تدهور معيشة اليمنيين يتسارع مع اشتداد حرب العملة – مصدر24

تدهور معيشة اليمنيين يتسارع مع اشتداد حرب العملة

عدن/ صنعاء – تتسع مخاوف المحللين والمنظمات الدولية يوما بعد يوم من أن تُسّرع “حرب العملة” المشتعلة منذ أسابيع بين الحكومة اليمنية الشرعية والحوثيين من الانهيار الشامل لاقتصاد بلد أكثر من نصف سكانه على حافة المجاعة.

وظلت الأطراف المتنازعة تستخدم العملة ذاتها حتى نهاية 2019 حين منع المتمردون تداول أوراق نقدية جديدة طبعت في عدن العاصمة المؤقتة وهي مقر الحكومة الشرعية، في الأراضي الشاسعة التي يسيطرون عليها في شمال البلد الفقير.

وكانت النتيجة تراكم هذه الأوراق النقدية في المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية، وهو ما تسبب في انهيار غير مسبوق في قيمة الريال في هذه المناطق وأدخل اليمنيين المرهقين ماليا في متاهة قد لا يخرجون منها.

ويميل المركزي في عدن، والذي بمقدوره الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، على نحو متزايد إلى طباعة أوراق نقدية جديدة لسد العجز الحكومي وسداد رواتب موظفي القطاع العام خاصة قوات الأمن والجيش، ما دفع الحوثيين الذين لا يتعاملون إلا بالريال القديم إلى تبرير ردود أفعالهم على تلك الخطوة التي زادت من تعقيدات الأزمة الاقتصادية.

أمل ناصر: هناك سعرا صرف للعملة ذاتها وهذا خارج عن المألوف
أمل ناصر: هناك سعرا صرف للعملة ذاتها وهذا خارج عن المألوف

وفي ظل اتهامات الشرعية للحوثيين بإدخال البلد في كارثة مالية مدمرة، زعم هاشم إسماعيل محافظ البنك المركزي في صنعاء الشهر الماضي أن “حجم ما طُبع هو تقريبا العقود التي تم توقيعها من البنك المركزي في عدن مع شركات الطباعة في الخارج وهو 5.23 تريليون ريال”.

وقال في تصريحات نقلتها رويترز حينها إن “هذا المبلغ الذي طُبع خلال ست سنوات نستطيع أن نقول إنه ثلاثة أضعاف ما طبعه المركزي في صنعاء خلال ستين عاما”، لكن الحكومة الشرعية تفند ذلك الكلام وتعتبره محاولة من الحوثيين للتهرب من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.

ووصل سعر الصرف إلى أدنى مستوى له على الإطلاق في الأسابيع الأخيرة إذ بلغ أكثر من ألف ريال للدولار الواحد في المناطق الحكومية حيث وصل إلى قاع قيمته عند نحو 1040 ريالا لكل دولار الأسبوع الماضي، بينما بقي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون مستقرا عند حوالي 600 ريال للدولار.

ويأتي هذا التهاوي المتسارع للريال رغم إعلان الحكومة الشرعية إغلاق عدد كبير من محلات الصرافة غير المرخصة المتهمة بالمضاربة بالعملة، بينها 150 محلا أغلقت في تعز لوحدها.

وتحتاج السوق اليمنية إلى مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي وخاصة الدولار لضخها في السوق ووقف مضاربة شريحة من التجار الذين يستغلون شحّه محليا.

وتزامن تراجع أسعار الصرف مع إعلان المركزي في عدن لائحة جديدة لتنظيم أعمال الصرافة لوقف نزيف قيمة العملة، لكن كل تلك الجهود والإجراءات لم تؤت ثمارها بشكل إيجابي.

وقالت الباحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية أمل ناصر لوكالة الصحافة الفرنسية “هناك سعرا صرف للعملة ذاتها ومن وجهة نظر اقتصادية هذا أمر خارج عن المألوف”.

ووفقا لشهادات عدد من السكان في الشمال والجنوب، فإن هذه الفجوة باتت تعقّد التحويلات المالية بين مناطق المتمردين وتلك الخاضعة لسيطرة الحكومة، في بلد يعتمد أكثر من ثلثي سكانه البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات الدولية.

وأدّت المعارك بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية، والمتمردين المتحالفين مع إيران، إلى وضع البلاد على حافة الدمار الشامل. وجرى تدمير مدارس ومصانع ومستشفيات وشركات، فيما فقد الآلاف من اليمنيين سبل
عيشهم.

اشتداد حرب العملة
اشتداد حرب العملة

وبينما حذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مارس الماضي من أن المجاعة قد تصبح “جزءا من واقع اليمن” في 2021، ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير أصدره مؤخرا أن الأسعار ارتفعت بنسبة 200 في المئة منذ بدء الحرب في اليمن.

وتشهد الأسواق في عدن ومحافظات الجنوب موجة غير مسبوقة من الغلاء وزيادة حادة في أسعار كافة السلع الغذائية، مما أثر على القدرة الشرائية للسكان الذين يعانون أصلا.

وأمام تراجع سعر الصرف أعلنت الحكومة مطلع أغسطس الجاري أنّها تعمل على سحب الأوراق النقدية الجديدة تدريجياً والتي كان الحوثيون قد حظروها، لكنّها بدأت في موازاة ذلك بضخ أوراق نقدية أخرى قالت إنّها قديمة.

وقال علاء الحاج أحد سكان عدن إن “هذا الضخ من العملة من الطبيعي أن يؤثر سلبا فيزيد من التضخم ويرفع الأسعار مما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن العادي على المدى القصير”.

ويقول الخبير الاقتصادي ومستشار البنك المركزي في عدن وحيد الفودعي إن هذه العملات “القديمة” أُخذت من احتياطات البنك، لكن خبراء أثاروا شكوكا بشأن ما إذا كانت قد طُبعت مؤخّرا.

وسارع الحوثيون إلى اتهام الشرعية بطباعة هذه الأوراق، وقاموا على الفور بحظرها وأعطوا السكان توجيهات للتعرف على الأوراق “المزيفة”.

كما اتّهموا مؤخّرا شركة غوزناك الروسية بأنها طبعت في يونيو الماضي “بالتواطؤ” مع المركزي في عدن كمية كبيرة من “النقود المزورة”، لاسيما من فئة ألف ريال. ويقول خبراء إنه سيصعب التمييز بين الأوراق النقدية مما يجعل الأمور تتعقد أكثر بالنسبة إلى المواطنين أيضا.

وفي خضم “حرب العملات” هذه، ينتهز البعض الفرصة لتحقيق الأرباح من خلال عمليات الصرف في السوق السوداء، ما يدفع الريال نحو المزيد من التدهور.

وقالت صفاء معطي وهي من سكان عدن “لا نرى أي تحسّن في وضع العملة، ولا تغيير. رواتبنا في تدهور. طبعوا أم لم يطبعوا، أتوا بعملة قديمة أو بعملة جديدة، الوضع يتدهور”. وتابعت “نحتاج إلى حل جذري”.

'