جبهة دولية لوقف معرقلي تشكيل سلطة موحدة في ليبيا – مصدر24

جبهة دولية لوقف معرقلي تشكيل سلطة موحدة في ليبيا

اعتبر مراقبون دعوة فايز السراج لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على الإعداد لإجراء انتخابات بنهاية 2021 تشكل مناورة معرقلة للحوار الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة، يسعى من خلالها إلى تحقيق مكاسب سياسية، كون التأخر في إفراز سلطة مؤقتة يعني استمراره في منصبه كرئيس للمجلس الرئاسي، وبالتالي إعادة ترتيب أوراقه وإطالة أمد أي تسوية.

طرابلس – تشهد ليبيا زخما سياسيا جديدا لمحاولة إنقاذ الحوار السياسي، وتدارك حالة الانسداد التي وصل إليها المشهد في البلاد، في حين تبحث أطراف أخرى عن بدائل تبدو واقعية لتجاوز هذا التعثر، مما جعل قوى دولية لديها مصلحة في نزع فتيل الأزمة إلى تهديد كلّ من يعطل مسار التسوية المتفق عليه والذي ترعاه الأمم المتحدة.

وبينما عرضت اللجنة الاستشارية المكونة من 18 عضوا والمنبثقة عن ملتقى الحوار في تونس الاثنين آليات اختيار سلطة تنفيذية موحدة ومؤقتة، التي تم الاتفاق عليها خلال اجتماع جنيف الأسبوع الماضي، لا يزال يدور الحديث حول ما يقوم به رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج لإعاقة تلك الجهود بطرح بدائل يرى أنها منقذة للوضع.

تمسك بمخرجات الحوار

بحسب ما أعلنت المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني وليامز السبت الماضي، فإن إقرار آلية اختيار سلطة موحدة ومؤقتة لن يتطلب سوى موافقة 63 في المئة من الأعضاء الـ75، بعدما كانت النسبة 75 في المئة، وحتى في حالة عدم الموافقة عليه يتم عرضه مرة ثانية للتصويت ولن يحتاج سوى نسبة 50 في المئة + 1.

والمقترح التوافقي للجنة الاستشارية يتضمن اختيار كل إقليم مرشحه بنسبة 70 في المئة على الأقل، فإن تعذر ذلك يتم اللجوء إلى خيار القوائم المكونة من 4 أشخاص لكل قائمة، مع تحديد المنصب الذي يترشح إليه سواء في رئاسة المجلس الرئاسي أو عضويته أو رئاسة الحكومة.

محمود عبدالعزيز: السراج لا تزال لديه آمال بأن يظل رئيسا للمجلس الرئاسي

ويشترط في القائمة المترشحة أن تحظى بتزكية 17 عضوا (8 من الغرب، 6 من الشرق، 3 من الجنوب)، وقد لا يتيح هذا الشرط سوى لقائمتين بالترشح، بالنظر إلى انتخابات سابقة. وتم تخفيض نسبة العتبة الانتخابية من 75 إلى 60 في المئة من الأصوات لفوز أي قائمة بالجولة الأولى.

وإن لم تحصل أي من القوائم على هذه النسبة، تتنافس في جولة ثانية القائمتان صاحبتا النسب الأعلى على أن تفوز منهما من تحصد 50 في المئة+1 من الأصوات. والشرط الأخير لم يكن متاحا في ما سبق، مما جعل عملية اختيار سلطة تنفيذية موحدة مهمة مستحيلة في ظل التنوع والاختلاف بين الأعضاء الـ75 للملتقى.

ويزاوج مقترح اللجنة الاستشارية بين المقترحين الثاني والثالث، اللذين نالا أعلى الأصوات في تصويت سابق، فالمقترح الثاني الذي طرحه أنصار التيار المدني، يدعو إلى أن يتم انتخاب رئيسي المجلس الرئاسي والحكومة على مستوى أعضاء الملتقى، أما المقترح الثالث الذي طرحه التيار المؤيد لعقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق، فيصر على أن يتم الانتخاب على مستوى كل إقليم.

وإذ تم التوافق مسبقا على أن يعود منصب رئيس المجلس الرئاسي للمنطقة الشرقية، بينما تتولى شخصية من المنطقة الغربية رئاسة الحكومة، فمن شأن موافقة ملتقى الحوار على هذا المقترح إنهاء هذا الانسداد وتسريع عملية اختيار رئيس المجلس الرئاسي ونائبيه ورئيس الحكومة ونائبيه.

وتتمسك البعثة الأممية بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها في الـ24 من ديسمبر 2021، لكن الوقت يمضي بسرعة دون التمكن من تشكيل سلطة تنفيذية موحدة، وأيضا توحيد البرلمان والاتفاق على قاعدة دستورية تجري على أساسها الانتخابات.

ويتنافس على رئاسة المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة تحالفان رئيسيان، الأول يمثله عقيلة صالح ووزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا. أما التحالف الثاني فيضم أسماء جديدة لم تتول مناصب سياسية بعد 2011، مدعومة من قوى التيار المدني، وتتمثل في عبدالجواد العبيدي شرق البلاد ورجل الأعمال عبدالعميد الدبيبة من مصراته. لكن لم يتمكن أي من التحالفين من الحصول على نسبة 75 في المئة من أصوات أعضاء ملتقى الحوار، رغم أن تحالف العبيدي-دبيبة يتقدم على تحالف عقيلة-باشاغا من حيث الأصوات.

مناورة السراج

نظرا لتعثر الحوار السياسي أكثر من مرة، يتحرك رئيس المجلس الرئاسي السراج في مسار مواز للحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة، بعد مناقشته مع عدد من أعضاء مجلس النواب الأربعاء الماضي، لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على الإعداد لإجراء الانتخابات.

وهذه الخطوة اعتبرتها قوى دولية مثل فرنسا معرقلة، فدعوة السراج تطرح تساؤلات حول توقيتها والهدف الحقيقي من ورائها، وإمكانية اعتبارها تعطيلا لجهود البعثة الأممية التي ترعى الحوار الليبي، بهدف البقاء في السلطة.

وللمضي قدما في تنفيذ أجندته لتشكيل حكومة وحدة وطنية، شكل السراج فريق عمل يتولى مهام التواصل بين مجلسي النواب في طبرق وطرابلس والمجلس الرئاسي. ويقول مراقبون سياسيون إن هذا التحرك يوافق هوى السراج بالبقاء على رأس المجلس الرئاسي.

لكن المشكلة التي تواجه دعوة السراج تكمن في مدى قدرته على إقناع التيارات وأطراف الصراع الأخرى بتبني المقترح وتجسيده على الأرض، خاصة في ظل عدم وجود أي مؤشرات على تبني البعثة الأممية لهذا الخيار.

وزعمت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية في ديسمبر الماضي، أن السراج عرض على قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، عبر رسالة نقلها وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، ترشيح رئيس الحكومة، لكن سرعان ما فند الناطق باسم المجلس الرئاسي هذا الخبر في تغريدة.

غير أن السراج يعلم جيدا أن تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يكون إلا بموافقة حفتر، الذي يسيطر على المنطقتين الشرقية والجنوبية، ودون هذه الموافقة لا يمكنه قيادة المرحلة الانتخابية التي تنتهي بانتخابات عامة.

ويعتقد محللون سياسيون بينهم عضو المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي) محمود عبدالعزيز، أن السراج “لديه آمال بأن يكون رئيس المجلس الرئاسي، وهو ما دفعه للذهاب إلى إيطاليا”.

ففي الثامن من يناير الجاري، التقى السراج رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي في روما، وبعد أربعة أيام طار نائبه أحمد معيتيق، الذي أعلن رغبته في رئاسة الحكومة المقبلة إلى إيطاليا أيضا، حيث استقبله وزيرا الخارجية لويجي دي مايو والداخلية لوتشانا لامورجيزي.

وتحاول إيطاليا العودة للعب دور الوسيط في ليبيا، خاصة بعد إطلاق حفتر سراح صيادين صقليين في ديسمبر الماضي، وإعادة روما “الروابط” معه بعد انقطاع دام أشهرا.

وعيّنت روما لأول مرة مبعوثا خاصا لها إلى ليبيا، وتولى هذا المنصب السفير باسكوالي فيرارا، بالتزامن مع تعيين الاتحاد الأوروبي الإيطالية نتالينا تشيا، رئيسة لبعثته لدى ليبيا، لتخلف مواطنها فينتشينزو تاليافيري، الذي شغل المنصب منذ سبتمبر 2016.

اهتمام أوروبي بالتسوية

من شأن الموافقة على تولي شخصية من الشرق المجلس الرئاسي وأخرى من الغرب رئاسة الحكومة إنهاء الانسداد السياسي

لكن الاتحاد الأوروبي ورغم إبدائه اهتماما متزايدا بالوضع في ليبيا، إلا أنه أظهر تريثا واضحا في التعامل مع طلب وجهه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للمفوضية الأوروبية لتأمين “مراقبين وإمكانيات مادية وعملية لبعثة مراقبة وقف إطلاق النار المزمع إرسالها لليبيا”.

وفي هذا الخصوص، قال المتحدث باسم الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية جوزيب بوريل، أن بروكسل “أخذت علما بطلبات الهيئة الأممية”، منوها بوجود “نقاشات أوروبية – أممية للمزيد من المعلومات”.

ولا يزال الوضع في المنطقة الفاصلة بين الجيش الليبي وميليشيات حفتر بين محافظتي سرت والجفرة (وسط)، ورغم الهدوء النسبي الذي يسوده، يلفه الغموض بسبب حشود الطرفين بالمنطقة.

وهدد حفتر الشهر الماضي، بالعودة مجددا إلى الحرب، فيما تتهم ميليشيات المنطقة الغربية الجيش الوطني الليبي بحفر المزيد من الخنادق بالمنطقة، وعرض فيديو مؤخرا لما قال إنها ثلاث طائرات حربية يقودها مرتزقة شركة فاغنر الروسية، واعتبر ذلك خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار.

كما أن الجفرة شهدت مظاهرات صاخبة ضد ميليشيات حفتر عقب مقتل مواطن ليبي على يد مرتزقة أفارقة، وطالبوا بطرد المرتزقة الأجانب من مدنهم. ويضاف إلى ذلك، مطالبة قبائل الجنوب الشرقي الممتد من مدينة أجدابيا شرقا إلى سرت غربا ومدينة الكفرة جنوبا، بإقليم رابع تحت اسم “برقة البيضاء”، إلى جانب الأقاليم الثلاثة الأخرى طرابلس فزان وبرقة (الحمراء).

وهذا الوضع الضبابي في المنطقة يدفع الاتحاد الأوروبي إلى التريث في إرسال مراقبين دوليين إلى خطوط التماس في ليبيا، رغم أن بوريل كان أكثر المتحمسين لهذه الفكرة، لمنح الأوروبيين ثقلا على الأرض ينافس الدور التركي والروسي في ليبيا.

وفي هذا الصدد، بحث نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، مع السفير التركي في موسكو محمد صامصار، تطورات الأوضاع في ليبيا. كما أعلنت الخارجية الروسية الجمعة الماضي، استقبال بوغدانوف ممثلين لما أسمته حركة “سيف الإسلام القذافي”، وهما مفتاح الورفلي وعمر أبواشريدة.

وتعكس هذه الخطوة، بداية تفعيل مخطط ترشيح سيف الإسلام القذافي لرئاسيات ديسمبر المقبل، خاصة وأن ممثلين عنه يشاركون في ملتقى الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة.

في المقابل، وافق مجلس الأمن الدولي على تعيين السلوفاكي يان كوبيتش، مبعوثا أمميا جديدا إلى ليبيا بعد اعتذار البلغاري نيكولاي ميلادينوف عن قيادة البعثة الأممية متذرعا بأسباب قال إنها “عائلية”، بعد موافقة مجلس الأمن على اسمه في 15 ديسمبر الماضي.

ومن شأن هذا الزخم السياسي، أن يمنح الحوار الليبي دفعة جديدة، خاصة بعد الرحيل المرتقب للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن البيت الأبيض الأربعاء، وتحقيق المصالحة الخليجية، التي قد تنعكس إيجابا على الوضع في ليبيا.

لكن أي تعثر جديد في إنجاح الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، قد يفسح المجال لمبادرات جديدة ليس بالضرورة أن تكون محل توافق الجميع.

'