تنامي معدلات الخلع يدق ناقوس الخطر داخل المجتمع الجزائري المحافظ – مصدر24

تنامي معدلات الخلع يدق ناقوس الخطر داخل المجتمع الجزائري المحافظ

دقّ حقوقيون وأخصائيو علم الاجتماع في الجزائر، ناقوس الخطر بشأن ارتفاع حالات الخلع في الجزائر، حيث تؤكد الأرقام بأنّ الأمر من شأنه أن يضر بالأسرة واستقرارها وبالمجتمع خلال الأعوام القليلة القادمة، لافتين إلى أن أسباب هذا الارتفاع عوامل كثيرة منها عنف الأزواج إلى جانب تراكم أسباب أخرى جنسية ونفسية واجتماعية مختلفة.

الجزائر- أكد أخصائيو علم الاجتماع أن نسق الزواج في المجتمع الجزائري عامة شهد تحولات جذرية. لعل من أبرز هذه التغيرات التي مست بنية الزواج والأسرة، بروز ظاهرة الخلع؛ حيث سجلت المحاكم الجزائرية 13 ألف امرأة جزائرية خلعت زوجها سنة 2018؛ ما يمثل نسبة 19 في المئة من العدد الجملي لحالات الطلاق في المجتمع الجزائري.

وأشاروا إلى أن هذه الأرقام مؤشر على وجود تغير سلبي وخطير داخل المجتمع الجزائري، ومن التحولات الجديدة التي تعبّر عن عمق المشكلة؛ فبروز ظاهرة الخلع يعد سلوكا شاذا وغير مألوف لدى المرأة الجزائرية بصفة خاصة، والمجتمع الجزائري عموما.

وكشف استطلاع إلكتروني تباين الآراء حول هذه الظاهرة ففي حين أخذ البعض موقفا معارضا للخلع رأى آخرون فيه حلا للظلم المسلط على بعض النساء إلا أنه بعد الاطلاع على أكثر من 100 تعليق تبيّن أن أغلبية المشاركين بآرائهم استنكروا استغلال بعض النساء لهذا الحق المشروع من أجل تفكيك الأسرة وطلب ما أطلقوا عليه اسم الطلاق التعسفي من طرف المرأة.

وعلق أحدهم قائلا “الإصلاحات القانونية الأخيرة سمحت للمرأة وفتحت شهيتها لطلب الخلع وشراء حريتها بالمال كما أن بعض النساء يتعسفن في طلب الخلع إلا أن البعض منهن وجدن أنفسهن تحت سقف واحد مع أزواج لا يحملون من الرجولة إلا اسمها ما يضطرهن إلى طلب الخلع كحل بديل”.

وقالت إحدى المشاركات في الاستطلاع “أرى فيه منفذا ومتنفسا لكثير من النساء ممن استنفذن جميع الطرق لحل مشاكلهن الزوجية ولم يبق أمامهن سوى الحديث بلغة المال والدخول إلى المحاكم لطلب الخلع”.

الإصلاحات القانونية الأخيرة سمحت للمرأة وفتحت شهيتها لطلب الخلع

وأرجع البعض أسباب الخلع للنزعة التحررية التي سادت في الآونة الأخيرة لدى النساء الجزائريات وما تبعها من استقلالية اقتصادية كعامل ساهم في تنامي هده الظاهرة خاصة لدى المرأة العاملة التي تحصلت على الوظيفة والدفتر العائلي والولد واستغنت عن الزوج بعد ذلك.

هذا وعبّر أحدهم قائلا “أنا لست مع قانون الخلع الحالي خصوصا في عدم وجود مواد صريحة تقنن الموضوع لأن النساء أصبحن يطلبن الخلع لأسباب لا تصلح كحجج حتى لطلب الطلاق العادي”. وأضاف آخر “أرى أن تنامي ظاهرة طلب الخلع أصبح خطيرا ويهدد المجتمع الجزائري غير أنني أراه جائزا في بعض حالاته المشروعة”.

وأفادت أخرى “أنا كامرأة لا أجد في الأمر حرجا حين تقوم بعض النساء بطلب حقوقهن واسترداد كرامتهن المهضومة.. ولو كلفهن الأمر الكشف عن أمور تعتبر عند الكثيرين من الطابوهات”.

وفي 2005، تم تعديل قانون الأسرة، الصادر في 1984، حيث ألغي بند “الرجل رب الأسرة”، و”إلغاء حق الرجل في الطعن أو الاستئناف في أحكام الطلاق والخلع التي كانت موجودة في القانون الأول”.

وتنص المادة 54 من قانون الأسرة الجزائري أنه “يجوز للزوجة دون موافقة الزوج، أن تخلع نفسها بمقابل مالي، وإذا لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم”. أما التطليق فتنص عليه المادة 53 التي تجيز للزوجة أن تطلبه لأسباب عشرة حددها النص، منها الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر والحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة وارتكاب فاحشة، والشقاق المستمر بين الزوجين.

ويرى البعض أن أروقة المحاكم باتت تعج بالكثير من الحكايات الغريبة التي تجسد واقعا مريرا لجملة الأسباب التي تفكك الروابط الزوجية، فبعدما كانت المرأة الجزائرية، في وقت سابق، لا تلجأ إلى طلب الطلاق إلا إذا بلغت أقسى مراحل المعاناة، صارت اليوم، ومع التعديلات التي مست قانون الأسرة، تخلع نفسها لأسباب مقنعة وأخرى تافهة.

وأكدوا أن الكثير من الوقائع تبرز الظلم الذي تتعرض له النساء، فيفضلن التضحية بحقوقهن المادية مقابل الحصول على الحرية، ليصطدمن في النهاية بنظرة المجتمع غير المنصفة للمرأة الخالعة لزوجها التي لا تغفر أبدا عملا من هذا القبيل، حيث يرى البعض أن أسباب الخلع تعود إلى النزعة التحررية التي سادت في الآونة الأخيرة لدى النساء الجزائريات، وما تبعها من استقلالية اقتصادية كعامل ساهم في تنامي هذه الظاهرة.

ومن جانبها نبهت زهرة فاسي أستاذة علم الاجتماع، في تصريحات سابقة إلى أن المجتمع الجزائري مخطئ في الصورة التي يضعها بشأن المرأة التي تطلب الخلع بأنها امرأة متحررة وهدفها هو فك الرابطة الزوجية لأتفه الأسباب، موضحة أن الخلع موضوع قديم جديد، وقالت “قبل الحديث عنه يجب الإشارة إلى حالات الطلاق التي بلغت 50 ألف حالة سنويا، فلماذا عندما نسمع هذا الرقم لا تثار ضجة وعندما تقرر امرأة خلع نفسها تثار ضجة؟ لأن قرار الطلاق كان يقرره الزوج في حال وجود أسباب تحل بالعشرة الزوجية وهذا في رأي المجتمع أمر عادي”.

الخلع

ولفتت فاسي إلى الأسباب الحساسة التي تحتم على المرأة خلع نفسها وهي الطابوهات التي كانت تتكتم سابقا عن ذكرها بحكم الانغلاق الذي كان يسود المجتمع، وفي مقدمة الأسباب فراش الزوجية، مبيّنة أنه “في الماضي كان موضوعا مسكوتا عنه لأن المفتي رجل والداعية رجل والإمام رجل وكلهم متسترون. بينما المرأة في العشرة الزوجية تعنف وتسلب حقوقها، فهناك من يجدن أزواجا مرضى بطلب محرمات وهناك مرضى نفسانيون، فعندما تسد كل أبواب النجاة والحلول لا تجد المرأة سوى النفاذ من ذلك الواقع المرير وهذا حق من حقوقها، وأنا شخصيا لم التق بامرأة طلبت الخلع دون سبب مقنع”.

وشددت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان على ضرورة مراجعة قانون الأسرة لوضع جملة من الإجراءات والشروط من أجل الحد من ظاهرة الطلاق والخلع، بالإضافة إلى تكوين مختصين في الاستشارات الزوجية والأسرية، لمعالجة المشاكل والخلافات في وقتها قبل أن تتفاقم وتصل إلى أروقة المحاكم.

ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة التي باتت تؤرق المجتمع الجزائري تنظم جامعة “قاصدي مرباح” كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية قسم علم الاجتماع والديموغرافيا بولاية ورقلة في الجزائر، يومي 25 و26 نوفمبر المقبل، “الملتقى الوطني الافتراضي حول تنامي ظاهرة الخلع في المجتمع الجزائري”؛ ويهدف هذا الملتقى إلى دراسة ظاهرة الخلع في المجتمع الجزائري انطلاقا من مختلف المقاربات السوسيولوجية والديموغرافية والنفسية والقانونية، وكذلك لمعرفة التغيرات السوسيوثقافية المؤدية إلى هذه الظاهرة، ومن ثمة الوقوف على الأسباب والعوامل المشكّلة للخلع.

'