بايدن عازم على إحياء تحالفات الولايات المتحدة والعودة إلى العمل متعدد الأطراف – مصدر24

بايدن عازم على إحياء تحالفات الولايات المتحدة والعودة إلى العمل متعدد الأطراف

على مدى أربع سنوات من حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، شهدت العلاقات الأميركية – الأوروبية صراعات غير مسبوقة أثّرت على الاستقرار الدولي. ومع انقضاء حكمه وتنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، الأربعاء، رئيسا للولايات المتحدة، تعلّق الآمال على الإدارة الجديدة لحل هذه الصراعات وتعزيز التعاون بين الحلفاء التقليديين.

واشنطن – يثير وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات من ولاية دونالد ترامب المثيرة للجدل، موجة تفاؤل وارتياح لدى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الذين اقترحوا على واشنطن ميثاقا تأسيسيا جديدا.

وشدّد رؤساء المؤسسات الأوروبية على أن أوروبا تريد “من جديد صديقا” في البيت الأبيض، ودعوا بايدن إلى زيارة بروكسل بهدف “وضع ميثاق تأسيسي جديد” لتعزيز العلاقات عبر الأطلسي.

ويعتزم بايدن، الذي يتولى الرئاسة وهو في سن 78 عاما بعد نصف قرن من الحياة السياسية، أن يطبع اعتبارا من اليوم الأول ببصمته الفارق الكبير في الجوهر كما في الشكل مع رجل الأعمال النيويوركي السابق.

غابرييل أتار: مواجهة التحديات ستجعلنا نقف إلى جانب جو بايدن

ووقع بايدن بعيد تنصيبه سلسلة من المراسيم في المكتب البيضاوي تكرس الفارق مع عهد ترامب، تتعلق بالعودة إلى اتفاقية باريس حول المناخ وإلى منظمة الصحة العالمية.

ويرى محللون أن نهج بايدن سيظل تنافسيا، لكنه سيسعى إلى تجديد التحالفات الأميركية التقليدية، لاسيما في أوروبا الغربية، وإعادة الانضمام والعمل من خلال المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، مع سياسات أكثر مرونة .

واعتبر الناطق باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتار التزام بايدن بإعادة بلاده إلى منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ، أمرا “بالغ الأهمية”، مؤكدا عزم باريس على مواجهة “التحديات الهائلة” إلى جانبه.

وقال المتحدث في ختام جلسة لمجلس الوزراء “ننتظر بفارغ الصبر بناء علاقة قوية وفعالة ومتجددة مع الرئيس بايدن”.

وتابع “أمامنا أهداف وتحديات هائلة لنتخطاها معا”، مشيرا إلى إدارة أزمة وباء كوفيد – 19 التي يشكّل إعلان بايدن عودة الولايات المتحدة من جديد إلى منظمة الصحة العالمية خطوة “هامة جدا” في مواجهتها.

وأكد أن “التزام بايدن بإعادة الانضمام إلى اتفاق باريس للمناخ بالغ الأهمية”، مضيفا “ولذا نحن متحمسون جدا للعمل الذي سنقوم به إلى جانب الولايات المتحدة في الأشهر المقبلة”.

وأعرب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير عن “ارتياحه الكبير” لانتقال السلطة في الولايات المتحدة، فيما قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه يتطلع “للعمل من كثب” مع بايدن.

وقام ترامب بتفعيل أجندته التي تحمل شعار “أميركا أولا”. وقام بإلغاء أو تعطيل اتفاقيات متعددة الأطراف، فانسحب من اتفاقية باريس للمناخ التي تلزم كل دولة تقريبا بخفض انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض، كما قوضت إدارته تحالفات راسخة مثل منظمة حلف شمال الأطلسي واستعْدَت شركاء تقليديين واسترضَت حكاما شموليين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

ويرى محللون أن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقيات الدولية في أول أيام تنصيب بايدن يبعث على التفاؤل ويمثل فاتحة لتجاوز بقية “الألغام” التي وضعها سلفه ترامب والتي أدت في نهاية المطاف إلى تهميش العمل متعدد الأطراف في مواجهة الأزمات الدولية.

ويشير هؤلاء إلى أنه بانتظار الرئيس الأميركي الجديد ملفات حارقة أهمها إعادة النظر في الإجراءات الحمائية التي اعتمدها سلفه تجاه الحلفاء الأوروبيين والمزيد من تنسيق السياسات الدبلوماسية، لكن السياسات الدفاعية لترامب وعلاقة الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي ( الناتو) يبدو أنها لن تتغير.

وسيبقى نوع من الاستمرارية في الكثير من موضوعات السياسة الخارجية كما كان عليه الحال مع إدارة ترامب، فالتحفظ العسكري للولايات المتحدة لن يتغير مع بايدن. وبالعكس فمنذ عهد أوباما كان يحبذ انسحابا سريعا للقوات الأميركية من العراق. وعلى غرار ترامب ليست أوروبا بالنسبة إلى بايدن هي منطقة العالم الحاسمة من ناحية السياسة الخارجية، فواشنطن تنظر إلى آسيا وترى في صعود الصين التهديد الأكبر للأمن والرفاهية.

ويشير مراقبون إلى أن بايدن قد يصبح أحيانا شريكا غير مريح مقارنة مع ترامب. فمادام ترامب يعلن بوضوح عن احتقاره للمؤسسات الأوروبية، كان بوسع حكومات الاتحاد الأوروبي تجاهل طلبات واشنطن بسهولة أكبر مما هي عليه مع رغبات الرئيس الأميركي الجديد المقرّب من أوروبا. وحتى بايدن سيضغط من أجل نفقات عسكرية أعلى من جانب الأوروبيين وتذكيرهم بوعدهم تجاه حلف الناتو بضمان 2 في المئة من الناتج القومي المحلي للجيش.

ويؤمن بايدن بالعولمة ويعتقد بدور الولايات المتحدة المهمّ في أوروبا، ويتصوّر بأنّ الحلف الأطلسي (الناتو) يمثل أكثر من ضرورة، بل إنّه أبلغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بذلك في اتّصال هاتفي جرى في 10 نوفمبر الماضي، حمل بعض الملامح المتوقعة لسياسة الولايات المتحدة إزاء قضايا الاتحاد الأوروبي.

ويرى وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بأنّ بايدن تنتظرهُ مشاكل تجاريّة لا تزال عالقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لاسيما أنّ الصين تبحث عن موطئ قدم في أوروبا، وتسعى لأنّ تجد لنفسها مصالح حيويّة بديلة في الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي بدت فيه الولايات المتحدة في زمن ترامب مشغولة تماما بإدارة الصراع البارد مع الصين.

ويؤكد دبلوماسيون أنه لن يكون هناك خروج عن السياسات الأميركية الحالية إلا بعد ترقّب، فالسياسة الأميركية ستحكمها توازنات صعبة خاصة وأن الردع الأميركي السياسي والاستراتيجي هو الذي سيكون مطروحا بقوة كبديل عن المطالبات بالمزيد من الانخراط في قضايا إقليمية ودولية.

'