ترامب وريث شرعي لإهدار غنائم الحرب الباردة – مصدر24

ترامب وريث شرعي لإهدار غنائم الحرب الباردة

ترامب وريث شرعي لإهدار غنائم الحرب الباردة

واشنطن – تستعر المعارك السياسية والانتخابية في الولايات المتّحدة في ظلّ ظهور قوى دولية كبرى بدأت تنافس واشنطن على زعامة  العالم وكسر القطبية الأحادية التي حكمت  الأرض منذ انهيار المعسكر الشرقي الذي قاده الاتحاد السوفياتي عام 1991.

تتعدّد القراءات في الداخل الأميركي، فالجمهوريون يحمّلون باراك أوباما هذه الخيبات، فيما يعارض الديمقراطيون هذا التصور في قلب معركة انتخابية حاسمة وينتقدون تهور الرئيس دونالد ترامب ومزاجيته التي تذهب بواشنطن شيئا فشيئا إلى التخلي عن الريادة.

هذا التقاذف بالاتهامات  بين الحزبين، يحصر الآن في تحميل ترامب كل شيء سواء  كان خارجيا أم في الداخل ، لكن للكاتب أندرو باسيفيتش تصورات أخرى مغايرة تماما في كتابه  “عصر الوهم”،  “The Age of Illusions”. يشير باسيفيتش في عمله المشوق الى أن ترامب ليس سبب المشكلات الأميركية الآن على الصعيدين الخارجي والداخلي ،  معتبرا أن كل ما يحصل هو نتيجة تراكمات لتراجع الولايات المتحدة.

ويعتبر أن ترامب  هو “مجرد لاعب بسيط” في المخطط العام للانقسامات في الولايات المتحدة، وأنه “شخصية عابرة تجسد التناقضات المتراكمة للحياة الأميركية”. وطوال العمل، يقدم باسيفيتش ترامب كضوضاء خلفية للأحداث التي تتكشف.

يكتسب  الكتاب أهميته من خلال وضعه الإصبع على الداء بالانطلاق من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإلقاء نظرة سريعة على عدد قليل من اللاعبين المهمين في ذلك الوقت. ثم ينتقل إلى مناقشة عهدي ريتشارد نيكسون و دونالد ريغان اللذين يقودان إلى فترة رئاسة جورج دبليو بوش والانهيار غير المتوقع للاتحاد السوفياتي.

ويجادل باسيفيتش بأن النخبة في ذلك الوقت “ابتكرت رأياً عاماً جديداً يتكون من أربعة عناصر”.

يتحدث أول عنصر عن العولمة التي وصفها بأنها “النيوليبرالية المعولمة”، أي كل شيء عن تكوين  ثروات “رأسمالية الشركات التي تعمل على نطاق كوكبي”.

كتاب عصر الأوهام لأندرو باسيفيتش يكشف أن ترامب ليس المتسبب الوحيد في المشكلات الأميركية في الداخل والخارج

أما العنصر الثاني فهو القيادة العالمية، وهو “تعبير ملطف للهيمنة، أو للإمبراطورية “، مدعومة بـ” القوة العسكرية القوية” أو كما حددها المحافظون الجدد، “السيطرة الكاملة على الطيف السياسي”.

أما  العنصر الثالث  فيتمثل في الحرية المستخدمة في سياق “إزالة القيود التي تزيد   الاختيار” في السياسة الداخلية والسلوك الإنساني وفي السياسة العالمية مع تفضيل حرية الشركات على الحكومات والأشخاص. والعنصر الأخير في الكتاب هو الحرية الرئاسية، مع “منح المكتب البيضاوي صلاحيات شبه ملكية”.

ويستنج استخدام النظام الأميركي بطريقة “أهدرت المزايا التي اكتسبها من خلال فوزه في الحرب الباردة”.

بعد مناقشة أفكار روديارد كيبلينغ وفريدريك تيرنر وألفريد ثاير ماهان، وجميعهم   شجعوا استخدام “القوة الأميركية على نطاق واسع”، يركز الكتاب على مقال فرانسيس فوكوياما المؤثر “نهاية التاريخ”.

ويتسم مقال فوكوياما بالآتي: أولاً ” عظمته الشديدة، وحجته الكبيرة، لشرح كل شيء؛ وثانياً  أنه صدّق ما كانت الولايات المتحدة  صرحت به من أنها تدافع عنه طوال الوقت”.

ويتم فحص وانتقاد الرؤساء الذين أعقبوا انهيار الاتحاد السوفياتي في سياق العناصر الأربعة ،العولمة والقيادة العالمية والهيمنة العسكرية والحرية الرئاسية.

وكانت انتخابات عام 1992، بوش في مواجهة بيل  كلينتون، “حملة تنبئ بالمسار المستقبلي للسياسة الأميركية والتي توجت بانتخاب دونالد ترامب رئيسا  بعد أربعة وعشرين عامًا”.

ويعيد كتاب “عصر الوهم” صياغة العناصر الأربعة في المنظور المعاصر، أي التسعينات. وتشمل مناقشته للقيادة العالمية الرأي الذي يربط القيادة بالريادة الفعالة مع الهيمنة العسكرية الكاملة على الطيف السياسي.

وجاء التعبير عن العنصر الثالث وهو الحرية عن طريق إزالة القيود المفروضة على الاستقلال الشخصي مع تجاهل القيود المتأصلة في التقاليد والمعتقد الديني، مع زيادة دور التكنولوجيا في تشكيل تلك الحدود والحدود الجديدة وإزالة “آخر ما تبقى من القيود على عملية الرأسمالية العالمية”. أما الخاسرون فكانوا من المحافظين الثقافيين في المرحلة الأولى، والمواطن العادي في المرحلة الأخيرة، لكن هذا لا يعني أنهم اختفوا أو ظلوا خارج الصورة.

أما الرئيس، فقد أصبح وفق باسيفيتش إلها دينيًا، زعيم “العالم الحر”، وهو أقوى رجل في العالم. “لقد عززوا جميعاً النيوليبرالية المعولمة وأيدوا الهيمنة العسكرية”.

وشعر الكاتب بخيبة أمل من أوباما الذي عملت فترة رئاسته وهي” الليبرالية المعولمة الجديدة” على تعديل “العسكرة الأميركية وأعطتها فرصة جديدة للحياة”، وحرّرت حدود الحريات الشخصية التي “جمعت بين الصلاح والقليل من الضغينة”، ووصفت بأنها “إما مناسبة تمامًا واما  القشة الأخيرة، اعتمادًا على وجهة نظر الشخص”.

وينهي باسيفيتش انتقاده لأوباما في عشاء البيت الأبيض عام 2011، اذ كان أوباما يسخر من ترامب بروح  دعابة في شأن شهادة ميلاده وبرنامجه الواقعي “ذا سيليبريتي أبرنتيس”. واستنتج الكاتب أن ترامب هو من ضحك أخيراً.

ولبدء عصر ترامب، يسلط باسيفيتش الضوء على  الإحصاءات  التي توضّح كيف أن “الدليل على الاضطراب الاقتصادي الحاد كان واضحًا، حتى بين الذين حظوا بالفرص الكافية للحصول على وظائف”. لم يستفد عدد كبير من الأميركيين من تمويل وول ستريت والشركات الكبيرة، فقد خذلتهم الليبرالية. ويستكشف الكاتب كيف “اعتاد الأميركيون الحروب، وحالات الطوارئ الخاصة بالأمن القومي التي لم يجدوا لها نهاية”.

ولم يقدم ترامب،الولايات المتحدة بهذه الطريقة، بل “أظهر براعة في ترجمة هذه الشروط إلى أصوات ناخبين. ومن هنا، أصبح ترامب رجل عصره”. ولم  يكن ترامب سبباً في الانقسام  بين أولئك الغاضبين والمسيطر عليهم، وجميع الذين استسلموا ببساطة من قبل ترامب: “لقد كان انقساماً دفع به إلى مركز السياسة الأميركية في المقام الأول. لم يخلق ترامب هذا الانقسام، لكنه استغله لمصلحته الشخصية. فهو شخصية عابرة تجسد التناقضات المتراكمة في الحياة الأميركية”.

'