تداول المسؤولين على المناصب يستفز الأردنيين – مصدر24

تداول المسؤولين على المناصب يستفز الأردنيين

تداول المسؤولين على المناصب يستفز الأردنيين

مراقبون يرون أن الضعف يعود إلى عجز القوى السياسية عن إيجاد خطاب قادر على استمالة الشارع.

عمان – عززت تسريبات عن استمزاج تقدمت به الحكومة الأردنية لطوكيو من أجل تعيين وزيرة السياحة والآثار السابقة لينا عناب سفيرة للأردن في اليابان، حالةَ الاحتقان التي تعيش على وقعها المملكة، واعتبر كثيرون الخطوة استفزازا جديدا للشارع الأردني، وتكريسا لسياسة التداول على المناصب بين أفراد طبقة معينة، في مقابل ذلك يواجه أكثر من 24 بالمئة من أصحاب الشهائد العليا البطالة.

ولم تكد حكومة عمر الرزاز تحتوي آثار تعيين أشقاء لأعضاء في مجلس النواب، سبق أن تولوا أيضا مسؤوليات، في مناصب عليا في الدولة، وتعيين آخرين برواتب مرتفعة في وزارة العدل والتلفزيون الرسمي، حتى برز في وسائل إعلام محلية خبر طلب الاستمزاج الذي تقدمت به وزارة الخارجية، ليتم تداوله بسرعة وعلى نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويأتي هذا الاستمزاج بعد أشهر قليلة على استقالة عناب من وزارة السياحة على خلفية فاجعة البحر الميت التي راح ضحيتها 34 شخصا جلهم من الأطفال، وأثارت آنذاك غضبا نيابيا وشعبيا واسعا وسط اتهامات لوزارتي التعليم والسياحة بالإهمال.

ورفضت وزارة الخارجية التعقيب على الطلب الذي تقدمت به لحكومة اليابان من أجل قبول تعيين عناب، وذكرت الوزارة أن “طلبات الاستمزاج لا يُعلن عنها إلّا بعد الموافقة، من قبل الدولة المعنية”.

وتقلدت عناب -وهي سيدة أعمال أردنية- العديد من المناصب قبل توليها حقيبة السياحة (في الحكومة الحالية والتي سبقتها برئاسة هاني الملقي)، حيث تولت الإدارة العامة لشركة زارة للاستثمار (القابضة) وشغلت مسؤولية في صندوق النقد الدولي، كما كانت عضوا في مجلس إدارة العديد من الشركات المساهمة العامة والخاصة في الأردن، ونظمت العديد من المؤتمرات.

التحركات الاحتجاجية السابقة التي ركزت على مطالب اجتماعية، قد تتطور إلى مطالب سياسية بدأت ملامحها تتبلور

وعلى إثر انتشار خبر طلب تعيين الوزيرة السابقة شن العديد من النشطاء هجوما لاذعا على الحكومة التي أوغلت في أسلوب الاستفزاز، حسب تعبير بعضهم، ولم يدخر بعض النواب جهدا للتصويب على هذه الخطوة الجديدة.

وقال النائب عن محافظة الكرك صداح الحباشنة، في تغريدة له على حسابه في موقع فيسبوك “تعيين وزيرة السياحة والآثار لينا عناب سفيرة للأردن في اليابان والتي قدمت استقالتها بسبب حادثة البحر الميت، يعني أنا لا أعرف ما هي العقلية التي تفكر بها حكومة الرزاز”. وأضاف “الحكومة تقوم باستفزاز الشعب الأردني”.

ومن شأن الخطوة الجديدة أن تزيد من تآكل الرصيد الشعبي لرئيس الوزراء عمر الرزاز الذي علق عليه الأردنيون آمالا في تغيير النهج الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة، خاصة أنه القادم من خارج المنظومة التقليدية، قبل أن يصابوا بخيبة أمل سريعة بقراره الإبقاء على 15 من مجمل 28 وزيرا كانوا في الحكومة السابقة بقيادة هاني الملقي والتي تمت إقالتها في يونيو الماضي على خلفية احتجاجات واسعة بسبب سياساتها الضريبية التي أثقلت كاهل الأردنيين.

وتوالت قرارات حكومة الرزاز المثيرة للجدل ومنها سيرها في إنجاز نسخة معدلة عن قانون الضريبة على الدخل الذي طرحته الحكومة السابقة، والتعيينات التي بدت حكرا على طبقة المسؤولين الحالية، “حتى كأن الأردن لم يعد يملك كفاءات خارج إطار هذه الحلقة”، وفق تعبير أحدهم.

ويقول نشطاء إن الحكومة الحالية تعاني من حالة انفصام بين رفع شعارات تؤكد على ضرورة تشريك الشباب في صنع القرار، وتمكين الكفاءات، وبين التطبيق الفعلي الذي ينحصر في تداول المسؤولين ذاتهم على المناصب العليا للدولة في كافة القطاعات.

ويرى مراقبون أن سياسات حكومة الرزاز التي تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن سابقاتها، من شأنها أن تزيد من حالة الإحباط لدى الشارع الأردني، غير مستبعدين إمكانية عودة حراك مايو، خاصة وأن الأخيرة لم تحقق أي إنجاز ملموس يمكن الاعتداد به لدى المواطن.

ويشير المراقبون إلى أن التحركات الاحتجاجية السابقة التي ركزت على مطالب التشغيل ومكافحة الفساد، قد تتطور إلى مطالب سياسية بدأت ملامحها تتبلور، في الشعارات التي رفعت مؤخرا وتطالب بحكومات منتخبة.

ونفذ مساء الخميس العشرات من المواطنين اعتصاما في الساحة المقابلة لمستشفى الأردن قرب مقر رئاسة الوزراء، مطالبين بإصلاح سياسي جوهري وشامل.

وطالب المتظاهرون بحلّ مجلس النواب الحالي وحكومة الرزاز، وبإجراء تعديلات دستورية تُمكن الشعب من انتخاب الحكومة، كما طالبوا بقانون انتخاب عصري وديمقراطي.

Thumbnail

ويرجح متابعون أن تشهد هذه المطالبات زخما أكبر خاصة بعد يأس الشارع الأردني من النهج السائد في اختيار الحكومات، والذي يجعلها حبيسة تجاذبات مراكز صنع القرار، والقوى المتنفذة والمستفيدة من الوضع القائم.

وسبق أن طُرح على مدار العقود الأخيرة مشروع إصلاحي يقوم على تركيز حكومات برلمانية، ودعا العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مرارا في السنوات الماضية إلى ضرورة تهيئة الأجواء لتحقيق هذا الهدف المنشود، بيد أن الأمور ظلت تراوح مكانها.

وترى أوساط سياسية أردنية أن هناك العديد من العراقيل التي تقف حاجزا أمام تحقيق تقدم في هذا المشروع أهمها ضعف الأحزاب السياسية في الأردن؛ فباستثناء جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تواجه هي نفسها حالة تراجع لافتة على المستوى الشعبي، وحتى السياسي، ليست هناك أحزاب يمكن الرهان عليها.

وتلفت الأوساط إلى أن هذا الضعف يعود إلى عجز القوى السياسية عن إيجاد خطاب قادر على استمالة الشارع، وافتقارها إلى الإمكانيات، فضلا عن انغماسها في صراعات على زعامة “وهمية”، إلى جانب دور الدولة التي ساهمت بدرجة كبيرة في حالة التصحر القائمة.

وتقول هذه الأوساط إن من الأسباب الرئيسية الأخرى، التي تجعل من تحقيق مشروع الحكومات البرلمانية غير قابل للتحقق، وجود ما يسمى بقوى الشد العكسي التي تملك مصالح تخشى على فقدانها.

وتضيف أنه في حال تم الضغط شعبيا، قد يجد هذا المشروع النور على المدى المتوسط، مشيرة إلى أن انتظار بروز أحزاب قوية لتنفيذه قد يطول كثيرا، طارحة قلب المعادلة بإنشاء قانون انتخابي عصري من شأنه أن يشكل حافزا للقوى السياسية.

'