طيلة تلك الفترة قادت السلطات المحلية العديد من محاولات تسوية وضعية قاطني الحي، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة، وبحسب أحدث النداءات التي أطلقها الباحثين وأصدقاء القصبة، فإن الحالة لا تبشر بخير في ظل استمرار الإهمال، وتواجه الإجراءات المتخذة لحماية هذه الثروة التاريخية تحديات معقدة أبرزها مسألة الترميم بعد ترحيل السكان.

ومؤخرا رسمت مؤسسة حماية القصبة واقعا صعبا لوضعية الحي العتيق، يخص مصير السكان والجدران، وقال رئيس المؤسسة على مبطوش لـ”سكاي نيوز عربية ” أن وضع القصبة مقلق”، مشيرا إلى أنه على الجزائر أن تتخذ مسؤولياتها لإنقاذ ما تبقى من المراكز التاريخية والمباني بعدما أكدت الأمم المتحدة على أن عدد المنازل تراجع من أكثر من 1700 منزل بعد الاستقلال إلى حوالي 400 فقط.

فخر المحروسة في خطر

ويعود تاريخ بناء حي القصبة إلى عصر حاكمة صنهاجية (971-1152)، وهي تشكل جزء مهم من المدينة التي قام بتشييدها بلقين بن زيري في عام 960 على أنقاض المدينة الرومانية القديمة إيكوسيوم، وفي القرن السادس عشر حصن الحي بأسوار، ولا يزال المكان شاهدا على مرحلة مهمة من تاريخ الجزائر عمرها ثلاث قرون عندما كنت المحروسة تضم أقوى ميناء في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.

ولم يأت الاعتراف العالمي بالحي من فراغ، ففي أزقته تجتمع القصص والحكايات التي تجعل العابرين على هذا المكان يشعرون بالفخر الدائم رغم منظر الجدران الحزينة وملامح التصدع والانهيارات المتكررة بفعل الزمن والإهمال، ويرى الخبراء أن السلطات خصصت ميزانية ضخمة للترميم لكنها لم تقدم الكثير.

وتشير الدكتورة سميرة أمبوعزة، المتخصصة في علوم الآثار الصيانة والترميم‎ والأستاذة بجامعة تلمسان، إلى إن قضية ترميم القصبة هي مسؤولية الدولة أولا ومكاتب الدراسات ثانيا ووعي الشعب بالتنسيق مع منظمة اليونيسكو هذه الأخيرة التي تقدم ميزانية خاصة للدولة لترميم الآثار المسجلة في قائمة التراث العالمي، وتساءلت الباحثة الجزائري: “أين هي هذه الميزانية وفيما تصرف وهل فعلا تلك الفواتير حقيقية وعلى أي أساس يتم الترميم؟”.

وأكدت الدكتورة أمبوعزة لـ “سكاي نيوز عربية” أن ما يصرف على الترميمات لا يتحاوز 20% من الميزانية المخصصة، مشيرة إلى أن “مشكلة حي القصبة تكمن في اختيار مجموعة من المعماريين والمرممين لترميم المعلم لكن للأسف المرمم الفعلي هو عامل بسيط لا علاقة له بالترميم بل يقوم بتطبيق الأوامر الموجهة له وبالتالي سيكون هناك ترميم خاطئ بسبب غياب الوعي والخبرة”.

وأكدت الباحثة الجزائرية أن مشكلة الحي تتجاوز مسألة الترميم إلى مسألة الوعي العام بضرورة حماية هذا الموروث، حيث تحول مظهر البناء العشوائي ورمي القمامات المتنوعة وتراكمها في مكان واحد إلى مشهد اعتيادي يعيشه الحي، في وقت يخشى بعض السكان الخروج من القصبة للسماح لمكاتب الدراسات بالقيام بعلمه خوفاً من عدم توفير الدولة لسكنات محترمة بديلة لهم.

ميزانية ضخمة لم تحل الأزمة

وبلغة الأرقام فإن الدولة خصصت ميزانية قدرها 23.4 مليار سنتيم في صفقة حازت عليها ورشات المهندس المعماري الفرنسي، جون نوفال وقد انطلقت الأشغال في ديسمبر 2016، بمشاركة كفاءات جزائرية عن طريق 14 مكتب دراسات و17 مؤسسة، وتجنيد أكثر من 200 جامعي من بينهم مهندسون معماريون وتقنيون سامون، ويد عاملة 100 بالمائة جزائرية، ومشاركة 1200 عامل مؤهل.

كما عرضت تركيا على الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2014، تكفل السلطات التركية بترميم حي القصبة وقصور مثل قصر الداي” تعود كلها للعهد العثماني.

واشتغل عاشق القصبة على إنجاز ملف يوضح تفاصيل الوضعية بما يشمل التعداد السكاني وتحديد المباني المعرضة للخطر وإعادة التأهيل والترميم، وذلك من عام 1997 إلى 1999وهو أهم نشاط احصائي تم تنفيذه في القصبة منذ الاستقلال، وكشفت المراقبة الفنية التي تمت حتى الآن إلى أن هناك أكثر من 100 منزل مهدد بالهدم ومصنف في الخانة الحمراء.

الحمير الوسيلة الوحيدة لنقل القمامة من حي جزائري

ويؤكد الخبراء أن عمليات ترحيل السكان لم تتوقف منذ أن انطلقت عام 1985، ولكن الأمر عادة ما يصطدم بالورثة، الذين لم يغادروا المبنى، واستمروا في استخدام المسكان للسنوات عديدة حتى الانهيار شبه الكامل للمبنى، ومؤخرا أحصت الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء منذ 5 سنوات أكثر من 65 ألف بناية آيلة للسقوط في الجزائر العاصمة من بينها بنايات القصبة.

وخلال هذه السنة تسببت أمطار صيفية في انهيار مبنى خال من السكان متكون من طابق أرضي + 04 طوابق على مستوى 06 شارع رابح مرياح، وفي شتاء عام 2019 استفاق سكان حيّ القصبة السفلى قرب مسجد كتشاوة على صوت انهيار عمارة قديمة من أربعة طوابق ما أدى إلى وفاة خمسة أشخاص.

الحلول سهلة ولكن!