بوعزيزي جديد يضع تونس على أبواب انتفاضة ثانية – مصدر24

بوعزيزي جديد يضع تونس على أبواب انتفاضة ثانية

بوعزيزي جديد يضع تونس على أبواب انتفاضة ثانية

اشتباكات بين الشرطة ومحتجين بعد انتحار صحافي حرقا في محافظة القصرين.

تونس – لم يكن ينقص حالة الاحتقان المُتراكم على مدى السنوات الماضية التي تلت سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين في 14 يناير2011، سوى إقدام مُصور تلفزيوني تونسي على الانتحار حرقا على طريقة البوعزيزي، ليستعيد المشهد أجواء الاحتجاجات الشعبية التي بدأت تتلبّد لتُنذر بتطورات اجتماعية خطيرة، لا يستبعد أن تتحول إلى انتفاضة ثانية.

ووصلت هذه الأجواء إلى قطاع الإعلام، حيث سيطر الغضب على الصحافيين التونسيين الذين لوحوا بتنفيذ إضراب عام احتجاجي على تهميشهم وتردي أوضاعهم المادية، وذلك في أعقاب إقدام المُصور التلفزيوني التونسي عبدالرزاق الزُرقي (34 عاما)، على الانتحار حرقا في مدينة القصرين بغرب البلاد، احتجاجا على تردي أوضاعه الاجتماعية، وذلك في سابقة هي الأولى في قطاع الإعلام التونسي.

وتوفيّ عبدالرزاق الزرقي متأثرا بالحروق البليغة التي أصيب بها بسبب إضرامه النار في جسده احتجاجا على ظروفه الاجتماعية القاسية، وانسداد الأفق وانعدام الأمل.

وأثارت هذه الخطوة التي وصفها الإعلامي التونسي زياد الهاني، رئيس المُنظمة التونسية لحماية الإعلاميين، بأنها “جريمة بشعة في حق كل الجسم الصحافي”، غضبا مُتصاعدا تجاوز الصحافيين ليشمل السياسيين الذين انتقدوا الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، لتجاهلها تحسين أوضاع الصحافيين.

كما تسببت في احتجاجات ليلية، تحولت إلى مواجهات مع قوات الأمن، ترافقت مع تزايد اتساع دائرة الاحتقان الاجتماعي التي تتدحرج بسرعة باتجاه المزيد من التأزم في غالبية المدن التونسية.

وشهدت مدينة القصرين ليلة الاثنين/الثلاثاء مظاهرات واحتجاجات، عمد خلالها المحتجون إلى غلق الطرقات بالحجارة، وحرق عجلات السيارات المطاطية، قبل تدخل قوات الأمن لتفريقهم باستخدام الغاز المسيل للدموع، لتندلع مواجهات تواصلت إلى غاية فجر الثلاثاء، وسط حالة من الغضب المُرشح لأن يتواصل بالنظر إلى انسداد الأمل.

زياد الهاني: الصحافي التونسي يعيش حالة من الهشاشة وانسداد الأفق وفقدان الأملزياد الهاني: الصحافي التونسي يعيش حالة من الهشاشة وانسداد الأفق وفقدان الأمل

وإلى ذلك، لوّح الصحافيون التونسيون، الثلاثاء، بالدخول في إضراب عام، حيث أعلن نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري، عن إمكانية تنفيذ إضراب عام في قطاع الصحافة والإعلام يوم 14 يناير القادم، للتنديد بالأوضاع الهشة التي يعيشها عدد من الصحافيين.

وقال في تصريحات على هامش مشاركته في جنازة المراسل التلفزيوني، إن الواقع الذي يعيشه الصحافي التونسي، خطير جدا على الصعيد الاجتماعي، ولا بد من تصحيح هذا الوضع.

وقبل ذلك، قالت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، إنها “تُحمّل المسؤولية للدولة التي ساهمت في جعل القطاع الصحافي مرتعا للمال الفاسد والمشبوه، الخادم لمصالح ضيقة بعينها، ودون مُراقبة لمدى التزام المؤسسات الإعلامية بقوانين العمل والتراتيب الجاري بها العمل على حساب قوت الصحافيين ومعيشتهم”.

وحذرت في هذا السياق، أصحاب المؤسسات الإعلامية “المتنصلة من احترام قانون الشغل وتعهداتها، من مواصلة العبث بحقوق الصحافيين في التغطية الاجتماعية والصحية، ومن مواصلة الأطراف الحكومية وخاصة وزارة الشؤون الاجتماعية في التواطؤ مع هذه المؤسسات والتقاعس عن القيام بدورها الرقابي للالتزام بتطبيق القانون”.

وقال زياد الهاني لـ”العرب”، إن “الصحافي والإعلامي التونسي يعيش اليوم حالة من الهشاشة وانسداد الأفق وفقدان الأمل، وما جرى في مدينة القصرين التي شهدت انتحار أول صحافي تونسي حرقا، لدليل على وصول هذا الوضع إلى درجة خطيرة من التأزم”.

لكنه لم يتردد في المقابل، في تحميل النقابة الوطنية للصحافيين جانبا من المسؤولية “باعتبارها المسؤولة أولا وقبل كل شيء عن الدفاع على الحقوق المادية والمعنوية للعاملين في قطاع الإعلام”.

وفيما اعتبر الهاني، أن النقابة الوطنية للصحافيين “حادت عن أهدافها النقابية، وبالتالي فهي مسؤولة عن تردي أوضاع الصحافيين”، اتهم النائب البرلماني منجي الرحوي السياسة الاجتماعية للحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، بأنها هي التي “تسببت في انتحار صحافي في مقتبل العمر”. ووصف في تدوينة له نشرها الثلاثاء في صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، انتحار المُصور التلفزيوني بأنه “جريمة في حق الوطن”، قائلا “ما حصل جريمة في حق شباب هذا الوطن اليافع، وجريمة حكام لم تعد لهم القدرة حتى على ممارسة سياسة التسويف”.

واعتبر أن “حكام تونس، وخاصة حكومة الشاهد-الغنوشي، أغلقوا أبواب الأمل في وجه الشباب، وهي جريمة ستبقى كغيرها من الجرائم التي ارتكبت في حق هذا الشعب وصمة عار لا تمّحى”.

ومدينة القصرين من بين المدن الأولى التي اندلعت فيها الاحتجاجات الاجتماعية في 2010 وقتلت قوات الشرطة خلالها محتجين قبل أن تتسع رقعة المظاهرات في تونس وتطيح بنظام الرئيس زين العابدين بن علي آنذاك.

ورغم التقدم المسجل في الانتقال الديمقراطي بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 2011 والعودة إلى النمو بعد سنوات من الركود، تجد السلطات التونسية صعوبات في الاستجابة للتطلعات الاجتماعية للشعب.

ويؤجج التضخم الذي يغذيه خصوصا تراجع قيمة الدينار التونسي والبطالة التي لازالت فوق 15 بالمئة، التململ الاجتماعي الذي أدى إلى أعمال شغب في يناير 2018 في العديد من المدن التونسية.

'