تونس أمام تحدي القطع مع سياساتها الضريبية البالية – مصدر24

تونس أمام تحدي القطع مع سياساتها الضريبية البالية

تتزايد الضغوط على تونس لدفعها إلى الإسراع للنظر في كيفية إعادة هيكلة النظام الضريبي والذي لا تزال تديره بشكل قديم، حيث لم تسهم تحركاتها منذ عام 2011 في الخروج من هذه المعضلة جراء تعثر الإصلاحات في كل مرة والخلافات السياسية المستمرة.

تونس – تواجه تونس تحدي القطع مع سياساتها الضريبية البالية بعد أن اتسعت مطالب المؤسسات الدولية المانحة وأيضا الخبراء والمحللين بشأن حاجتها إلى تعزيز إيراداتها لمواجهة الاختلالات المالية المتفاقمة بوضع حد للتهرب الجبائي وتعزيز عمليات التحصيل بطرق أكثر شفافية وعدالة.

ومن بوابة الإيرادات الجبائية تبدو تونس مضطرة اليوم إلى البحث عن نوافذ جديدة تنسجم مع المعايير المستدامة، وفي الوقت ذاته اتباع نهج شامل قائم على ثقة دافعي الضرائب وصولا إلى فرضها على الأثرياء لدعم الخزينة العامة ومواجهة الاختلالات المالية المتفاقمة.

ورغم ترسانة القوانين التي تعززت في السنوات الماضية في هذا المجال، إلا أنها أتت بنتائج عكسية نتيجة العديد من الثغرات، كما أن الجهات الرقابية لم تتمكن من السيطرة على مكامن الخلل التي يتوجب سدها.

وشكلت هذه النقطة أحد محاور الخطة التي أعلنت عنها وزارة المالية في وقت سابق هذا الشهر، حيث تعول عليها الحكومة لتحسين قدرة الدولة على تعبئة الموارد مع تعزيز رقمنة الإدارة لقطع الطريق أمام عمليات فساد محتملة مستقبلا.

وتخطط الحكومة في سياق إصلاح النظام الضريبي على المدى المتوسط لتوسيع قاعدة الضريبة من خلال مواصلة توسيع ميدان تطبيق الأداء وتعزيز نظام الاستقصاء.

إدوارد أولوو – أوكيري: يجب وضع خطة فعالة تناسب الوضع والقيود المحلية

وذكرت وثيقة نشرتها الوزارة على منصتها الإلكترونية في الثامن من فبراير الجاري أنه “تم تحديد حزمة تدابير للتوجه نحو نظام ضريبي أكثر كفاءة وإنصافا بالسعي لتوسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي ودمج السوق الموازية في القنوات الرسمية بما يحسن مناخ الأعمال”.

ومن الواضح أن تطوير التشريعات المتعلقة بالضرائب ودعم الموارد البشرية وتوفير الدعم اللوجستي اللازم أضحت أمورا ملحة أكثر من أي وقت مضى في ظل الأزمة المالية الخانقة.

وما ولد حالة من عدم الانضباط الجبائي طيلة عشر سنوات مضت هو الإمعان في تغيير الإجراءات والتدابير. ويقول خبراء إن مشكلة تطبيق القوانين خاصة ضد المتهربين ضريبيا لا يمكن حلها إلا من خلال تعزيز المراقبة.

وحدد البنك الدولي في تقرير حديث نشره على منصته الإلكترونية إطارا جديدا ومتكاملا من أجل تحسين الأنظمة الضريبية بالارتكاز على إنفاذ تحصيل الضرائب وتسهيل عملية دفع الجباية وجعلها أكثر مرونة.

وذكر البنك في تقرير بعنوان “الابتكار في النظام الضريبي: بناء الثقة وإدارة دفة السياسات وتصميم الإصلاحات” أنه “عند تنفيذ استراتيجيات لزيادة الثقة بين دافعي الضرائب والإدارة جنبا إلى جنب مع الإصلاح، فإن الأمر سيؤدي إلى إرساء نظام أكثر فعالية”.

وقال إدوارد أولوو – أوكيري مدير قطاع الممارسات العالمية للحوكمة في البنك الدولي إن “التقرير يقدم مسارات عملية وواضحة لوضع بناء الثقة موضع التنفيذ”.

وأضاف “نوفر معلومات مفصلة عن المبادرات الناجحة، والبنك الدولي يحث المسؤولين على عملية الإصلاح بالتركيز على كيفية تصميم استراتيجيات أكثر فاعلية تناسب السياقات والقيود المحلية”.

وغالبا ما اتجه إصلاح الضرائب في تونس كما هو الحال في عدة دول أخرى مثل الأردن والجزائر نحو تدعيم إنفاذ تحصيل الضرائب مع فرض عقوبات على الأفراد والشركات التي تتهرب من دفع التزاماتها.

كما أن الحكومات التونسية المتعاقبة سعت لتقوية الآليات التي تيسر إلى أقصى حد ممكن على دافعي الضرائب معرفة ما عليهم من مستحقات من أجل سدادها.

ولكن أوكيري يرى أنه على الرغم مما تحقق من نجاحات في بعض الأحيان، إلا أن هذه الجهود “لم تكن كافية لمواصلة تقديم نظام ضريبي أكثر فعالية وإنصافا وخضوعا للمساءلة”.

ولا تزال الضرائب على الأثرياء غير فعالة إلى حد بعيد، وأن ضعف هذا النظام في العديد من دول المنطقة العربية كما هو الحال في تونس يبدو نابعا من رفض أطراف سياسية فرض ضرائب أكثر فعالية فضلا عن صعوبة ملاحقة الثروات في الخارج.

وبحسب تقرير أصدره الاتحاد الدولي للعدالة الجبائية بالشراكة مع شبكة العدالة الجبائية في نوفمبر الماضي، تفقد تونس إيرادات ضريبية تصل إلى نحو 413 مليون دولار كل عام وهي تشكل واحدا في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتتوزع الخسائر على تهرب ضريبي في حدود 374 مليون دولار، وتهريب ثروة إلى خارج البلاد تقارب نحو 38 مليون دولار سنويا.

413

مليون دولار تفقدها تونس في شكل عوائد ضريبية سنويا بسبب قصور نظامها الجبائي

وتشير بعض التقديرات إلى أن ثروات التونسيين في الخارج، والتي تتنوع بين عقارات واستثمارات وأموال في البنوك، تصل إلى نحو 2.2 مليار دولار، ما يمثل 5.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي مارس 2019 كشفت الحكومة التونسية أن حجم التهرب الضريبي بلغ حوالي 8.3 مليار دولار منذ العام 2011، وهي مستويات تنسجم مع تقديرات الخبراء.

وقدر الخبراء المعدل الحقيقي للضرائب خلال العام الذي سبق ظهور الجائحة بنحو 35.5 في المئة مما يجعله الأعلى في أفريقيا، ويتجاوز المعدل المسجل من قبل البلدان الـ36 الأعضاء بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

ويتحمل هذا الوضع قرابة 750 ألفا من دافعي الضرائب، منهم 450 ألفا ينضوون تحت مظلة النظام التقديري ومساهمتهم الضريبية تبدو محدودة حيث لا تتخطى 10.4 مليون دولار دون احتساب الأطراف التي لا تقوم بالتصريح.

في المقابل يدفع الموظفون المقدر عددهم بنحو 1.6 مليون فرد وحدهم نحو 2.26 مليار دولار كل عام لتغذية خزينة الدولة وذلك وفق بيانات تعود إلى عام 2019.

وترى الأوساط الاقتصادية التونسية أنه من الضروري اليوم تبسيط التدابير المتعلقة بالتصريح على الضريبة باستعمال الإنترنت للابتعاد عن التعامل المباشر مع الإدارة والتوجه نحو الرقمنة للحد من ممارسات الفساد وتكريس الشفافية.

'