حريق يلتهم مورد رزق الصوماليين في سوق واهين – مصدر24

حريق يلتهم مورد رزق الصوماليين في سوق واهين

غاروي (الصومال) – قبل ثلاثة أسابيع كانت أمينة محمود سيدة أعمال ناجحة تدير محلا لبيع اللحوم ومتجرا مزدهرا للأدوات المنزلية في سوق واهين، المركز التجاري لأرض الصومال.

وكانت تجارتها جيدة، حيث كانت المرأة البالغة من العمر 41 عاما تكسب أكثر من 2700 دولار شهريا، وهو ما يكفي لتربية سبعة أطفال بمفردها وكسب احترام مجتمعها على مدار عقدين.

لكنها تقف اليوم تحت شمس الظهيرة بالقرب من أنقاض متجرها القديم المدمر، حيث تحاول بيع عدد قليل من الموز والملفوف على طاولة خشبية. ولا تجني ما يضاهي دخلها القديم من بيع اللحوم والأجهزة المنزلية.

وقالت أمينة من وسط هرجيسا “بدأت حياتي من الصفر لأن النيران أخذت مني كل شيء”. وتابعت التاجرة التي دُمّرت ممتلكاتها التي تبلغ قيمتها عشرة آلاف دولار “أنا المعيلة الوحيدة. وأبيع ما تبقى لدي اليوم.. لم يكن بإمكاني الجلوس وانتظار الصدقات”.

حريق سوق واهين أدى إلى تدمير شبه كامل لاقتصاد أرض الصومال وزاد من معدلات البطالة التي كانت بالفعل الأعلى في المنطقة

وتُرك الآلاف من أصحاب الأعمال في هذه المنطقة الانفصالية من الصومال مفلسين بعد اندلاع حريق هائل في سوق واهين مترامي الأطراف، حيث دُمّرت مئات من المتاجر والأكشاك والمطاعم عشية شهر رمضان.

ولا يزال سبب اندلاع الحريق في الأول من أبريل والذي استمر قرابة 12 ساعة قيد التحقيق. وتقول السلطات إن 27 شخصا أصيبوا وتضرر أو دمر نحو ألفي متجر صغير. وتقدّر الخسائر المالية بما يصل إلى ملياري دولار في ما يُعتبر ضربة هائلة للدولة التي تعتبر واحدة من أفقر البلدان في العالم. وقالت غرفة التجارة في أرض الصومال إن الخسائر شكلت ما بين 40 و50 في المئة من اقتصاد هرجيسا.

ويقول الاقتصاديون إن إحياء كل تلك الأرواح المحطمة لن يكون سهلا، مشيرين إلى أن أرض الصومال موجودة في منطقة ابتليت بالصراعات والصدمات المناخية دون أن يعترف بها معظم العالم.

وقالت أوغباد حاشي الاقتصادية بجامعة هرجيسا، إن “حريق سوق واهين أدى إلى تدمير شبه كامل لاقتصاد أرض الصومال. وزاد من معدلات البطالة التي كانت بالفعل الأعلى في المنطقة”.

وتابعت “نتيجة لتلك المأساة، زاد الطلب وأدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السوق المحلية. وجاء كل هذا في خضم الجفاف المدمر والتضخم الشديد الموجود في البلاد بالفعل”.

وتعتبر أرض الصومال التي يبلغ عدد سكانها 4.5 مليون نسمة مستقلة عن الصومال منذ 1991.

الحرائق أتت على كل شيء تقريبا

وتطل على ساحل أفريقيا الشمالي الشرقي ويحدّها خليج عدن. ولها رئيسها وبرلمانها وعملتها ومطارها الدولي، لكنها لم تلق اعترافا عالميا، مما يجعلها معزولة في التجارة والاستثمار وغير مؤهلة للحصول على أموال من كبار المقرضين الدوليين مثل البنك الدولي.

ولا تزال معظم المنطقة شبه القاحلة فقيرة ومتخلفة. ويعيش واحد من كل ثلاثة سكان في أرض الصومال على أقل من 1.90 دولار في اليوم، وهو ما يصفه البنك الدولي بالفقر المدقع.

لكن سوق واهين وفّر شريان حياة لآلاف من أصحاب الأكشاك وأصحاب المتاجر الذين عملوا في الموقع مترامي الأطراف، وجذب المشترين من جميع أنحاء العاصمة. وقد تأسس منذ أكثر من 30 عاما ويمتد على مساحة 5 كيلومترات مربعة، وكان أكبر سوق في أرض الصومال ورابع أكبر سوق في القرن الأفريقي.

السوق وفّر شريان حياة للآلاف من أصحاب الأكشاك الذين عملوا في الموقع مترامي الأطراف وجذب المشترين من جميع أنحاء العاصمة

وشمل المقاهي وأكشاك الفاكهة ومحلات الملابس، وحقق نجاحا في بلد فقير، مما أدى إلى إبقاء عدد لا يحصى من العائلات تتمتع بدخل مجز. ووفقا للأمم المتحدة، فقد وفر السوق دخلا لـ17 ألف تاجر وعامل، وتضرر حوالي 136 ألف شخص بشكل غير مباشر من الحريق.

وقال نائب الممثل الخاص للأمين العام والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في الصومال آدم عبدالمولى على تويتر بعد زيارة الأنقاض إن “رؤية الدمار الناجم عن حريق سوق واهين في هرجيسا كانت صعبة ومفجعة. ولا يمكن المبالغة في حجم الدمار وتأثيره على السكان والحياة الاقتصادية (..) لقد دمر المدينة”.

وحددت الحكومة ما يقرب من 12 مليون دولار لمساعدة أصحاب الأعمال الصغيرة وأطلقت نداء لجمع ملياري دولار لدعم 5 آلاف متجر عائلي. وسيمكّن ذلك المتضررين من مواصلة العمل أثناء إعادة بناء السوق.

وتعهدت الأمم المتحدة وبعض الدول مثل إثيوبيا وجيبوتي وكينيا وقطر وبريطانيا بتقديم الدعم. وكتب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على تويتر “أنا حزين لرؤية تداعيات الحريق في هرجيسا مع مثل هذا الدمار في السوق المفتوحة التي تعد قلب المدينة الاقتصادي وتؤثر على العديد من المتاجر الصغيرة والعائلية”.

كما أطلق بطل المسافات الطويلة البريطاني مو فرح المنحدر من أرض الصومال صفحة على موقع “غو فاند مي” الذي يتيح للأشخاص جمع الأموال لدعم قضيّة معيّنة. ونجح في جمع ما يقرب من 50 ألف جنيه إسترليني.

وقال فرح “نحتاج إلى إعالة صغار التجار، وكثير منهم من النساء اللاتي فقدن مصدر دخل”. لكن العديد من التجار لا يستطيعون الانتظار. وقال عدن عبدالله (47 عاما) عبر الهاتف من هرجيسا “كنت أمتلك متجرا لبيع اللحوم في سوق واهين. لكنه دمّر تماما بسبب الحريق. أنا أب لأحد عشر طفلا، فليس لدي الآن خيار سوى بيع اللحوم على جانب الطريق”.

'