حسن عبدالشافي مهندس إزالة ألغام يفوّضه السيسي لنسف منظومة الفساد – مصدر24

حسن عبدالشافي مهندس إزالة ألغام يفوّضه السيسي لنسف منظومة الفساد

عكس استدعاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الجنرال حسن عبدالشافي رئيس أركان المهندسين العسكريين، لرئاسة أعلى جهاز رقابي في البلاد، خطورة الحرب على الفساد، والتي سوف تأخذ طابعا خاصا بعدما أصبح هذا الملف أكبر معضلة يواجهها النظام للحفاظ على شعبيته.

لم تتوقف حرب الرئيس السيسي على الفساد منذ وصوله إلى الحكم قبل 6 سنوات، وفي كل مرة يستعين بقيادات عسكرية لها علاقة مباشرة بالرقابة، تدرجت في المناصب، وانخرطت في بواطن الأمور.

يبدو أن الدولة لم ترق لها فكرة أن يكون صائد الفاسدين سبق له العمل في الملف، ليبدأ من الصفر، لا أن يبني على ما مضى، باعتبار أن الفساد تمدد وصار يهدد التنمية والإصلاح وبناء دولة جديدة، وتسبب في تدني شعور الناس بالإنجازات.

سادت رغبة قوية لتغيير العقلية التي تُدار بها معركة الحرب على الفساد في البلاد، بحيث لا تكون قاصرة على ضبط الرشاوى والاختلاسات، لأن التحديات التي تواجه الدولة أكبر من مجرد رشوة مالية، فهناك تعطيل للتنمية وبيروقراطية متعمدة لتأجيج غضب الشارع وتربح غير شرعي في قطاعات عديدة.

الرقابة الشعبية

يحظى جهاز الرقابة الإدارية بشعبية عند المصريين لكثرة عمليات ضبط الفاسدين وبعضهم في مناصب حيوية، ولذلك كانت هناك حاجة ماسة لشخصية تحافظ على هذا المكتسب، وجرى تكليف جنرال محنك.

يختلف عبدالشافي، عن كثير من القيادات التي ترأست الحرب على الفساد المالي والإداري، من حيث أن عمله في إدارة المهندسين العسكريين جعله يكتسب خبرات ميدانية استثنائية، فطبيعة وظيفته مكّنته من التواصل المباشر مع المواطنين والمحافظين ورؤساء الأحياء والشركات القومية والأجهزة العليا بالدولة.

يدرك الرئيس المصري أنه لا تنمية دون مع محاربة للفساد، واختار عبدالشافي باعتبار أن لديه رؤية شاملة حول الملفين، فهو يعلم خفايا وكواليس التربح غير الشرعي، وانخرط في الكشف عن دهاليز الكثير من حالات التلاعب.

ويختص سلاح المهندسين في الجيش المصري بالإشراف على المشروعات التنموية الكبرى، مثل الطرق والكباري والأنفاق وإنشاء المصانع واستصلاح الأراضي وغيرها، منذ توسيع صلاحيات الجيش في النواحي الاقتصادية لتسريع التنمية وإنجاز المستهدف في أقرب وقت ممكن.

ضوء أخضر

حرب الرئيس السيسي على الفساد لم تتوقف منذ وصوله إلى الحكم قبل 6 سنوات، وفي كل مرة يستعين بقيادات عسكرية لها علاقة مباشرة بالرقابة، تدرجت في المناصب، وانخرطت في بواطن الأمور
حرب الرئيس السيسي على الفساد لم تتوقف منذ وصوله إلى الحكم قبل 6 سنوات، وفي كل مرة يستعين بقيادات عسكرية لها علاقة مباشرة بالرقابة، تدرجت في المناصب، وانخرطت في بواطن الأمور

 يصعب فصل اختيار عبدالشافي لمهمة اصطياد الفاسدين عن تذمر السيسي من بعض المسؤولين أصحاب الأيدي المرتعشة والصامتين على ارتكاب المخالفات الإدارية في ملفات كثيرة، لدرجة أنه طالب هؤلاء على الهواء مباشرة بتقديم استقالاتهم لو كانوا غير قادرين على تحمل المسؤولية.

جرى تعيين عبدالشافي رئيسا لهيئة الرقابة الإدارية بعد ساعات قليلة من المؤتمر العاصف الذي تحدث فيه السيسي عن الفساد وتشعب المخالفات الإدارية في المحافظات والأحياء، في إشارة توحي بأن الرجل حصل على الضوء الأخضر للضرب بيد من حديد على الكبير والصغير دون هوادة، أو اعتراف بالحصانة.

ما لفت انتباه كثيرين، أن عبدالشافي تم تصعيده منذ شهور قليلة ليرأس أركان إدارة المهندسين العسكريين، بعد أن كان ضمن قيادات الصف الثاني في الجيش، ما يكشف الستار عن وجود نية لتوسيع قاعدة الاعتماد على كوادر ليست من الصفوف الأولى، لشغل مناصب حيوية وتتولى الرقابة ووقف المحاباة والترضية.

وبغض النظر عن المبررات الخفية لتصعيد الرجل ليكون مكلفا بنسف منظومة الفساد، لكن هناك تفسيرات يمكن البناء عليها للوصول إلى السبب الأهم، وهو يرتبط بشخصية الجنرال، ومدى تقارب الكيمياء مع السيسي. فالمعيار ليس أنهما عسكريان فقط، لكن في كونهما متفاهمين في أهمية أن تصبح الدولة خالية من الفساد. الجنرال عبدالشافي من القيادات الهادئة والصارمة في آن واحد، وبخلاف ذلك، فهو مطلع، فعندما يتحدث في ملف بعينه تراه يتكلم بطريقة الطالب المتميز الذي يحفظ المنهج الدراسي عن ظهر قلب، فلا يحاور بناء على ما تدونه الأوراق أمامه، بل من ذاكرته الشخصية.

في أحد المؤتمرات، كان عبدالشافي يفنّد للرئيس السيسي عددا من المشروعات القومية التي لم يجر تنفيذها، والعمل جار فيها على مستوى الجمهورية، وتحدث لقرابة 50 دقيقة كاملة دون أن ينظر في الأوراق التي أمامه، والأغرب أنه كان يشرح كل مشروع بتفاصيله الدقيقة، من حيث الموقع والمساحة والمميزات، وكيف تم التنفيذ.

عندما قاطعه السيسي أكثر من مرة للاستفسار عن نقاط بعينها، كان يناقشه بالحجة والدليل، فإذا سأله عن مشروع ما في محافظة حدودية، يرد وكأنه يقيم في هذا المكان ويعي تفاصيله عن ظهر قلب، وإذا طلب منه تعريف الناس بمشروع آخر يتكلم باستفاضة ويستخدم لغة الأرقام.

ينشغل الرئيس السيسي بالأرقام، ويقيس مهارات وقدرات أي قيادة في الدولة بمدى إلمامها جيدا بكل الجوانب المرتبطة بطبيعة وظيفتها، ويمتعض بشدة إذا أخطأ المسؤول في رقم أو ارتبك في إجابة، ولا يمانع في إحراجه على الهواء.

ميزة الجنرال عبدالشافي، أنه ليس من نوعية المسؤولين الذين يستهويهم إرضاء الرئيس على طول الخط، ورغم أنه شخصية تتحدث طوال حياتها داخل الجيش بلغة منضبط، تحافظ على الهيراركية الوظيفية، لكنه في بعض المرات كان يُناقش السيسي في رؤيته قبل أن يبادر بالاستجابة العمياء.

عندما طلب السيسي ذات مرة من الفريق كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية بالجيش، وزير النقل حاليا، تنفيذ أحد المحاور المرورية بالقاهرة، بادر قائلا “أوامر يافندم”، فما كان من عبدالشافي إلا أن أبلغ الرئيس بأن المحور المطلوب إنشاؤه قد لا يكون ذا أهمية، لوجود بديل مناسب يقوم بالغرض ذاته، فرد عليه السيسي قائلا “أشكرك”.

وقف التجاوزات

البلاد قادمة على مرحلة سياسية جديدة، بعد عودة مجلس الشيوخ، وعقد انتخابات مجلس النواب في أكتوبر المقبل، وتقديم الحكومة لاستقالتها، وسوف تكون هناك حركة تعيين محافظين جدد، لذلك فإن الاختبار الأكبر من نوعه أمام الجنرال عبدالشافي، أن يتحرى بدقة عن المرشحين للمناصب الهامة القادمة

يمكن البناء على تلك النوعية من المواقف، بأن قائد الحرب على الفساد شخصية تثق في نفسها بدرجة كبيرة، ولا يخشى الدخول في جدل مقنع مع رئيس الدولة شخصيا، والأهم أنه يقول الحقيقة دون خوف أو رياء، فلا يُنافق قائده الأعلى، ولا يستجيب لتنفيذ شيء إلا لو كان مؤمنا بجدواه، ويجيد التركيز في أدق التفاصيل.

مشكلة بعض قيادات الدولة ودوائر الحكومة أنهم مجرد معاونين مهمتهم إرضاء الرئيس، وكثيرا ما قال “إن كنت مخطئا قوموني”. وبالتالي فهو يبحث عن شخصية لا تبلغه بما يريد أن يسمعه أو يرضيه فقط، بل تتحدث بواقعية ولديها شجاعة التحاور معه لتوصيل وجهة نظرها.

ما ينذر بمعركة محتدمة مع الفساد خلال الفترة المقبلة، أن الجنرال عبدالشافي شخصية شديدة الحسم، ويملك قناعة راسخة بأن كل ما يعطل مصالح الناس والدولة هو في النهاية فساد، ولا يهاب الدخول في مواجهة حاسمة مع الفاسدين مهما بلغت مناصبهم.

وغير متوقع أن يتبع جنرال بهذه الشخصية سياسة استئذان قبل ضبط شخصية فاسدة لديها نفوذ مالي أو اجتماعي أو سياسي، متهمة في قضية فساد، ويدرك أنه لم يأت للتغطية على التجاوزات بل جاء بتفويض مفتوح للحساب والعقاب، كما أن النظام تجاوز مرحلة الصمت على بعض الكبار، فمشاهد ضبط وزراء ومحافظين ورجال أعمال وقضاة تكفي لإقتناع الجميع بقرب احتدام المعركة.

الفارق بين عبدالشافي ومن سبقوه في المهمة، أنه ليس من قادة الإدارة من المكاتب، بل هو شخصية مكوكية يستهويها العمل على الأرض وسط ظروف بالغة الصعوبة، ويرتبط ذلك بكونه “ضابط مهندس”، تخرج في الكلية الفنية العسكرية عام 1986، وتدرج في جميع الرتب والوظائف حتى حصل على رتبة لواء أركان حرب مهندس.

من المنتظر أن يتغير العمل بجهاز الرقابة الإدارية ولا يمضي بنفس الوتيرة مع اعتلاء عبدالشافي رئاسة الهيئة. والرجل يفضّل أن يكون جميع العاملين معه بنفس الفكر. يكره التراخي وإضاعة الوقت، ويريد استثمار كل لحظة لتحقيق انتصار جديد.

وبحكم عمل الجهاز الرقابي، فإن الضباط قد يستغرقون وقتا طويلا لحسم القضايا وضبط المتورطين فيها، وهو ما كان يشكل معضلة كبرى أمام محاصرة الفساد والقضاء عليه في زمن قياسي، لكنه ليس من هواة الصبر على المخالفات، ما ينذر بإعادة هيكلة منظومة محاربة الفساد كليّا، لتتماشى مع تشعب التحديات.

يتقن عبدالشافي، منذ أن شغل وظيفة رئيس الشعبة الهندسية للجيش الثالث الميداني، ثم رئيسا لأركان إدارة المهندسين، ومديرا لإدارة المهندسين العسكريين، ورئيس أركان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، العمل في حقول الألغام وإزالتها وحسن التعامل مع الأجسام المتفجرة.

ولأن الجنرال الذي أصبح يخشاه كل الفاسدين في مصر، يُدرك أن مخاطر المهمة تتجاوز كونها حقول ألغام في طريق بناء الدولة، فخبراته تؤهله لوضع خطة محكمة لنسف هذه المنظومة من جذورها، فقد حصل على تقدير امتياز في كل المهام الموكلة إليه والدورات التدريبية والبعثات الخارجية التي شارك فيها.

عبدالشافي يختلف عن الكثير من القيادات التي ترأست الحرب على الفساد المالي والإداري. فطبيعة وظيفته مكّنته من التواصل المباشر مع المواطنين والأجهزة العليا في الدولة
عبدالشافي يختلف عن الكثير من القيادات التي ترأست الحرب على الفساد المالي والإداري. فطبيعة وظيفته مكّنته من التواصل المباشر مع المواطنين والأجهزة العليا في الدولة

ما يسهّل مهمة الرجل في تفكيك منظومة الفساد، أن مجلس النواب منح الجيش سلطات واسعة في الشأن السياسي، ووافق على وجود مستشارين عسكريين لكل محافظ (حاكم إقليم)، مهمتهم متابعة شؤون الناس ومطالبهم ومراقبة المشروعات والخدمات والأعمال الفنية والمالية والإدارية.

سوف يتعامل الجنرال عبدالشافي مع عقليات قيادية قريبة من شخصيته العسكرية، لاسيما في ملف الأحياء الذي يئن بالفساد والمحسوبية، وبجانب مساعدتهم له في كشف بواطن الأمور سيكون رقيبا على رجال الجيش أيضا، فالنظام نفسه لا يفرق بين الجنرالات والمدنيين في هذه المسألة، وسبق ووافق الرئيس على محاكمة عسكريين شغلوا مناصب مدنية بتهمة الرشوة.

إذا كان أكثر المواطنين العاديين، لم تكن لديهم معرفة مسبقة بهوية هذا الجنرال قبل رئاسته لأعلى جهاز رقابي، لكنهم بنوا عنه انطباعا إيجابيا منذ أن بدأ أول أيام عمله بالاجتماع مع رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق، اللواء شريف سيف الدين، للاكتساب من خبراته والتعرف على سير الأمور داخل الهيئة والوقوف على التحديات.

لم يعهد المصريون هذه الثقافة عند أغلب المسؤولين، بأن يكون هناك “تسليم وتسلم”، بين القيادة الجديدة والراحلة، ما يعكس شخصيته الرصينة ومحاولته تأسيس فكر جديد لدى الكوادر الإدارية للدولة، باعتباره رقيبا عليهم. فقد درج البعض على تغيير أفراد المنظومة القديمة مبكرا.

البلاد قادمة على مرحلة سياسية جديدة، بعد عودة مجلس الشيوخ، وعقد انتخابات مجلس النواب في أكتوبر المقبل، وتقديم الحكومة لاستقالتها، وسوف تكون هناك حركة تعيين محافظين جدد، لذلك فإن الاختبار الأكبر من نوعه أمام الجنرال عبدالشافي، أن يتحرى بدقة عن المرشحين للمناصب الهامة القادمة، كالوزراء والمحافظين، وإقصاء الضعفاء منهم مبكرا، باعتبار أن رأي هيئة الرقابة الإدارية حاسم في هذه المسألة.

بغض النظر عن حُسن نوايا الرجل، وحزمه واستعداده لخوض معارك ضارية للحفاظ على المال العام، فالتحدي الأبرز أمامه، أن يظهر استقلاليته عن الجيش، بأن يتحدث عن القصور في بعض مشروعاته إن وُجدت، لأنه أصبح أكثر انخراطا في الحياة المدنية، بحيث تقوى شوكة الجهاز الرقابي أمام كل المؤسسات، ويتم قطع الطريق على المناوئين قبل أن يصدروا تلميحات بأن الانتقائية عنوان الحرب على الفساد.

'