جمود الإصلاح يغذي مخاوف عودة شلل الاقتصاد السوداني – مصدر24

جمود الإصلاح يغذي مخاوف عودة شلل الاقتصاد السوداني

الخرطوم – تزايدت أعراض ركود الاقتصاد السوداني مع استمرار الضبابية التي تلف المشهد السياسي لاعتماد خارطة طريق للخروج من الأزمة المالية الخانقة، في ظل تعطل معظم أنشطة الأعمال وتأثر الناس بالتكاليف المعيشية المرتفعة.

ويرى الكثير من الخبراء أن البلد يتجه مرة أخرى نحو الانهيار المالي في ظل الوضع السياسي المتقلب منذ أكتوبر الماضي حيث تشير بيانات البنك المركزي إلى أن الصادرات هوت بأكثر من 85 في المئة في يناير 2022، فيما تتراجع قيمة العملة في السوق السوداء.

ويخشى المتابعون تواصلَ شلل المؤسسات الاقتصادية وارتباك تطبيق بنود الموازنة التي تتعالى المطالب كل يوم بضرورة تعديلها للاستجابة للتحديات الجديدة.

وبعد انقطاع الدول عن تقديم مساعدات بمليارات الدولارات لجأت الخرطوم إلى رفع الأسعار والضرائب على كل شيء، من الرعاية الصحية حتى غاز الطهي، لكن الزيادات تثير حنق المواطنين الذين يواجهون بالفعل صعوبات في تلبية احتياجاتهم اليومية.

جبريل إبراهيم: لن يتم اللجوء إلى طباعة النقود لمواجهة الأزمة المالية

وتحاول الخرطوم طي مرحلة الارتباك في إدارة السياسات النقدية التي رافقت الوضع العام بالبلاد طيلة الأشهر الماضية بإدارة جديدة للبنك المركزي حيث تم تعيين حسين جنقول محافظا جديدا الأسبوع الماضي خلفا لبدرالدين عبدالرحيم.

والأزمة الاقتصادية الممتدة منذ سنوات طويلة بالبلاد هي إرث لعقود من الحرب والعزلة والعقوبات الأميركية وكانت بوادر انحسارها قد بدأت تظهر بعد الإطاحة بحكم عمر البشير في 2019.

لكنها عادت الآن أشد حدة لتشكل خطرا جديدا على الأوضاع الاجتماعية في البلاد بالتزامن مع مواجهة السودانيين موجة جديدة من العنف والاضطرابات ومستويات متصاعدة من الجوع.

ولم يقم القادة العسكريون، الذين عزلوا حكومة عبدالله حمدوك التي قامت بتنفيذ حزمة إصلاحات مؤلمة وعملت على استقدام مساعدات خارجية وتخفيف الديون، حتى الآن بتعيين رئيس جديد للوزراء في حين تستمر الاحتجاجات منذ أشهر.

وفي أحدث جهود من جانب القيادة السودانية الحالية لحشد ما يتيسر من الدعم الدولي، سافر محمد حمدان دقلو، نائب رئيس المجلس الحاكم وقائد قوات الدعم السريع، إلى موسكو الأسبوع الماضي برفقة وزير المالية جبريل إبراهيم.

ولم تفض الزيارة إلى أية نتائج تذكر ولم يتم الإعلان عن اتفاقات كبرى إدراكا من موسكو أنه ليس بمقدورها فعل شيء للخرطوم الآن مع بوادر فرض عقوبات غربية عليها في ذلك الوقت والتي دخلت حيز التنفيذ الاثنين الماضي.

وذكر مسؤول سوداني كبير، لم تذكر رويترز هويته، أن الحكومة لا تلمح في الأفق أي بوادر على حزم إنقاذ من الخارج، لكن إبراهيم قال إن “السودان سيعتمد على موارده الذاتية في موازنة هذا العام”.

وبحسب وثيقة الموازنة فإن السودان يخطط لزيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 145 في المئة وزيادة الإيرادات من بيع السلع والخدمات بنسبة 140 في المئة.

ويؤكد تجار أن من بين الإجراءات الرامية إلى تحقيق ذلك فرض زيادة بمقدار 4 أو 5 أمثال على الرسوم السنوية لترخيص الأعمال التجارية. وقالوا إن “الشركات اعتادت على عدم دفع الضرائب وبالتالي سيكون من الصعب فرض زيادات عليها”.

وقال صاحب شركة في وسط الخرطوم، لم تذكر رويترز هويته، “أصلا العمل التجاري شبه متوقف في الأشهر الماضية بسبب الأوضاع في البلد”. وأضاف “هذه أعباء إضافية في ظروف صعبة جدا وهذا أسوأ وضع منذ بدأت التجارة منذ عشرين عاما”.

ومن المتوقع أن ترتفع الإيرادات وحجم الإنفاق بأكثر من الثلث مع تسجيل عجز قدره 363 مليار جنيه (820 مليون دولار).

كيف تتأقلم على العيش في ظل هذه الظروف الصعبة
كيف تتأقلم على العيش في ظل هذه الظروف الصعبة

ورغم أن الحكومة صادقت على الموازنة قبل فترة وجيزة فإن مسؤولا كبيرا في وزارة المالية قال إنها “غير واقعية ولا يمكن تطبيقها”.

ويقول محللون إنه لن يكون من الممكن دفع الرواتب وتغطية النفقات الأخرى دون اللجوء إلى طباعة المزيد من النقود، وهو ما سيؤدي بشكل أو بآخر إلى ارتفاع معدلات التضخم، لكن إبراهيم نفى الأسبوع الماضي اللجوء إلى ذلك.

وأدى تعطل نشاط ميناء بورتسودان قبل عدة أسابيع، إثر وضع المتظاهرين حواجز على طول الطريق التجاري مع مصر، إلى الحد من صادرات السلع مثل بذور السمسم والفول السوداني والقطن والصمغ العربي والتي تشكل مصدرا للدولارات التي تشتد الحاجة إليها.

وبحسب بيانات المركزي، صدّر السودان في يناير الماضي ما قيمته 43.5 مليون دولار فقط من السلع، بانخفاض حاد عما قيمته 293 مليون دولار في ديسمبر 2021، رغم أن هذا الشهر هو ذروة موسم الصادرات الزراعية.

وبعد تخفيض قيمة الجنيه قبل عام نتيجة التعويم، استقر سعر الصرف عند 450 جنيها للدولار. لكن في الأسابيع الأخيرة أطلت السوق السوداء برأسها مجددا إذ جرى تداول العملة المحلية عند 530 مقابل الدولار هذا الأسبوع، مقارنة بالسعر الرسمي وقدره 443.5.

وتظهر نتائج مزاد الدولار أن المركزي يعمل على بيع كميات أقل من الدولار، مما يشير إلى استنفاد الاحتياطيات.

ورغم انحسار التضخم بشكل طفيف يظل من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم عند 260 في المئة بنهاية يناير الماضي بعدما كان عند 336 في المئة بنهاية 2021.

وبعد تنفيذ إصلاحات في نظام الدعم ارتفعت أسعار البنزين والكهرباء مقتفية أثر الأسواق العالمية، وكذلك رسوم إصدار الأوراق الحكومية وغاز الطهي المدعوم.

أحدث المؤشرات

● 530 جنيها سعر صرف الدولار بعدما كان عند 450 جنيها مع بدء تحرير أسعار الصرف
● 260 في المئة معدل التضخم في يناير نزولا من 339.5 في المئة بنهاية العام الماضي
● 43.5 مليون دولار صادرات يناير 2022 قياسا بنحو 293 مليونا في ديسمبر 2021

وقال علي شاكر، مدير أحد أكبر المستشفيات العامة، إن “تكلفة استقبال المرضى في مرافق الرعاية الصحية الحكومية قفزت من 250 جنيها (0.56 دولار) إلى 4200 جنيها (9.4 دولار) بين عشية وضحاها الشهر الماضي”، لكن هذه الزيادة تم تعليقها لاحقا.

وأوضح أنهم كانوا يطلبون زيادة الموازنة وفوجئوا بأن السلطات تطلب منهم تحصيل أتعابهم من المواطنين “ونحن نعلم أصلا أنهم ليس لديهم موارد لإنفاقها”.

وقال المجلس الحاكم في السودان في بيان إنه “ستتم مراجعة الأسعار وإن الحكومة لا تعتبر الرعاية الصحية مصدرا للدخل”.

لكن ارتفاع التكاليف التي طالت أيضا أسعار المحروقات مؤخرا قد يؤجج الاستياء إزاء الصعاب الاقتصادية ذاتها التي أشعلت انتفاضة شعبية ضد البشير، بما في ذلك نقص الخبز المدعوم على نحو متزايد.

وتقدر جماعات الإغاثة أن 14.3 مليون، أو 30 في المئة من السكان، سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام وهو أعلى مستوى في العقد الماضي، وتشكل هذه النسبة زيادة بأكثر من 50 في المئة في غضون عامين.

وبسبب ارتفاع الأسعار يؤكد الكثير من المواطنين أنهم قلصوا مشترياتهم من المواد الغذائية، أو اضطروا إلى عدم تناول بعض الوجبات أو الاستغناء عن اللحوم ومنتجات الألبان.

وقالت امرأة تدعى آمنة عن الفترة التي عاشتها البلاد طيلة الأشهر الخمسة الماضية إن “المعيشة أصبحت صعبة أكثر فرغيف الخبز الصغير يبيعونه لنا بثلاثين جنيها (0.07 دولار) ونحن لا نملك المال”.

وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن ما يصل إلى 9.8 مليون شخص قد يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي في 2022 بزيادة بنحو الثلث عن العام الماضي نتيجة ارتفاع الأسعار فضلا عن مشاكل الحصاد والصراع في بعض المناطق.

'