انشقاقات الحركات المسلحة تهدد مصير السلام في السودان – مصدر24

انشقاقات الحركات المسلحة تهدد مصير السلام في السودان

تتخوف أوساط سياسية سودانية من أن يظل السلام في السودان أسير الغرف المغلقة فقط من دون أن يصل إلى أرض الواقع في ظل تصدع عدد من الحركات المسلحة وانشغالها بالمكاسب السياسية واقتسام الثورة، بدل الشروع في عمليات الدمج والتسريح، وهو ما من شـأنه أن يعمق متاعب السلطة  الانتقالية.

الخرطوم – تخشى دوائر سودانية أن يؤدي تصدع عدد من الحركات المسلحة إلى خلق مطبّات جديدة بعد التوقيع على اتفاق سلام بالأحرف الأولى بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية الشهر الماضي، ويتجه صراع الثروة والسلطة إلى البحث عن الحصول على جزء من كعكة المكاسب التي حصدتها الحركات، ما يهدد مصير السلام حال تمددت الخلافات وانتشرت الانشقاقات.

وطال التصدع أخيرا حركة جيش تحرير السودان، جناح مني أركو مناوي الذي انخرط في اتفاق السلام وواجه اعتراضات من قيادات نافذة في حركته، منذ أن أعلن الانفصال عن الجبهة الثورية.

وحملت مواقف حركة مناوي تذبذبا بين معارضة الجبهة الثورية والتعاون معها، وهو أمر فُسرعلى أنه بحث عن مكاسب جديدة بعيداً عن حصة الثورية، ومناورة للضغط للحصول على مزايا نوعية.

وراجت معلومات بشأن حدوث خلافات داخل الحركة الشعبية شمال، جناح عبدالعزيز الحلو، وشهدت مناطق نفوذ الحركة في جنوب كردفان توترات عسكرية بين قياديين انقسموا على أنفسهم بشأن موقف الحركة من السلام، بين تيار يدعم الانخراط في التفاوض دون شروط، وآخر يتزعمه الحلو، يتمسك بأن يكون التفاوض مع شخصيات بعينها داخل السلطة الانتقالية.

وتتزايد المخاوف من تجذر الخلافات داخل حركة عبدالواحد محمد نور، ولديها حضور عسكري واسع في غرب دارفور، ومن حدوث اشتباكات مسلحة بين عناصر الحركة، بسبب رغبة عدد من القيادات اللحاق بركب السلام الذي رفضه نور.

وجد هؤلاء معارضة قوية من قائد الحركة، وردد أن الهدف من هذه المطالب إحداث انقلاب سياسي وسحب البساط من تحت أقدامه لاجباره على الانخراط في المفاوضات.

ويظل الأثر الأكبر للانشقاقات واضحا داخل جناح مناوي، بعد أن أعلن 23 قياديا عسكريا وسياسيا الانسلاخ عن الحركة، والانضمام إلى تجمع قوى تحرير السودان برئاسة الطاهر أبوبكر حجر، وهو تنظيم سياسي يتواجد في دارفور.

وتترقب قيادات عسكرية في الحركات المسلحة قرارات الدمج والتسريح التي من المقرر تنفيذها وفقاً للترتيبات الأمنية المتفق عليها، وتبحث عن مكاسب مستقبلية، حال جرى الاستغناء عن كثير منها، لأنها لا تنبطق عليها شروط الانضمام إلى القوات المسلحة، ما يدعم تحركات هؤلاء ضد القيادات العليا للحركات لتقنين أوضاعهم.

يجمع مراقبون، على أن تزايد حجم الخلافات داخل الأجسام المترهلة لعديد من الحركات يقوض مركزية القرار داخلها، ويجعلها غير قادرة على الالتفاف حول قضايا واحدة ومتفق عليها للتفاوض بشأنها، وفي تلك الحالة ستجد الحكومة الانتقالية نفسها أمام مطالب عديدة ومتفرعة لدى الحركات غير الموقعة على السلام، وسيعوق ذلك حلم الوصول إلى اتفاق شامل في جميع ولايات الهامش.

تُصعّب الأوضاع الراهنة من إمكانية التوقيع النهائي على السلام، مطلع أكتوبر المقبل، وفي حال جرى تمرير الاتفاق، غالبا لن يكون شاملاً وستكون الحركات ذات الوزن العسكري الكبير خارج إطار السلام، ما دفع وساطة جنوب السودان لتكثيف مشاوراتها لانضمام حركتي الحلو ونور لقطار السلام ليتسنى تطبيق بنوده على الأرض.

يواجه اتفاق السلام مأزقا جراء تعدد الحركات المسلحة وتفرعها إلى أكثر من ثمانين حركة وتنظيم سياسي تتواجد في إقليم دارفور وحده، وعشرات التنظيمات الأخرى في باقي ولايات الهامش، بعضها يرتبط بنظام عمر البشير البائد.

اتفاق السلام يواجه مأزقا جراء تعدد الحركات المسلحة وتفرعها إلى أكثر من ثمانين حركة تتواجد في إقليم دارفور وحده

قال القيادي في الجبهة الثورية، محمد زكريا، إن ما يتردد حول وجود خلافات داخل حركتي الحلو ونور سببه سعي قيادات عسكرية للانخراط في ملف السلام، وتُصعد مواقفها في مواجهة الأطراف المتعنتة، ويمكن وصفها بالخلافات الإيجابية، شريطة أن يكون مدخلها الحفاظ على مركزية القرار داخل الحركة الأم.

وأضاف لـ”العرب”، أن إعلان المبادئ الموقع بين الجبهة الثورية والسلطة الانتقالية في جوبا قبل عام حدد أطراف التفاوض، وأي انشقاق في الحركات المنخرطة في السلام بحاجة إلى موافقة أولية للجهات التي حددها إعلان المبادئ لضمها مجدداً إلى الاتفاق، وأي طرف انشق عن التنظيم الأم، كفرد أو جماعة، سيكون خارج السلام.

وأوضح زكريا، الذي يشغل منصب نائب الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، أن بعض أطراف السلام تعمل على سد الطريق أمام استغلال بنود السلطة والثروة في تفتيت الحركات المسلحة، ومن المفترض أن يعزز اتفاق السلام وحدة قوى الكفاح بعد أن انصهرت العديد من الحركات والتنظيمات داخل الجبهة الثورية.

واندمجت تسع حركات مسلحة وتنظيمات سياسية تحت لواء الجبهة الثورية منذ عام ونصف، غير أنها شهدت انقساماً لم يؤثر على بنيتها الأساسية في شهر مايو الماضي، وأعلن مني أركو مناوي تأسيس جناح جديد للجبهة الثورية بقيادته.

لم تستفد الحركات المسلحة أوالسلطة الانتقالية من حالة التوحد والتوافق التي كانت عليها الحركات مع بدء عملية التفاوض، واختارت السير في خمسة مسارات مختلفة وهي: شمال وشرق ووسط السودان ودارفور والمنطقتين (النيل الأزرق وجبال النوبة)، من دون أن تجري الاستجابة للأصوات الإقليمية والدولية التي أكدت على ضرورة وضع أجندة شاملة لكافة قضايا الهامش.

أسهم تقسيم عملية التفاوض إلى ملفات مختلفة لإطالة أمد التفاوض، والدخول في تفريعات صغيرة داخل كل منطقة، في ظهور نوع جديد من السباق بين الحركات على النفوذ والسلطة في بعض المناطق.

ظهرت تجليات هذا الأمر في مسار المنطقتين بعد أن فشلت وساطة جوبا في التوصل لاتفاق مع جناحي الحركة الشعبية شمال، مالك عقار والحلو، في آن واحد.

وضعت الجبهة الثورية أمامها تحقيق هدفين، الأول فك شفرة جذور الأزمات والأسباب الرئيسية التي أدت إلى النزاعات في ولايات الهامش، وهو ما تحقق بالفعل بمخاطبة كل القضايا ذات الصلة، والثاني يرتبط بقبول الحركات الداعمة للسلام والتي لم توقع عليه بالاتفاق ومباركته من جميع أصحاب المصلحة في الأقاليم المختلفة.

ويتخوف متابعون من أن يظل السلام أسير الغرف المغلقة فقط من دون أن يصل إلى أرض الواقع، أسوة بما حدث في السابق من خلال أكثر من 40 ميثاقا واتفاقية وقعها النظام السابق مع الحركات المختلفة، وهو أمر يتطلب لملمة شمل الحركات وإيجاد الأجواء المناسبة التي تجعلها مقبلة على إنهاء الأوضاع القائمة والنظر إلى المصلحة العليا للدولة بعيداً عن المكاسب السياسية الضيقة.

واعتبر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الخرطوم، عمر محمد علي، أن الخلافات التي طفت على السطح بين قادة الحركات لا تهيّئ الجو المناسب لإحلال السلام، لأنها تأتي في وقت يعاني فيه المواطنون من أزمات اقتصادية جمة، ويرون أن الحركات لديها أجندتها التي تسعى لتحقيقها بعيداً عن رغبتها في إيجاد حلول جذرية للأوضاع القائمة.

وأوضح لـ”العرب”، أن “التدخلات الخارجية تبقى واحدة من أبرز أسباب الانشقاقات، فهناك أطراف لم يكن لها حضور في مفاوضات جوبا تسعى لأن تستعيد نفوذها مجدداً عبر إفشال السلام، وتحاول استقطاب قادة عسكريين من خلال دعمهم بالمال والسلاح”.

'