حماس تلوّح من جديد بورقة موسكو لمغازلة واشنطن – مصدر24

حماس تلوّح من جديد بورقة موسكو لمغازلة واشنطن

القاهرة – تختلف زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية إلى موسكو حاليا عن زيارته السابقة منذ نحو عامين، وزيارات أخرى قامت بها وفود تابعة للحركة؛ فهذه المرة تفرض الأجواء الإقليمية والدولية تعاملا جديدا، حيث يملك كل طرف أهدافا متباينة تصب في اتجاه الخلاف مع الولايات المتحدة و إسرائيل.

 

 

وتشير زيارة هنية إلى رغبة حماس في توظيف ورقة موسكو لمغازلة واشنطن، والإيحاء بأنها تملك خيارات بديلة إذا واصلت الإدارة الأميركية تجاهل الحركة وعدم التفاعل مع مطالبها في هذه المرحلة بشأن تسهيل التفاهمات مع إسرائيل حول بعض القضايا الشائكة، وفي مقدمتها ملف الأسرى، وتمكينها من توسيع هيمنتها على قطاع غزة إلى الضفة الغربية.

 

وتريد حماس من وراء الزيارة توصيل رسالة تفيد بأن زيادة انفتاحها على إيران يقود أيضا إلى انفتاح مواز على روسيا، ما يعقد مهمة الإدارة الأميركية في التعامل مع بعض قضايا المنطقة، والتي يمكن أن تتسرب من بين يديها إذا استمرت في تجاهل الحركة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تتقاطع مع العديد من الأزمات الإقليمية.

 

وقال المستشار الإعلامي لرئيس الحركة طاهر النونو في بيان السبت إن هنية وصل إلى موسكو في زيارة يعتزم خلالها لقاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وعدد من القادة والمسؤولين الروس، على رأس وفد يضم نائب رئيس الحركة صالح عاروري وعضويْ المكتب السياسي موسى أبومرزوق وماهر صلاح.

 

حماس تعتقد أن بإمكانها استغلال حاجة موسكو إلى مناكفة واشنطن على ضوء تصاعد العداء بسبب الأزمة الأوكرانية

وأكد بيان حماس أن الزيارة جاءت بدعوة من موسكو “وفي وقت شديد الأهمية على مستوى المنطقة والعالم، إذ سيجري بحث المستجدات الدولية والمتغيرات المتعلقة بالمنطقة وتأثيراتها على القضية الفلسطينية”، وهي كلمات تتضمن إشارة إلى أن حماس ليست حركة أيديولوجية، وإنما هي أقرب إلى المتحدث باسم الفلسطينيين جميعا.

وتبدو قواعد اللعبة بين حماس وموسكو مفهومة بوضوح لكل طرف، وأن التقارب السياسي بينهما لن يحمل تغييرا كبيرا في أسس التعامل مع القضية الفلسطينية، فليست هي المحدد المركزي الذي يلتقي عنده الطرفان، إذ كلاهما يضع إحدى عينيه على واشنطن والأخرى على تل أبيب ضمن لعبة توازنات قد يعاد تشكيلها في الفترة المقبلة.

وتعتقد حماس في أهمية استغلال حاجة روسيا إلى مناكفة الإدارة الأميركية على ضوء تصاعد العداء الذي سببته الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على مستويات عديدة، وتأكيد إمكانية مضايقة إسرائيل التي تسير علاقة روسيا معها على حبل يمكن أن ينقطع أو يظل على حاله من الشد والجذب، لكن من الصعب تمتينه في المرحلة القادمة مع اقتراب إسرائيل كثيرا إلى رؤية واشنطن في التعامل مع الأزمة الأوكرانية.

ويقرّ مراقبون بأنه كلما قام مسؤول حمساوي كبير بزيارة إلى موسكو تردد كلام يفيد بوجود دور روسي فاعل في القضية الفلسطينية، أو التمهيد لتحركات جديدة على مستوى تقريب المسافات بين الفصائل والحركات المتصارعة سياسيا، وفي كل مرة يؤول الأمر إلى عدم حدوث تغيير يؤدي إلى تطور نوعي في العلاقات بين الجانبين.

ويضيف المراقبون أن الفهم الحقيقي لزيارة هنية وتوقيتها يحوم حول زاوية العداء أو الخلاف بين كل منهما من جهة وبين الإدارة الأميركية وإسرائيل من جهة أخرى، ويدير كلاهما هذه الحالة من منطلق مختلف، ولن يصلا إلى المستوى الذي يؤدي إلى حديث متناغم عن علاقة بناءة يمكنها أن تغير الكثير من التفاصيل.

ويعتقد سياسيون في موسكو أن حماس مثلها مثل الكثير من الدول والجهات العربية الراغبة في تطوير العلاقات مع روسيا؛ كلما ضاقت بها السبل في علاقتها مع الولايات المتحدة توظّف التقارب مع موسكو لجلب بعض المكاسب من واشنطن أو حضها على تقديم تنازلات.

g

ويقود رهن العلاقة مع روسيا بطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة إلى تمهل الأولى كثيرا، فعدم الوثوق في الولاء التام لها أو حتى صمود التفاهمات تكرر عدة مرات، ما يحصر خطاب التقارب في إطار نظري وعدم تحويله إلى أجندة قابلة للتطبيق.

ولا يختلف الأمر كثيرا مع موسكو، فهي أيضا تسعى للتقارب مع بعض الأطراف العربية، ومن بينها حركة حماس، لتظهر للإدارة الأميركية أنها قادرة على مناطحتها في أماكن نفوذها التقليدية، وهي سياسة بدأت تتطور مؤخرا إلى تبني تصورات تخص تذويب جوانب من الفجوة بين روسيا ودوائر عربية تأكدت من أن واشنطن غير مستعدة للدفاع عن أمنها القومي، وهو ما كشفه التذبذب في التعامل مع إيران.

لم تفلح روسيا سابقا في إقناع حماس بأنها رقم مؤثر في المنطقة في الوقت الذي لم يصل فيه مستوى العداء بينها وبين الغرب إلى ما هو عليه حاليا

ومهما كانت البراغماتية التي تدير بها حماس توجهاتها نحو روسيا أو غيرها، فهي تضع نصب عينيها مكانتها في السلطة الفلسطينية فيما بعد مرحلة الرئيس محمود عباس (أبومازن) والجهات التي يمكن أن تساعدها لتصبح الرقم الأول والوحيد في هذه المعادلة القلقة، وهي الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض القوى العربية المؤثرة في القضية الفلسطينية.

ويظل تأثير روسيا محدودا مقارنة بهذه القوى التي تملك مفاتيح عديدة، فلن تدخل موسكو صراعا لأجل تنصيب حماس، وإذا استثمرت وزنها الإقليمي فقد تجلب للحركة متاعب سياسية وأمنية؛ لأن الولايات المتحدة أو إسرائيل كجهتين تملكان تأثيرا كبيرا لن تقبلا أن تصبح حماس ذراعا لإيران وروسيا في آن واحد.

وتحسم الانتهازية التي تدير بها حماس علاقاتها هذه المسألة، حيث تضع التحركات التكتيكية في إطارها الضيق المرتبط بالأجواء الراهنة في لعبة صراعات متشابكة في المنطقة، لأن المكون الإستراتيجي بين الحركة وموسكو لا يزال بعيدا ويحتاج إلى ما هو أكبر من زيارات رمزية وإشارات غزل تظهر على خطاب كل طرف.

ولم تفلح روسيا سابقا في إقناع حماس بأنها رقم مؤثر في المنطقة في الوقت الذي لم يصل فيه مستوى العداء بينها وبين الغرب إلى ما هو عليه حاليا؛ ما يعني أن استقطاب حماس -وهي لم تبرح رهانها على الولايات المتحدة، وفي وقت تخوض فيه الأخيرة حربا متعددة المستويات مع موسكو- عملية صعبة.

'