انعدام الثقة في علاقة القاعدة بطالبان وإيران أدى إلى ترشيح زعيم أفريقي – مصدر24

انعدام الثقة في علاقة القاعدة بطالبان وإيران أدى إلى ترشيح زعيم أفريقي

يعد تنظيم القاعدة ورقة مهمة لدى أفغانستان وإيران، قد يتفقان أو يختلفان عليها، حسب ما تفرضه المصالح والعلاقة مع القوى الكبرى، لذلك لا يثق التنظيم في طالبان وطهران، ودفعه ذلك مؤخرا إلى اختيار قادة من أفريقيا، آخرها كان ترشيحه للأفريقي يوسف العنابي خلفا لأيمن الظواهري.

القاهرة – كشفت تسريبات بشأن بدء المراسلات بين أفرع تنظيم القاعدة حول اختيار قائد جديد له أن عملية الانتقال لن تكون سهلة، لأن عددًا من الإستراتيجيات ومصالح الدول والاتجاهات الفكرية تعتمد بصورة كبيرة على شخصية من سيحل محل الراحل أيمن الظواهري.

وأفادت معلومات نشرتها مواقع مهتمة برصد ظاهرة القاعدة برغبة فرع التنظيم في سوريا تسمية أبوعبيدة يوسف العنابي، وهو زعيم فرع في المغرب العربي، كقائد عام للتنظيم المركزي خلفًا للظواهري، لكنها أغفلت محددات واعتبارات رئيسية جديرة بالاهتمام.

التنظيم يواجه مفاضلة بين الاعتراف الذي يحظى به بسبب نشاطه العابر للحدود المنافس لداعش وبين نشاط محلي يتجنب لحد كبير التدقيق الدولي

ولدى فرع القاعدة في سوريا (حراس الدين) الدوافع التي تجعله يستبق الأحداث مركزًا على التقليل من حظوظ القيادات المقيمة في إيران التي جرى تداولها إعلاميًا مؤخرًا مثل سيف العدل وعبدالرحمن المغربي.

وعجل قادة “حراس الدين” بتسمية العنابي ليفتح المجال للحديث عن فرص تسمية قيادات في أفريقيا كبديل محتمل عن المقيمة في إيران المتهمة بارتكاب مجازر ضد المسلمين السنة في كل من سوريا والعراق، فضلًا عن رغبة عناصر الفرع السوري في إنهاء السيطرة التاريخية للمكون المصري على التنظيم.

ولن تكون العلاقة غير المريحة مع إيران هي فقط التي ستحدد مستقبل القاعدة واسم زعيمه الجديد، حسب ما يتمنى عناصر حراس الدين، فهناك شواغل ومحددات أخرى مثل مصالح حركة طالبان وهواجس باكستان والصعود القوي لفروع القاعدة في غرب وشرق أفريقيا.

ويواجه التنظيم مفاضلة بين الاعتراف الذي يحظى به بسبب نشاطه العابر للحدود المنافس لداعش، وبين نشاط محلي يتجنب لحد كبير التدقيق الدولي، ولذلك تظل الإجابات عن أسئلة مثل: هل يكون القتال معولما أم محليا، وهل ستبقى القيادة في أفغانستان أم ستنتقل إلى مكان آخر؟ محورية في تحديد اسم زعيم التنظيم الجديد.

حظوظ أفريقية

عملية اختيار زعيم القاعدة الجديد تخضع لحسابات أكثر تعقيدًا في إطار ساحته الرئيسية الأوسع (قاعدة خراسان)  بين أفغانستان وباكستان
عملية اختيار زعيم القاعدة الجديد تخضع لحسابات أكثر تعقيدًا في إطار ساحته الرئيسية الأوسع (قاعدة خراسان)  بين أفغانستان وباكستان

تشي مرحلة التحول هذه بأن عملية الاتفاق على تعيين زعيم جديد للقاعدة لن تكون سهلة، فمن سيقود القاعدة هو من يرسم برنامج عمل التنظيم وتوجهاته وتحالفاته المستقبلية.

ويحدد زعيم القاعدة الجديد السياسة الخارجية للتنظيم وإمكانية العودة إلى إستراتيجية العدو البعيد ومهاجمة الولايات المتحدة وهل سيكرس جهوده لتعزيز نفوذ فروعه المحلية، وهو ما سوف يترتب عليه شكل علاقته مع داعش، وفقًا لمدى ‏استعداد القيادة الجديدة لتحقيق نوع من التوازن أو فرض القوة على الصعيد العالمي.

ولم يكن بروز أسماء قيادات من أفريقيا كمرشحة بقوة لخلافة الظواهري في زعامة القاعدة بناءً على مخططات فرع القاعدة السوري، إنما أيضًا من منطلق ما يتعرض له التنظيم من مشكلات في أفغانستان، وهي ساحة نفوذ القاعدة الرئيسي ومقر قيادته التقليدي.

ورغم العلاقة القوية بينهما يتشكك تنظيم القاعدة حيال طالبان بشأن مدى تواطؤ الحركة في عملية مقتل الظواهري، والمشكلات التي تواجهها الحركة دوليًا بسبب استمرار علاقاتها مع تنظيمات الجهاد المعولم واكتشاف توفيرها الملاذ والحماية للظواهري.

وقبل أن يروج فرع القاعدة في سوريا ليزيد مبارك (أبوعبيدة يوسف العنابي) صدر عن الأمم المتحدة تقرير وضعه بجانب أحمد ديرية (أحمد عمر أبوعبيدة)، القيادي بحركة الشباب الصومالية التاليين كمرشحين لقيادة القاعدة بعد سيف العدل وعبدالرحمن المغربي.

ليس من المستبعد ضمن سيناريوهات عديدة لمستقبل العلاقات بين طالبان والقاعدة أن تزيد الحركة الأفغانية دعمها للقاعدة والجماعات الإرهابية المتحالفة معها في أفغانستان

وإذا كانت السمعة التي اكتسبتها أفغانستان وجعلتها مقرًا تقليديًا لزعامة القاعدة تعود لدورها في تأسيس ونشر حركة الجهاد المعولم، فإن أفريقيا قد احتضنت التحول الكبير الذي تبناه الظواهري عام 2011 بالتخلي عن خطة الضربات الموجهة إلى الغرب والتركيز على توجيه القادة المحليين لتحصيل مكاسب محلية.

ويجري الترويج لترجيح حظوظ قيادات في أفريقيا لتولي قيادة القاعدة استنادًا إلى تمدد نفوذ أفرع التنظيم التي ينتمون إليها، حيث تسيطر حركة الشباب الصومالية على مناطق ريفية شاسعة من البلاد وتمتلك موارد مالية ضخمة مكنتها من إرسال ملايين من الدولارات إلى القيادة المركزية للقاعدة.

وتعوض المكاسب المادية الكبيرة التي تحققها فروع القاعدة في أفريقيا خسائر منيت بها فروع أضعف في سوريا واليمن وجنوب شرق آسيا.

وتنظر قيادات القاعدة في أفريقيا إلى نفسها على قدم المساواة بقادة التنظيم في أفغانستان، حيث لم يمنعها تركيزها على نسخها المحلية من إثبات وفائها لأيديولوجية القاعدة العالمية.

ويطرح قادة القاعدة في مالي ودول الساحل الأفريقي أنفسهم كمساهمين رئيسيين في حركة الجهاد العالمي وإن لم يغادروا بلادهم أو يقوموا بعمليات خارج حدودها، ويفسرون ذلك كونهم تصدوا مع جماعاتهم التي يديرونها لأطماع وتدخلات قوى غربية، في مقدمتها فرنسا في بلادهم، ويقومون بنفس الشيء أخيرًا في مواجهة مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية التي تم التعاقد معها لدعم الجيش المنهك في البلاد.

ويدخل على خط المنافسة قادة القاعدة في الصومال الذين يجمعون بين الحالة الجهادية المحلية حيث يطمحون إلى الانقلاب على السلطة بالقوة والانفراد بالحكم على غرار طالبان والحالة الجهادية العالمية، حيث يوالون تنظيم القاعدة المركزي ويعتنقون أيديولوجيته، ما يعني فرضية تهديد الحركة لخطوط التجارة والملاحة العالمية وممرات الشحن إذا ما نجحوا في الاستيلاء على السلطة.

بريق أفغانستان

Thumbnail

ليس من الوارد أن تستسلم الساحة الأفغانية بسهولة لفرضيات انتقال قيادة القاعدة إلى مناطق أخرى في أفريقيا أو غيرها، على الرغم من الأزمة التي يعيشها كل من تنظيم القاعدة وحركة طالبان بعد ضربة الولايات المتحدة التي قتلت بها أيمن الظواهري.

ومهما حققت الأفرع في أفريقيا من نفوذ وحضور وثروة فالمكاسب التاريخية في نظر منظري وناشطي القاعدة تحققت في أفغانستان، ويرى التنظيم أنه لعب دورا في النصر الذي تحقق قبل عام ومن حقه جني ثماره.

وعزز انتصار طالبان قوة تنظيم القاعدة الذي وطد علاقاته مع الفصائل الرئيسية وكبار قادة طالبان الذين أثبتت الأحداث أنهم مستعدون لتوفير ملاذ آمن للقاعدة في أفغانستان، إلا أنه على ما يبدو جرى اختراقه من قبل نيران صديقة فلم يكن آمنًا بدليل ما جرى للظواهري نهاية يوليو الماضي.

وتبيّن أن تنظيم القاعدة، وليس قائده المقتول فقط، كان مرتاحًا وآمنًا تحت حكم طالبان طوال العام، وأنه ركز على إعادة تنظيم نفسه لمواصلة فكرته عن الجهاد العالمي على المدى المتوسط، مستغلًا سيطرة طالبان لجذب مجندين جدد وتمويل وإلهام فروع جديدة على مستوى العالم.

قيادات القاعدة في أفريقيا تنظرإلى نفسها على قدم المساواة بقادة التنظيم في أفغانستان، حيث لم يمنعها تركيزها على نسخها المحلية من إثبات وفائها لأيديولوجية القاعدة العالمية

ويظل القاعدة مهتمًا بشدة بالحفاظ على ملاذه الآمن بساحته التقليدية في أفغانستان معززًا ذلك بتسمية قائد جديد له من بين المرشحين المتواجدين بأفغانستان، مع الحرص على عدم إحراج طالبان عبر الزعم أنه لن يشن هجمات من داخل حدود أفغانستان حفاظًا على هذه العلاقة.

وليس من المستبعد ضمن سيناريوهات عديدة لمستقبل العلاقات بين طالبان والقاعدة أن تزيد الحركة الأفغانية دعمها للقاعدة والجماعات الإرهابية المتحالفة معها في أفغانستان، بهدف الاستعانة به في مواجهة داعش وللرد على انتهاك الولايات المتحدة للسيادة الأفغانية باستهداف الظواهري في قلب كابول.

يمنح هذا السيناريو القاعدة فرصة مواصلة استثمار إسهامه في إيصال طالبان إلى السلطة متفاخرًا بالنصر الذي يعتبر نفسه شريكًا فيه، ولذا سيكون أكثر حرصًا على أن تظل أفغانستان المقر الدائم لزعيم القاعدة، متجنبًا اختيار شخصية تقيم تحت الهيمنة المباشرة للاستخبارات الإيرانية كسيف العدل أو عبدالرحمن المغربي.

وتبرز في هذا السياق أسماء عديدة مثل أفغاني الجنسية محمد أمين الحق مسؤول أمن بن لادن السابق وأيضًا علي البكري (عبدالعزيز المصري) عضو مجلس شورى القاعدة وخبير المتفجرات والأسلحة الكيميائية.

وتخضع عملية اختيار زعيم القاعدة الجديد لحسابات أكثر تعقيدًا في إطار ساحته الرئيسية الأوسع (قاعدة خراسان) بين أفغانستان وباكستان؛ وبما أن استخبارات إسلام أباد قد تخلت عن الظواهري في هذا التوقيت فمن المنطقي أن يكون لها تأثير في ترتيب الخلافة داخل القاعدة.

وتتداخل التأثيرات في هذه الساحة؛ حيث تؤوي طالبان فرعًا تابعًا للقاعدة يقاتل لإسقاط حكومة إسلام أباد، ولم تنجح وساطة سراج الدين حقاني لتسوية المسألة، لذلك تعاونت الاستخبارات الباكستانية للقضاء على زعيم القاعدة والذي كانت تعرف مكانه قبل الأميركيين بوقت طويل.

ولن تبتعد باكستان عن ملف الجماعات الجهادية المعولمة وتوجهاتها المستقبلية في المنطقة بعد أن أدركت أنها الخاسر الأكبر – بعد الشعب الأفغاني – من عودة طالبان وازدياد نفوذ القاعدة.

مخاوف من إيران

 

هل التنظيم واقع تحت سيطرة طهران
هل التنظيم واقع تحت سيطرة طهران

 

جال المرشحان الرئيسيان لتولي زعامة القاعدة (سيف العدل وعبدالرحمن المغربي) في علاقة معقدة مع الحكومة واستخبارات إيران وسيكون من الصعب على التنظيم تعزيز الشكوك في أنه واقع تحت سيطرة طهران.

وحتى لو انتقل سيف العدل إلى أفغانستان سيظل وفيًا للمصالح الإيرانية بالنظر إلى التحولات الكبيرة التي طرأت على أفكاره في هذا السياق، والتي عكستها المقالات التي كتبها هو وصهره مصطفى حامد.

ودعا الاثنان إلى الارتهان لمشروع إيران في العالم والتشابك مع الميليشيات الشيعية لتشكيل شرق إسلامي متحالف مع الشرق الشيوعي (روسيا والصين) بهدف هزيمة الولايات المتحدة والغرب.

بصرف النظر عن حظوظ سيف العدل تبعًا لقدراته وملكاته الشخصية في خلافة الظواهري، فإن إيران سيكون لها دور مهم في تحديد من هو القائد الجديد للقاعدة.

 

وفي الظروف العادية ستحرص طهران على عدم السماح للتنظيم بالعمل انطلاقًا من أراضيها، أما في حالة تعثر الاتفاق الدولي سوف تدعم طهران القاعدة لينشط ضد مصالح الولايات المتحدة.

وتأتي على الدولتين الجارتين اللتين تتزعمان الإسلام السياسي السني والشيعي (أفغانستان وإيران) أوقات يكونان فيها على استعداد لبيع القاعدة أو على الأقل لتقييد حركة قادته، لكنهما في ظروف معينة يكونان على استعداد كامل لاحتواء التنظيم واستضافة قيادته.

واشتكى قبل ذلك أبومصعب السوري أحد أبرز منظري القاعدة من أن هناك فصيلًا من قيادة طالبان لا يريد أن تكون له أي علاقة بالجهاد العالمي، وكان أسامة بن لادن قلقًا من انقسام قيادة طالبان بين معسكر من المؤمنين الأتقياء وفصيل منافق يقوم بالعمل نيابة عن المخابرات الباكستانية للوشاية بقادة التنظيم.

ويظل تنظيم القاعدة وزعامته ورقة مهمة وحيوية لدى أفغانستان وإيران، ووفقًا للمصالح والاتفاقيات مع القوى الكبرى قد يتعاون كل منهما ويضيق على الجماعات الإرهابية الأجنبية.

لكن عندما تتوتر علاقاتهما مع القوى الغربية والولايات المتحدة لا تولي أي منهما أي اعتبار للتعهدات التي قطعتها وتتحول إلى ملاذ يمكن لتنظيمات الجهادية العالمية البقاء والازدهار فيه.

ولهذا لطالما ساد تيار من انعدام الثقة في علاقة القاعدة بطالبان وبإيران، وقد انعكس هذا التوجه مؤخرًا على مخاوف قادة فرع القاعدة بالشام الذين فضلوا زعيمًا من أحد أفرع أفريقيا على آخر يقيم بأفغانستان أو إيران.

'