تصدي حزب الله للمُسيّرات يدفع إسرائيل إلى إعادة النظر في الحرب القادمة – مصدر24

تصدي حزب الله للمُسيّرات يدفع إسرائيل إلى إعادة النظر في الحرب القادمة

استهداف حزب الله للمُسيّرات الإسرائيلية فوق جنوب لبنان خلال الفترة الأخيرة يعتبر تذكيرا بلعبة القط والفأر اليومية بين الطرفين منذ سنوات. فرغم أن الجماعة المدعومة من إيران تعمل على إخفاء نشاطها عن أعين الإسرائيليين، التي تحلق في السماء، ومع أن صواريخها لا تصيب الهدف في الكثير من الأحيان، فإن ذلك قد يبدو دافعا قويا لإسرائيل إلى إعادة النظر في شكل الحرب القادمة مع أحد أذرع طهران في المنطقة.

لندن – يُظهر إطلاق حزب الله لصاروخ أرض-جو متطور من طراز “سام” على طائرة استطلاع إسرائيلية ذاتية القيادة فوق جنوب لبنان في الثالث من هذا الشهر، رغم فشل محاولة إسقاطها، قدرة هذه الجماعة على تحدي النشاط الجوي الإسرائيلي، سواء كان للمراقبة، أو لشن ضربات جوية مستقبلية.

وتزج إسرائيل بمسيرات وطائرات مأهولة للمساعدة في رسم خارطة للأراضي اللبنانية، التي يستخدمها حزب الله لبناء قواعد إطلاق للصواريخ، حيث تتجاهل الجماعة عمدا قواعد الاشتباك المحددة في مبدأ قانون التمييز أثناء الحروب المتعارف عليه دوليا عبر الاستهداف العشوائي وقيامها ببناء قواعد للصواريخ في مناطق مأهولة بالسكان في لبنان.

تكتيك جس النبض

يعتقد اللواء المتقاعد يوسي كوبرفاسر، الرئيس السابق لقسم الأبحاث بمديرية المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت تلك الحادثة تشير إلى شن حملة جديدة يتحدى عبرها حزب الله نشاط جمع المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية.

ويقول كوبرفاسر، مدير مشروع التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط بمركز القدس للشؤون العامة، إن محاولات حزب الله الإضافية لإسقاط المسيرات الإسرائيلية قد تؤدي إلى تصعيد. لكنه يلفت إلى أن ما حصل قد يكون مجرد حادث عابر أرادت من خلاله الجماعة إبعاد تلك الطائرة من منطقة حساسة بالنسبة لها.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن إطلاق الصاروخ لا يعتبر مؤشرا على حدوث تغيير جوهري في استخدام حزب الله لأسلحته، بحسب كوبرفاسر، بدليل أن الجيش الإسرائيلي لم يرد، إذ يبدو أن إسرائيل تتبنى نهج الترقب لتحديد ما إذا كان حزب الله قد غيّر أجندته بشأن تحدي النشاط الجوي الإسرائيلي فوق لبنان.

وتدرك إسرائيل أنّ التفوق الجوي ضروري  لجمع المعلومات الاستخبارية في لبنان، ويشكل عنصرا هاما في الاستقرار النسبي للمنطقة، رغم أن زعيم حزب الله، حسن نصرالله، ومن خلفهُ لا يعجبهم ذلك، ولكنهم قبلوا حقيقة التعامل مع الوضع. ومع ذلك يرى كوبرفاسر أن حزب الله، إذا سعى لتغيير هذا المبدأ، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث تصعيد.

يوسي كوبرفاسر: من السابق لأوانه تحديد نيّة حزب الله للدخول في حرب مع إسرائيل

ويمتلك حزب الله مخزوناً من صواريخ أرض-جو، وهي حقيقة لا تحبها إسرائيل، رغم أن مستوى التهديد لحرية المناورة الإسرائيلية ظل محدوداً ولكن إذا حاولت الجماعة تهريب صواريخ أكثر تطورا فقد يكون ذلك مصدرا للتصعيد.

وفي إشارة إلى إمكانية تعكير صفو هذا الهدوء في العام المقبل، أصدرت مديرية المخابرات العسكرية الإسرائيلية تقييمًا سنويًا الأسبوع الماضي، أكد أنّ حزب الله مستعد للمخاطرة بالدخول في حرب للمرة الأولى منذ حرب لبنان الثانية عام 2006.

ويقول يعقوب لابين مراسل الشؤون العسكرية والاستراتيجية في تحليل نشره مركز مشروع التحقيق في الإرهاب الإسرائيلي إنه على عكس تلك الحرب، التي أطلق فيها حزب الله 4 آلاف صاروخ على إسرائيل، فإنه اليوم قادر على إطلاق 4 آلاف صاروخ يوميا، وتمتلئ ترسانته من الصواريخ بكمية أكبر من 95 في المئة مما تمتلكه جيوش العالم.

وفي حين أن حزب الله يبدو مشغولا بأزمات لبنان المزمنة، ويستبعد احتمال اندلاع حرب مع إسرائيل، فإنه لا يزال مصمماً على الانتقام لمقتل أحد أعضائه في يوليو الماضي في هجوم إسرائيلي جوي على هدف إيراني في دمشق. وقد أطلقت الجماعة منذ ذلك الحين محاولتين لقتل جنود إسرائيليين، تم إحباطهما.

وبإلقاء نظرة على تصرفات حزب الله في العام الماضي يتضح أنه لا يهتم بالدخول في تصعيد جديد مع إسرائيل، حتى وإن كان محدودًا. ويقول كوبرفاسر إن الجماعة تتبنى سياسة الاستجابة المتبادلة وهي تتمسك بمبدأ “قتلتم جندينا وسنقتل جنديكم”، ولديها الصبر والمساحة للمناورة.

ورغم الحذر الذي ينتهجه حزب الله، فإن الاستقرار العام للمنطقة قد يواجه تحديات كبيرة في العام المقبل، سواء بسبب الأحداث المحلية في لبنان التي يمكن أن تتصاعد، وأيضاً بسبب حقيقة أن حزب الله وإيران يقعان تحت ضغط. وفي لبنان، يمكن أن يؤدي اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم، وهو معارض قوي للجماعة، المُتهمة بقتله، إلى زيادة مثل هذا الضغط.

وفعليا، يشعر حزب الله بالضغط، فهو في مواجهة كم هائل من الاتهامات كونه يعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية ويزيد من عزلة البلاد دوليا، كما أنه يرفض التعاون مع صندوق النقد الدولي، ناهيك عن الانتقادات، التي تعرض لها بسبب تخزينه للمتفجرات في مناطق مدنية كشفت التحقيقات وجودها عقب الانفجار المدمر ببيروت في أغسطس الماضي.

وفي غضون ذلك، ينتظر رعاة حزب الله الإيرانيون ليروا ما إذا كان حلمهم برفع العقوبات الأميركية سيتحقق، وهم يتلقون إشارات متضاربة من واشنطن حتى الآن. ولذلك قد تحاول طهران استخدام ورقة التصعيد الإقليمي، وقد يأخذ هذا شكل حماية الجبهات اللبنانية أو السورية أو غزة مع إسرائيل. وقال كوبرفاسر “الإيرانيون يتبنون سياسات تشير إلى أنّ هناك ثمنا لعدم الرد على عروضهم. وسيحتاج جيش الدفاع الإسرائيلي إلى الحفاظ على حالة تأهب قصوى”.

شكل الحرب المستقبلية

إنشاء أسراب من المنصات المسيرة المزودة بأجهزة استشعار يمكنها الكشف تلقائيا عن مواقع العدو، سواء كانت صواريخ مضادة للدبابات أو قذائف هاون أو صواريخ أرض-جو
إنشاء أسراب من المنصات المسيرة المزودة بأجهزة استشعار يمكنها الكشف تلقائيا عن مواقع العدو، سواء كانت صواريخ مضادة للدبابات أو قذائف هاون أو صواريخ أرض-جو

يعيد الاستراتيجيون العسكريون الإسرائيليون التفكير في الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه الحرب المستقبلية مع حزب الله. وقد ألقى اللواء عيران أورتال، رئيس مركز الأبحاث الرسمي لجيش الدفاع الإسرائيلي (دادو)، بعض الضوء على ذلك في إحدى الصحف الإسرائيلية.

وعبر تحديده لمفهوم تفعيل جديد محتمل للجيش الإسرائيلي، دعا أورتال لتنفيذ مناورات برية مستقبلية في “أراضي العدو للكشف عن قدراته في إطلاق القذائف وتدميرها”. كما حدد التحديات التي يواجهها الجيش عندما يشتبك مع عدو غير متماثل مثل حزب الله، الذي يعتمد على الصواريخ ويحمي نفسه في المناطق المأهولة بالمدنيين.

وكتب أورتال يقول إن “الصاروخ يمكّن مستخدمه من البقاء مختبئًا، على الأقل في معظم الأوقات”، حيث يمكن أن يطلق حزب الله أسلحة دقيقة وقاتلة، بينما يظل في نفس الوقت كامناً في مواقع مخفية، غالبًا في مناطق مزدحمة بالمدنيين.

وللرد على ذلك الأسلوب، يعتقد أورتال أن هناك مبدأين بسيطين يمكن اعتمادهما، الأول “إشعال الضوء” عبر استخدام شبكة من أجهزة الاستشعار المتقدمة لفضح مواقع حزب الله. والثاني “إخماد النيران” عن طريق ربط هذه المستشعرات بقوة النيران الإسرائيلية والهجوم المضاد على منصات إطلاق صواريخ حزب الله، كما يمكن لوحدات الجيش الإسرائيلي الاستفادة من قربها للمساعدة في اعتراضها.

وجادل أورتال بأن الإجابة على هذه المشكلة هي نشر أعداد كبيرة من المسيرات، وتزويدها بأجهزة استشعار، والتي يمكن أن تقدم صورة واضحة للجيش الإسرائيلي، مما يمكنه من تدمير قدرات حزب الله.

عيران أورتال: على الجيش الإسرائيلي اعتماد تكتيكي إشعال الضوء وإخماد النيران

وأكد أن “إنشاء أسراب من المنصات المسيرة المزودة بأجهزة استشعار يمكنها الكشف تلقائيا عن مواقع العدو، سواء كانت صواريخ مضادة للدبابات أو قذائف هاون أو صواريخ أرض-جو يمكن إطلاقها على سلاح الجو الإسرائيلي”. وأضاف “النتيجة ستكون التدمير السريع لخلايا جيش الإرهاب”.

وكتب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، الميجور جنرال يعقوب عميدرور ورقة بحثية أخرى تساعد على إعادة التفكير في جهود إسرائيل في حالة الدخول في حرب مستقبلية ضد حزب الله، وهو يرى أن أي مواجهة قادمة يجب أن تخلق وضعا جديدًا لا تستطيع فيه الجماعة إعادة التسلح بعد الحرب كما فعلت بعد حرب لبنان الثانية.

وتحقيقاً لهذه الغاية، تصور عميدرور مرحلتين من الصراع، الأولى قصيرة وكثيفة نسبيًا، وتستغرق أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. حيث ستأخذ القوات البرية الإسرائيلية جزءًا كبيرًا من أراضي جنوب لبنان، بينما تنشط القوات الجوية في جميع أنحاء لبنان لتدمير الأهداف بما في ذلك العديد من منصات إطلاق الصواريخ.

أما المرحلة الثانية، وهي مرحلة التنظيف الطويلة نسبياً، ستستمر شهوراً، وستشهد قيام الجيش الإسرائيلي بتدمير النطاق الكامل للبنية التحتية لحزب الله وأسلحته وبعدها يمكن منع الجماعة من إعادة البناء والتسلح باستهداف عمليات تهريب الأسلحة ومواقع البناء في لبنان، وحينها لن يستطع حزب الله فعل الكثير في الرد، لأن قوته النارية ستكون قد دمرت بالفعل.

ويشير عميدرور إلى أن مثل هذه العملية ستضعف إيران بشكل غير مباشر، عبر القضاء على وكيلها المسلح الأقوى والأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط، ولن يؤثر هذا بشكل كبير على قدرة طهران على إبراز قوتها في المنطقة فقط، بل سيقوّض أيضًا نظام الحرب بالوكالة الذي دافعت عنه واستخدمته لنشر الإرهاب لعقود.

'