انحياز الإعلام المصري المطلق للنظام لا يقنع الجمهور ولا يرضي الرئيس – مصدر24

انحياز الإعلام المصري المطلق للنظام لا يقنع الجمهور ولا يرضي الرئيس

يخلط الإعلام المصري بين دعم الرئيس عبدالفتاح السيسي كشخص وبين مساندة الدولة بمؤسساتها وقراراتها دون تغطية مطلقة على الأخطاء، فخرج عن دائرة التأثير وزادت الهوة بين المنابر الإعلامية الوطنية والجمهور، وهو ما يحتاج حلولا عاجلة على أعلى مستوى لمواكبة تطورات العصر.

القاهرة – تدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتوجيهات مباشرة لتحسين أداء الإعلام، بعد امتعاضه المتكرر من الخطاب المقدم إلى الجمهور، وبعد المنابر المصرية عن الواقع، ومواكبة التطورات الراهنة محليا ودوليا، والتي أدت بالنتيجة إلى اتساع دائرة المقاطعة، وبحث الناس عن منابر خارجية.

وبحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية، فإن السيسي طالب أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام، خلال اجتماع نهاية الأسبوع الماضي، بضرورة مواكبة الإعلام للتطورات التكنولوجية، والارتقاء بآليات التواصل مع جميع فئات المجتمع، وإتاحة المعرفة والمعلومات الدقيقة من المصادر الموثوقة لتعزيز الوعي.

وتلخصت انتقادات الرئيس المصري المتكررة للإعلام في معضلة الوصول إلى مرحلة متقدمة على مستوى المهنية والتأثير، إذ لا يخاطب كل الفئات، ويركز على المناصرين للنظام، وما دون ذلك، فهم في نظره إما من المتآمرين وإما أصحاب مصالح، ولديهم توجهات مناوئة لا يجب الاهتمام بوجهات نظرهم، ما غيّب الوعي للشريحة الأكبر في المجتمع.

والمشكلة الأخرى، أن الإعلام المصري يخلط بين دعم الرئيس كشخص والدفاع عنه، وبين مساندة الدولة بمؤسساتها وقراراتها، مع منح الفرصة لبعض الأصوات الوطنية المتزنة في إبداء رأيها، وكثيرا ما تحدث السيسي عن ذلك في مناسبات مختلفة، مطالبا الإعلام بالخروج من دائرة “الشخصنة”.

وقالت مصادر إعلامية مطلعة لـ”العرب”، إن أزمة بعض المنابر في قناعتها بأن السيسي يؤيد شيطنة كل من يحاول التغريد خارج السرب، مع أنه يريد إعلاما يحتوي كل الفئات إلا الشريحة الهدامة، وهي الرسائل التي لم يتلقفها الإعلام الحكومي، ولا الهيئات المعنية والمسؤولة عن إدارة منظومته.

صفوت العالم: مصداقية الإعلام المصري تبدأ بوضع استراتيجية واضحة

ودللت المصادر على ذلك بأن الرئيس المصري سبق وطالب الإعلام بمناقشة المشكلات بشكل معمق وتحليلي ومفصل، من خلال وجهات نظر مختلفة لا الترويج لرؤية واحدة، لذلك يريد تأكيد نفس الرسالة من خلال وضع استراتيجية إعلامية قائمة على عدم إسقاط أي فئة من حسابات الخطاب الموجه إلى الشارع.

ويتقاطع مع هذه الرغبات تماهي المؤسسات الإعلامية بشكل مفرط مع الإنجازات والتركيز على قضايا شديدة المحلية، وتجاهل الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية، كنوع من الالتفاف على ما يطلبه الجمهور من مناقشة موضوعات بعينها تتطلب وجهات نظر مختلفة، في حين أن ذلك ليس مسموحا به، حتى أصبح الإعلام مطالبا بمعادلة صعبة، الحياد مع كثرة المحظورات.

وأكد صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة، أن “التدخل المستمر من الرئيس لضبط إيقاع الإعلام، يعكس امتعاضه من الحالة التي صار عليها الآن، وإخفاق الجهات المعنية بإدارته في القيام بالمهمة الموكلة إليها، والواضح أنه يريد التحرك نحو الإصلاح بالأمر المباشر”.

وأضاف لـ“العرب”، أن “المتابع لعلاقة السيسي بالإعلام، يكتشف أنها متقاطعة في الفكر والرؤية والهدف، فقد شدد في مناسبات سابقة على انفتاحه على ما يقوله المصريون عنه حتى لو كان نقدا، لكنه لا يغضب من ذلك لإدراكه أنه لا يوجد في العالم من يتحد عليه الجميع، لكن المنابر الإعلامية ما زالت مقتنعة بأن الترويج للإنجازات وحدها السبيل لنيل رضا السلطة”.

ويرى مراقبون أن توجيه وزير الدولة للإعلام بضرورة مواكبة التطورات، يوحي بأنه غير راض عن التقليدية التي تغرق فيها المؤسسات الإعلامية، وإصرارها على مخاطبة الماضي، بشكل جعل الدولة بلا ظهير قوي يساندها في معاركها مع منصات معادية استطاعت جذب شريحة من الجمهور.

ويصعب فصل الأزمة التي يعيشها الإعلام المصري عن معاناته للحصول على المعلومات التي يحتاجها الشارع، لتعويض خسائره على مستوى التراجع في مواكبة العصر، وهو ما تطرق إليه السيسي مباشرة، ودعا إلى ضرورة إتاحة المعرفة، لكن الأزمة في وصول علاقة أغلب الصحف والقنوات مع المسؤولين إلى حد القطيعة.

وما زالت أزمة الحكومة مع الإعلام أنها لم تحدد حتى الآن، من أين تبدأ ضبط المنظومة، هل من استعادة المصداقية التي تأخذ وقتا طويلا لترميمها، أم بتغيير الوجوه التي تتصدر المشهد والاعتماد على أخرى ليست لها سوابق سلبية مع الشارع، أم بفتح الباب أمام الحريات؟ وبغض النظر عن نقطة البداية، يشير الواقع إلى صعوبة تحقيق أيّ تقدم ملموس في رغبات السيسي من الإعلام دون تغيير المنظومة نفسها، وإعادة تحديد الصلاحيات والمسؤوليات، لأن كل هيئة تعمل في جزيرة منعزلة عن الأخرى، وزارة الإعلام، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة الوطنية للصحافة، الجهة الحكومية المالكة للصحف والقنوات.

السيسي طالب أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام بضرورة مواكبة الإعلام للتطورات التكنولوجية وإتاحة المعلومات الدقيقة من المصادر الموثوقة لتعزيز الوعي

وكل هذه الجهات لديها رؤية مستقلة عن الأخرى في ما يتعلق بالصورة التي يجب أن يكون عليها الإعلام، وغالبا لا تتوافق مع طموحات الدولة، التي تريد أن تتسلح المنابر بالشفافية قبل دخولها معركة التصدي للمخاطر، في حين تريد بعض المؤسسات تجاوز هذه المرحلة ليبقى الإعلام سيفا مسلطا على رقاب من ينتقد الحكومة. وأوضح صفوت العالم لـ”العرب”، أن مصداقية الإعلام المصري تبدأ من الاستعانة بالمتخصصين في إدارة المشهد ووضع استراتيجية واضحة المعالم وقابلة للتطبيق، وإبعاد أهل الثقة، لأن استمرار الوضع الراهن يعني أن الإعلام لن يُرضي طموحات السلطة ويستمر قلقها المتصاعد من المسار الذي يتحرك فيه.

وما يلفت انتباه المتابعين، أن رأس السلطة ما زال يعتمد على وزارة الدولة للإعلام لوضع استراتيجية ملزمة لكل المؤسسات، في حين أن الوزير أسامة هيكل نفسه مكبل اليدين ولا يستطيع فرض أي تصور يمكن أن يحسن الصورة العامة عن الإعلام، لأن السياسة التحريرية المطبقة في أغلب الصحف والقنوات والمواقع غير تابعة، وهناك أطراف أخرى تتحكم في إطارها العام.

ويؤكد هؤلاء، أن الأزمة صارت أبعد من مجرد فتح مجال الحريات ويكون الخطاب موجها لكل الأطراف بلا استثناء، بل في الجهة التي يمكن أن تسمح لهذه النوعية من الشخصيات المختلفة في الرأي والتوجه مع الحكومة بالحديث، خشية تطرقها إلى قضايا محظور تناولها إعلاميا. وهناك قوائم متداولة بأسماء شخصيات لا يجب الاستعانة بها للتحدث في أيّ قضية، وأخرى مسموح بظهورها للتعليق على ملفات بعينها، ولأن كل مدير مؤسسة يريد الحفاظ على وظيفته، فإنه يبادر من تلقاء نفسه بعدم الاقتراب من موضوعات شائكة، لا سلبا ولا إيجابا، حتى وصل غياب الوعي إلى مرحلة خطرة.

ويمكن البناء على ذلك، بأن وصول الإعلام إلى المبتغى الذي يبحث عنه رئيس الدولة، يتطلب وجود إرادة تُشعر المتلقي بأن هناك بارقة أمل في المستقبل القريب، فقد تستمر نفس الوجوه، لكن على الأقل يُسمح بممارسة الإعلام وفق متطلبات المرحلة، على اعتبار أن بعضهم يملكون خبرة ويستطيعون تناول القضايا بشكل مهني، وكل أزمتهم في التضييق الذي يمارس عليهم من جهات لديها حساسية مفرطة مع كل صوت مختلف بذريعة أن الدولة مستهدفة.

'