياة اليائسين

انتحار الشباب في غزة.. رسائل احتجاج تكشف حياة اليائسين

بلغت حالات انتحار الشباب في قطاع غزة أرقاما قياسية في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى المحاولات الفاشلة التي يتم التكتم عنها، نتيجة تردي الوضع الاقتصادي منذ سيطرة حماس على القطاع وعلى كل مناحي الحياة الاقتصادية والأمنية والتعليمية وغيرها، حيث يعتبرها الشباب المسؤولة الأولى عن معاناة أهالي القطاع. 

غزة (فلسطين) – شاب انتحر بإلقاء نفسه من الطابق الخامس، وآخر أطلق الرصاص على رأسه، وثالث توفي متأثرا بجروح أصيب بها إثر إضرام النار بنفسه، خلال 24 ساعة فقط في مناطق مختلفة من قطاع غزة.

وآخر ما كتبه الشاب سليمان العجوري، 23 عاما، عبر صفحته على فيسبوك قبل أن ينهي حياته بطلق ناري في الرأس الأسبوع الماضي “هيا مش محاولة عبث، هيا محاولة خلاص وخلص.. الشكوى لغير الله مذلة وعند الله تلتقي الخصوم”.

وأقدم العجوري على إطلاق الرصاص على رأسه، داخل منزله بمنطقة “أبراج الشيخ زايد” في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.

تكتم وغموض

ولا يكاد يمر شهر إلا ويسمع أهالي غزة عن حالة انتحار أحد الشباب، وتنوعت طرق الانتحار بين الحرق وتناول السم والسقوط من علو والشنق وإطلاق النار.

وتشير التقديرات الطبية والحقوقية إلى وجود العشرات من محاولات الانتحار شهرياً، لا يتم الإفصاح عنها، ويكتنفها الغموض والتعتيم، وأصبحت تدق ناقوس الخطر.

ويرجع الفلسطينيون هذه الظاهرة إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي المرير الذي يعيشه القطاع المحاصر. ويؤكدون أن هناك العشرات من المحاولات الفاشلة للانتحار لم يتم الإعلان عنها في ظل السريّة والتكتم الشديدين من قبل الجهات المختصة أو المعنية أو الأهل.

ولا تتوفر إحصائية دقيقة بحالات الانتحار أو محاولات الانتحار في غزة، لأن حماس تفرض قيودا صارمة على المستشفيات لمنع تسريب أي معلومة حول محاولات الانتحار أو الأحداث التي تكشف تقصيرها تجاه المواطنين مثل الأخطاء الطبية وغير ذلك.

لكن الأرقام المتوفرة لمؤسسات حقوق الإنسان ومركز الإحصاء الفلسطيني، تشير إلى أن محاولات الانتحار سجلت مؤخراً نسبًا عالية في قطاع غزة الذي يقطنه حوالي مليوني نسمة، مقارنة بالضفة الغربية.

وأفادت هذه المؤسسات أن عام 2015، شهد 10 حالات انتحار لقوا حتفهم على الفور، في حين سجل في العام نفسه 553 محاولة انتحار، أما في عام 2016 فسجل 16 حالة انتحار و626 محاولة، وفي العام 2017 شهد 23 حالة و566 محاولة انتحار، وفي 2018 سُجل 20 حالة انتحار و504 محاولة، أما في عام 2019 فقد وصل عدد الوفيات جراء الانتحار إلى 22 مقابل 133 محاولة انتحار.

أزمة نفسية

البطالة تحيط بالشباب
البطالة تحيط بالشباب

ويشهد قطاع غزة تدهورا تدريجيا في الوضع الاقتصادي منذ سيطرة حماس على القطاع بالقوة وعلى كل مناحي الحياة الاقتصادية والأمنية والتعليمية والقضائية وغيرها صيف 2007.

وتعتقد بعض الأوساط أن أسباب الانتحار ترجع لارتفاع معدلات الاكتئاب والاضطرابات النفسية بالمجتمع والتي وصلت إلى 20 في المئة، فيما تواصل الجهات الرسمية المختصة التهرب من الإفصاح عنها ووضع سبل المعالجة لها قبل أن تتحول لظاهرة.

وفي سبتمبر الماضي انتحر الشاب خليل السكسك، 27 عاما، من مدينة رفح، شنقا. وقال والده إنه كان متزوجا وكانت ظروفه المالية والصحية جيدة قبل أن يتدهور الوضع الاقتصادي في غزة ما أدى إلى تدهور وضعه المعيشي ودخوله في حالة نفسية صعبة.

وبنبرة حزينة، ودموع منهمرة، وكلمات متقطعة، أوضح أبومحمد السكسك والد المنتحر خليل من محافظة رفح “ابني أنهى حياته بالانتحار شنقاً جراء مروره بحالة نفسية سيئة نتيجة تراكم الديون عليه وفشله في سدادها بعدما لجأ لكثير من الجهات لمساعدته، دون جدوى”.

وأضاف السكسك أن نجله كان قبل عشر دقائق من الواقعة جالساً مع عائلته وبحالة من اليأس والإحباط يردد “أريد أن اطلع للأعلى لأرتاح”، ولم يدرك والده أن الراحة تعني الخلاص من الحياة.

ويحاول الشبان في غزة الهروب من أوضاعهم الصعبة عبر محاولات الانتحار أو الهجرة خارج قطاع غزة، ومع صعوبة الخيار الثاني، وتفاقم أوضاع اليائسين سوءا، تحوّل الهروب إلى الموت الخيار المتبقي أمامهم.

مغامرة الموت

ولجأ الآلاف من الشبان للهروب من واقعهم بخوض مغامرة الموت علهم يجدون حياة كريمة لهم في دولة أوروبية، متنقلين من دولة إلى أخرى، والكثير منهم وقعوا ضحية المهربين ولقوا حتفهم بين أمواج البحار، وبعضهم لا يزال مصيره مجهولاً.

وتوفي عدد من الشباب خلال محاولة وصولهم لأوروبا، منهم الدكتور الصيدلي تامر السلطان من جباليا، الذي تعرض للتعذيب في سجون حماس فأغلق صيدليته وقرر ترك غزة وتوفي في البوسنة في أغسطس الماضي. وبعده بشهر أُعلن عن وفاة صالح حمد من بلدة بيت حانون شمال غزة، خلال محاولته اجتياز الحدود اليونانية لأوروبا.

وهاجرت الآلاف من الأسر من قطاع غزة إلى مختلف دول العالم هربا من تدهور الأوضاع الاقتصادية وقمع حماس، التي ترفض الكشف عن عدد العائلات التي هربت.

حماس تفرض قيودا صارمة على المستشفيات لمنع تسريب أي معلومة حول محاولات الانتحار أو تقصيرها تجاه المواطنين

وترى الباحثة سحر شعث إن واقع الشباب يشهد منحنى خطيرا يزداد سوءًا عامًا بعد عام، بسبب الأوضاع السياسية وما يترتب عليها من انهيار اقتصادي، إذ تزداد نسبة البطالة بين الخريجين والخريجات خاصة وشبابنا اعتادوا الإقبال على التعليم، أما بالنسبة للمشاريع الخاصة فلم تعد كافية لأنه في ظل الوضع الحالي فإنها تواجه مخاطر الفشل، بالتالي وجد الشباب أنفسهم أمام خيار الهجرة من قطاع غزة والتي ارتفعت بشكل كبير، من أجل البحث عن فرص حياة أفضل، اللافت هنا أن من يهاجرون هم الأدمغة وأصحاب المؤهلات وهي ظاهرة آخذة بالازدياد.

وبحسب بيانات صادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة، وصلت نسبة الفقر في قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة، إلى قرابة 75 في المئة. وواقع الشباب يزداد سوءًا، بسبب تداعيات الانقسام الفلسطيني منذ ثلاثة عشر عاماً وما نتج عنه من آثار اجتماعية ونفسية وسياسية صعبة، بغياب اهتمام المسؤولين في حركة حماس، رغم العديد من البيانات الحقوقية والتفسيرات النفسية والاجتماعية للظاهرة، التي عزتها إلى سوء الأوضاع المعيشية في القطاع.

ويقول خبراء الاجتماع المطلعين على الأوضاع في غزة إن الأسباب والدوافع في قطاع غزة التي تدفع الشباب نحو الانتحار تعود إلى ظروف تختلف عن الظروف التي تحدث في بلدان الشرق الأوسط، منها دوافع سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية، كون قطاع غزة يعيش في معاناة دائمة ومستمرة منذ الانقسام الفلسطيني قبل ثلاثة عشر عاماً، وما نتج عنه من خطط لتغييب دور الشباب وضعف الخدمات المقدمة لهم.

والشباب بوجه خاص يعانون من انعدام الآفاق لأسباب عدة في مقدمتها تفاقم مشكلة البطالة وسوء الخدمات الصحية.

وأوضح الدكتور محفوظ عثمان أخصائي الأمراض النفسية أن العديد من الأسباب تدفع الإنسان للانتحار، منها الاكتئاب والضغوطات النفسية التي يعيشها أهالي قطاع غزة وتحديداً فئة الشباب الذين وقعوا ضحية الانقسام السياسي.

وأكد أن الواقع الاقتصادي الصعب والحصار الإسرائيلي المرير ألقى بظلاله السلبية على الشباب الفلسطيني من خلال انعدام الثقة بالنفس والمستقبل المجهول والخوف من العجز، ليقوده كل هذا للتفكير بالانتحار.

ووجه عثمان رسالة للشباب مفادها “الاحتجاج على الظلم والقهر والتمرد على قمع أحلام وطموحات الشباب الضائع بدوامة الخلافات السياسية التي نتج عنها البطالة والفقر وسلب إرادة أبناءنا، حيث علينا إنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا”.

يؤكد العديد من الشباب أن حركة حماس المسؤولة الأولى عن المعاناة والأوضاع المأساوية التي يعيشها سكان القطاع، وفقدان الأمل بأي محاولة لتحسين الأمور بسبب تعنتها وحفاظا على مكاسبها السياسية وسيطرتها على القطاع، وبالتالي دفع الشباب اليائس للانتحار.

تعنت حماس

واقع الشباب يزداد سوءًا، بسبب تداعيات الانقسام الفلسطيني وما نتج عنه من آثار اجتماعية ونفسية وسياسية صعبة
واقع الشباب يزداد سوءًا، بسبب تداعيات الانقسام الفلسطيني وما نتج عنه من آثار اجتماعية ونفسية وسياسية صعبة

وفق إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد ارتفع معدل البطالة بين الشباب (29-18 سنة) في فلسطين عام 2018 ليصل إلى 45 في المئة (36 في المئة بين الذكور و70 في المئة بين الإناث).

ويقول أحد الشباب ” يشعر المرء هنا وكأنه ميت حي، والسياسيون من كل الأطياف يتكلمون كثيرا، لكن لا يوجد تغيير، بل يزداد الوضع سوءا”.

وتقمع حماس أي محاولة للاحتجاج على تدهور الوضع المعيشي، وكان آخرها حراك “بدنا نعيش”، في مارس 2019، الذي نظمه شبان مستقلون طالبوا بفرص عمل وتحسين الوضع المعيشي في القطاع محملين حماس المسؤولية عن تدهور كل مناحي الحياة.

وأصيب المئات من الرجال والنساء والأطفال بجروح وكسور جراء تعرضهم للضرب من قبل عناصر الأمن التابعين لحماس في أرجاء القطاع، كما أصيب عدد من الصحافيين وتعرضوا للاعتقال بسبب تغطيتهم أو محاولة تغطيتهم للاحتجاجات.

كما تشن حركة حماس باستمرار حملات اعتقال في أوساط نشطاء بسبب انتقادهم لسياستها القمعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومطالبتهم بإجراء انتخابات وفق الدستور الفلسطيني، كما وتعرقل حماس أي تفاهمات أو محاولات لإنهاء الانقسام أو إرساء القانون في غزة.

من أبرز العراقيل كان تنفيذ “اتفاق 2017” الذي ينص على تسليم حماس للوزارات والمقار الحكومية للحكومة الفلسطينية، ووصل رئيس الوزراء آنذاك، رامي الحمدالله، وعدد من الوزراء إلا أن حماس رفضت التسليم الفعلي وفق الاتفاق بعد تسليمهم الشكلي أمام وسائل الإعلام.

وأحد أسباب الخلاف الرئيسية آنذاك هو رفض حماس تسليم سلطة الأراضي للحكومة، بسبب سرقة مساحات شاسعة من الأراضي الحكومية في القطاع وتوزيعها على قادتها بشكل غير قانوني، بجانب استيلائها على مساحات شاسعة لمشاريع زراعية ومنتجعات خاصة بالحركة وقادتها وليس الحكومة.

'