انفراجة بين طهران وأنقرة تهدّد المعارضين الإيرانيين – مصدر24

انفراجة بين طهران وأنقرة تهدّد المعارضين الإيرانيين

على مدى التاريخ، تنافست كل من إيران وتركيا، انطلاقا من أسس طائفية، على فرض النفوذ في الشرق الأوسط ودعمتا أطرافًا متعارضة في الصراع السوري، ومع ذلك تحولت كل من الدولتين خلال السنوات القليلة الماضية إلى حليفتين تكتيكيا وتعلمتا العمل على حل خلافاتهما السياسية للحد من التدخل الأميركي في منطقة تعتبرها كل منهما ملعبًا خاصًا بهما. لكن بالنسبة إلى المعارضين الإيرانيين، الذين لجأوا إلى تركيا، يشكل هذا التقارب تهديدا واضحا لعلاقتهما.

واشنطن – اتسمت العلاقات بين تركيا وإيران بالتقلب على الدوام، وبعد فترة من التحسن الكبير في النصف الثاني من أول عقد في هذه الألفية، تدهورت العلاقات إلى حد كبير وتفاقمت مع اندلاع “الربيع العربي” في 2011، لكن عادت وظهرت علامات الانفراجة في العلاقة أواخر 2016.

في ذلك الوقت، وعندما وقعت تركيا وإيران، إلى جانب روسيا، اتفاق أستانة، وهو اتفاق لمحاولة حل الصراع السوري في ما بينهم أشاد البعض بهذا الاتفاق، باعتباره علامة على النضج وعلامة فأل جيد للمنطقة.

لكن بالنسبة إلى المعارضين الإيرانيين، يرى الكاتب المقيم في بيروت أنشال فوهرا في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن هذا التقارب يشكل تهديدا، حيث ازدادت عمليات الخطف والترحيل والاغتيال لنشطاء حقوق الإنسان الإيرانيين البارزين في تركيا.

وسجل إيران في مجال حقوق الإنسان لا يزعج تركيا، ويبدو أن المعارضين الإيرانيين مجرد بيادق في اللعبة الأوسع للسيطرة على “العدو المحتمل” في وقت معين. وبعد أن أصبح جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وبعد عودتها إلى الأساليب التقليدية للدبلوماسية والسياسة الخارجية، قد تشهد علاقة طهران وأنقرة تغيرات مرة أخرى.

أيكان إردمير: تركيا تتيح لإيران ترهيب معارضيها مقابل تنازلات

أيكان إردمير: تركيا تتيح لإيران ترهيب معارضيها مقابل تنازلات

سيف الاختطاف والاغتيال

يلجأ الإيرانيون إلى تركيا منذ عقود حيث يمكنهم السفر إليها دون تأشيرة ويمكن تسهيل العبور غير القانوني عبر الحدود البرية من خلال المهربين، لكن الدولة التي كانت تعتبر ذات يوم آمنة كوجهة مؤقتة للمعارضين السياسيين وأعضاء الأقليات العرقية والدينية المضطهدين في إيران، أصبحت الآن خطيرة.

ويعد عيسى بازيار واحدا من الآلاف من المعارضين الإيرانيين، الذين يخشون الإعدام إذا عاد إلى بلده، كما أنه لم يعد يشعر بالأمان في تركيا. وقد اعتقلته السلطات الإيرانية عام 2013 بعد أن كشف عن عدم قدرة الحكومة على إزالة الألغام على الحدود مع العراق في السنوات التي تلت الحرب بين البلدين.

ويروي بازيار من مدينة مانيسا التركية التي يعيش فيها كيف أن القاضي تعاطف معه ووافق على إطلاق سراحه بكفالة لكنه نصحه بالخروج من إيران وعدم العودة أبدًا.

ومع ذلك، لم يتوقف بازيار عن ممارسة نشاطه، ونشر في تركيا رواية مبنية على قصة حقيقية عن إعدامات سجناء سياسيين في إيران عام 1988 وتم تهريب كتابه من بريطانيا إلى إيران، وهو يعتقد أنه سبب إرسال إيران لعملائها للقبض عليه في تركيا.

وفي أحد أيام يونيو 2020، ذهب بازيار لدفع فواتير الماء والكهرباء عندما توقفت سيارة سوداء وسألته امرأة جالسة في المقدمة عن عنوان مدرسة محلية للبنات. وفي غضون ثوانٍ، فتح رجل في مؤخرة السيارة الباب وأخذ بازيار. يقول المعارض الإيراني “كانت سيدة جميلة”، موضحًا سبب توقفه من أجلها، لكنه سرعان ما اكتشف هويتها الحقيقية.

وأضاف بازيار “كانوا عملاء إيرانيين. كانت السيدة تحمل مسدسا وقالت لي قبل أن نأتي إلى هنا، هددناك عبر الهاتف، وطلبنا منك أن تصمت، لكنك أهنتنا. الآن أظهر لنا رجولتك”.

وكان بازيار محظوظًا حيث قفز من السيارة وهرب عندما توقفت السيارة للحظة على منحدر التل، وركض لمدة يومين قبل أن يصل إلى قرية ويتصل بأسرته. وبعد بضعة أشهر، تم اختطاف منشق إيراني بارز آخر، وهو حبيب شعب، في تركيا وتم تهريبه مرة أخرى إلى إيران، على يد عميلة إيرانية.

ويقول بازيار إنه “بين الحين والآخر، نرى كيف يتم خطف المعارضين الإيرانيين والقضاء عليهم في تركيا. بعد كل زيارة رسمية بين الدولتين أخشى أن يكونا قد وقعا اتفاقيات لتسليم خصومهما لبعضهما البعض. أشعر بسيف الاختطاف والترحيل والاغتيال معلقًا فوق رأسي في جميع الأوقات”.

وتأتي مخاوف بازيار على أسس ملموسة، حيث خلال الأشهر الـ14 الماضية، تكثفت العلاقات الثنائية بين إيران وتركيا. وعلى الرغم من أن أنقرة تنفي قيامها بترحيل المعارضين أو السماح لعملاء إيرانيين باختطافهم، فقد اعتُبر التعاون مع طهران في هذه المنطقة بمثابة الحد الأدنى من الاتفاقية بينهما.

ورقة مساومة

Thumbnail

في 2019، وهو العام الذي واجهت فيه إيران احتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود، تضاعف عدد الإيرانيين، الذين تم تهريبهم إلى تركيا، وخشي الكثير من الاضطهاد بعد أن احتجزت السلطات تعسفيا الآلاف من المتظاهرين، وأخفت كثيرين، وعذبت آخرين. وذكرت منظمة العفو الدولية أن ما لا يقل عن 304 أشخاص قتلوا على أيدي قوات الأمن الإيرانية.

بعد شهر من الاحتجاجات، حضر الرئيس حسن روحاني ونظيره التركي رجب طيب أردوغان قمة كوالالمبور في ماليزيا، والتي نُظمت ظاهريًا “لإحياء الحضارة الإسلامية”.

ولكن من منظور السياسة الواقعية، كانت القمة عبارة عن عرض للقوة ضد السعودية والإمارات، وتحدي قيادتهما للعالم الإسلامي. وبحسب ما ورد اتخذ قرار إعادة ترحيل المعارضين في اجتماعات عقدت بين إيران وتركيا على هامش هذه القمة.

وظهرت النتائج بسرعة، حيث تم ترحيل العشرات من المتظاهرين الإيرانيين الذين لجأوا إلى تركيا، ويواجه اثنان منهم، محمد رجبي (26 عامًا) وسعيد تامجيدي (28 عامًا)، حكمًا بالإعدام في الوطن. ومنذ عام 2017، تم اغتيال ثلاثة معارضين إيرانيين على الأقل داخل تركيا.

وتم عقد التبادل الثنائي المهم التالي في يونيو الماضي، وهو نفس الشهر الذي اختُطف فيه بازيار. وظهر المزيد من التعاون حيث قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بزيارة أنقرة ووافق على دعم خطة تركيا لدعم فريقها المفضل، حكومة الوفاق الوطني، في الحرب الأهلية الليبية.

وفي المقابل، دعا أردوغان الولايات المتحدة إلى سحب عقوباتها التي فرضتها على إيران. وبعد أيام قليلة، شنّ الاثنان هجمات منسقة على خصمهما المشترك وهم الانفصاليون الأكراد. وهاجمت تركيا مخابئ حزب العمال الكردستاني في العراق بينما قصفت إيران حزب الحياة الحرة الكردستاني، وهو فرع من حزب العمال الكردستاني ينشط في إيران وله قواعد في العراق.

وكان بيمان عارف صحافي وناشط إيراني سجينا سياسيا سابقا في إيران وهو الآن مقيم في بروكسل ويعتني هناك بالمواطنين الإيرانيين الهاربين وكذلك العلاقات الإيرانية التركية. ويقول إن “التعاون بين أجهزة المخابرات في الدولتين قد توسع وأن المعارضين معرضون للخطر وفي بعض الأحيان يكون التهديد من عملاء إيرانيين وأحيانًا من أنصارهم الأتراك”.

المعارضة الإيرانية تعتبر مجرد “ورقة مساومة” بين أنقرة وطهران

وتتمتع أجهزة المخابرات التركية بعلاقات وثيقة للغاية مع نظيراتها الإيرانية وسُجنت نسيبة شمسي، مهندسة معمارية إيرانية وناشطة في مجال حقوق المرأة (36 عامًا)، لمدة 12 عامًا في إيران لمشاركتها في الاحتجاجات ضد قوانين الحجاب الإلزامي، لكنها هربت إلى تركيا ثم اشترت جواز سفر مزور للسفر إلى شقيقها في إسبانيا، لكن السلطات التركية ألقت القبض عليها في نوفمبر الماضي.

ورغم إطلاق سراحها، تشعر شمسي بالرعب من احتمال أن يتم القبض عليها مرة أخرى في أي وقت، سواء من قبل عملاء إيرانيين أو من قبل الشرطة التركية. وقالت “لا أشعر بالأمان. أشعر أنني هدف في تركيا. المخابرات الإيرانية في كل مكان”.

ويقول المنتقدون إنّ هناك فرقًا واضحًا بين رد تركيا على مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي وبين حالة الترهيب والتهديدات التي يواجهها المعارضون الإيرانيون في تركيا. ويقولون إن تركيا تغضب فقط بشأن قضايا انتهاكات حقوق الإنسان بما يتناسب مع استراتيجيتها ومصلحتها السياسية.

ويعتقد أيكان إردمير، كبير مديري برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وعضو سابق في البرلمان التركي، إن المعارضين الإيرانيين يعتبرون مجرد “ورقة مساومة” في العلاقة. وقال “من ناحية، تحد أنقرة من النشاط السياسي لطالبي اللجوء الإيرانيين وتتيح لطهران بعض المجال لمراقبة وترهيب المعارضين المقيمين في تركيا مقابل تنازلات مختلفة”.

ويؤكد إردمير بأنه عندما تريد أنقرة الضغط على طهران، فإنها تتبع سياسة ليّ الذراع وتهدد جارتها بفضح الدور الذي لعبه الدبلوماسيون والعناصر الإيرانية في عمليات التسليم والاغتيالات المستهدفة. ولذلك فإن احتمالات ظهور المعارضين الإيرانيين في تركيا تنشأ غالباً من خلال مواقف متبادلة بينهما وليس على أسس المعايير الدولية.

'