برامج مبتكرة تضيء ليل مناطق نائية في أفريقيا بالطاقة الشمسية – مصدر24

برامج مبتكرة تضيء ليل مناطق نائية في أفريقيا بالطاقة الشمسية

نيروبي – عندما يحلق المسافرون بالطائرات فوق مناطق عديدة من العالم ليلا، وينظرون عبر نوافذها من علياء، يرون أضواء المدن تتلألأ من تحتهم، غير أن المحلقين في أجواء عدد كبير من مناطق القارة الأفريقية يلاحظون أنها لا تزال ترقد في الظلام.

ولا يزال الكثير من سكان القارة الأفريقية محرومين من شبكات الكهرباء، ويشير تقرير لوكالة الطاقة الدولية إلى أن نحو 580 مليونا من سكان أفريقيا، البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة لا يجدون سبيلا إلى الطاقة الكهربائية.

وعلى الرغم من وجود مقترحات تزن بالأطنان حول كيفية حل هذه المشكلة، توجد العديد من العقبات التي تعوق تنفيذ هذه المقترحات. ومن بين العوائق، أن الكثير من الأفارقة يعيشون في مناطق نائية غير كثيفة السكان، ما يجعل مدّ شبكة الكهرباء المركزية إليها مسألة غير مجدية من الناحية الاقتصادية.

وفي هذا الصدد، يقول دانيال بوشيه المشرف على برنامج إتاحة الطاقة بالمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، إنه “لا يبدو أن تزويد المناطق الريفية بشبكات الكهرباء المتفرعة في عدة جهات مسألة ناجحة، والأفضل من ذلك اللجوء إلى الطرق غير المركزية”.

وأوضح، أن هذه الطرق تتضمن أنظمة لا تحتاج إلى الربط بشبكة مركزية، وتستخدم بشكل عام مصادر للطاقة المتجددة. فبينما يمكن الحصول على الطاقة من محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز أو الفحم من خط مركزي فقط، فإن الطاقة التي يتم توليدها من الشمس يمكن لأي شخص في أي مكان الحصول عليها.

هذه الطرق تتضمن أنظمة لا تحتاج إلى الربط بشبكة مركزية، وتستخدم بشكل عام مصادر للطاقة المتجددة

غير أن الطريق إلى مصادر الطاقة المتجددة في القارة الأفريقية لا يزال طويلا، وجاء بتقرير وكالة الطاقة الدولية أن “أفريقيا التي تتمتع بأعلى الإمكانيات للحصول على الطاقة الشمسية في العالم، أقامت محطات لتوليد 5 جيجاوات فقط من الخلايا الكهروضوئية، ما يعني أقل من نسبة 1 في المئة من إجمالي ما ينتجه العالم من الطاقة الشمسية.

ويرى بوشيه أن أحد الحلول الواعدة بدرجة أكبر هو إقامة شبكات كهربائية صغيرة مرنة، تولد الكهرباء من خلال ألواح للطاقة الشمسية، ويمكن أن تمتد من بضعة منازل إلى قرى بكاملها، ولكن تكلفة الاستثمار في هذه الشبكات عالية، وغالبا ما تكون معدلات الربح منخفضة، والشركات التي ترغب في تشغيل مثل هذه الشبكات لفترات تتراوح بين 15 إلى 20 عاما محدودة.

ويقول بوشيه “السوق تتطور ببطء”. ويشير نابين جايهر من شركة “تي.أف.إي” للطاقة الألمانية، إلى مشكلة كبيرة أخرى تتمثل في اختيار القرى المناسبة لإقامة شبكات الكهرباء الصغيرة فيها، ويوضح أن المطورين يفتقرون إلى المعلومات حول أماكن هذه القرى، وما هو حجم الطاقة التي تحتاجها، وما إذا كان بمقدرة السكان سداد تكلفتها.

وابتكرت الشركة الألمانية أداة لإتاحة هذه المعلومات المهمة، مستقاة من الصور التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية، وتتعاون الشركة مع عدة جهات من بينها البنك الدولي والحكومة النيجيرية وشركات أخرى للطاقة.

وفي ما يتعلق بالحصول على الكهرباء من الطاقة الشمسية، نجد أن أنظمة توليد الطاقة بالمنازل أكثر سرعة وسهولة في إتاحة الكهرباء مقارنة بالشبكات الصغيرة، حيث إنها وحدات صغيرة يمكن إقامتها على أسطح المنازل، ويمكن لهذه الوحدات وفقا لحجمها أن تشحن هاتفا، أو تشغل جهاز التلفاز أو تولد الطاقة الكافية لاحتياجات المنزل.

وتعرض شركة “موبيسول” للطاقة هذه الأنظمة المنزلية في كل من تنزانيا وكينيا ورواندا، وتوضح الشركة أنه بوضع ألواح الطاقة الشمسية الصغيرة – التي تولد ما يتراوح بين 50 إلى 200 وات من الكهرباء – فوق الأسطح، يستطيع السكان على سبيل المثال أن يوفروا احتياجات متجر يعمل مثلا كمحطة لشحن الهواتف المحمولة، أو كصالون للحلاقة أو سوبر ماركت.

وسائل الدفع عن طريق الهواتف المحمولة للزبائن، تتيح شراء مثل هذه المعدات أو الطاقة بشكل مباشر، عن طريق الأقساط حتى لو كان السداد بمبالغ صغيرة للغاية

ومع ذلك تعدّ هذه الأنظمة محدودة القدرات، ويقول بوشيه إنها “مهمة ولكن قدراتها محدودة في ظل تزايد الطلب على الطاقة”. غير أنه توجد أفكار لتوفير الطاقة، حتى في المناطق النائية وأكثرها فقرا.

فمثلا شركة “ليتل صن” أو “الشمس الصغيرة” ومقرها برلين، والتي شارك الفنان الدنماركي الأيسلندي أولافور إلياسون في تأسيسها، تبيع مصابيح تعمل بالطاقة الشمسية، وكذلك أجهزة شحن بأسعار منخفضة في دول مثل إثيوبيا ونيجيريا.

وهذه المصابيح الصغيرة تلبي اثنين من الاحتياجات الرئيسية للكثير من السكان في أفريقيا، وهما الإضاءة وشحن الهواتف، وفي هذا الصدد يقول فليكس هالواشز رئيس مؤسسة “ليتل صن”، لقد “ظهرت أهمية هذه المصابيح بشكل خاص أثناء جائحة كورونا، حيث اشترى العاملون في القطاع الطبي أجهزة شحن تعمل بالطاقة الشمسية”.

ووفقا لما صرح به بوشيه فقد انتشرت الطاقة الشمسية في مختلف أرجاء القارة الأفريقية خلال الأعوام الأخيرة، بعد انخفاض أسعار المكونات اللازمة لتوليدها مثل الألواح.

وأتاحت وسائل الدفع عن طريق الهواتف المحمولة للزبائن، شراء مثل هذه المعدات أو الطاقة بشكل مباشر، عن طريق الأقساط حتى لو كان السداد بمبالغ صغيرة للغاية.

ويقول هالواشز إن الطرق غير المركزية لإمداد الطاقة تعد فرصة “للتخلي عن بناء شبكات كهرباء كبيرة على الصعيد الوطني، من أجل إتاحة حصول جميع السكان على إمدادات الطاقة بشكل أكثر كفاءة ومن الممكن أيضا بدرجة أكثر ديمقراطية”.

ويعرب هالواشز عن اعتقاده بأن المزيد من الابتكارات ستأتي في غضون الأعوام القليلة المقبلة، وتتعلق بنماذج التكنولوجيا والأساليب التجارية، والتي من شأنها أن تذلل كل الصعوبات التي يعيشها السكان في المناطق النائية من العالم. ويتفق بوشيه معه في الرأي، ويقول “أنا مقتنع بأنه بدون طرق غير مركزية، لن نكون قادرين على إدارة وإنجاح برنامج كهربة أفريقيا”.

'