رحيل زكي يماني أحد صنّاع المنعطفات الحادّة في مسار البترول العربي – مصدر24

رحيل زكي يماني أحد صنّاع المنعطفات الحادّة في مسار البترول العربي

لندن- جاء الإعلان عن وفاة وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني، بمثابة إعلان عن رحيل آخر رمز لحقبة من التاريخ العربي المعاصر، مثّل فيها النفط مصدر قوّة ضاربة ليس في مجال الاقتصاد وحده، ولكن أيضا في مجال السياسة والدبلوماسية.

وأُعلن الثلاثاء، عن وفاة يماني في لندن عن عمر 91 سنة قضى منها قرابة ربع قرن عاملا في مجال النفط، ومساهما في صنع منعطفات حادّة شهدها التاريخ القصير لهذه السلعة الإستراتيجية المحرّكة لاقتصاد العالم ولسياساته، والمثيرة أيضا للكثير من حروبه وصراعاته.

كما كان يماني شاهدا على أحداث عاصفة في بلاده على رأسها اغتيال الملك فيصل بن عبدالعزيز سنة 1995، وهو الذي اختاره كشخصية مغمورة من خارج الأسرة الحاكمة ليشغل منصب وزير البترول. وفي وقت لاحق من العام نفسه تعرض يماني للخطف خلال اجتماع لمنظمة أوبك على يدي إيليتش راميريز سانشيز الملقب بكارلوس الثعلب.

تولى يماني منصب وزير النفط في 1962، وأصبح شخصية قيادية في تطوير منظمة أوبك التي تأسست في العام 1960

واشتهر يماني بكياسته وباللحية الصغيرة التي أصبحت سمة من سماته. وجعلت منه السنوات الأربع والعشرين التي أدار خلالها شؤون النفط في أكبر دول العالم إنتاجا، شخصية عالمية خلال الصدمتين النفطيتين، بما تسببتا فيه من تضخم خلال عقد السبعينات من القرن الماضي.

وانتهت تلك الحقبة بعزله المفاجئ في 1986 بعد محاولة باهظة الثمن لرفع أسعار النفط، في استراتيجية لم يكتب لها النجاح، وألقت بظلالها على السياسة النفطية السعودية حتى يومنا هذا.

وفي ديسمبر 1975 حضر يماني اجتماع أوبك منظمة البلدان المصدرة للبترول، الذي انتهى في فيينا بوابل من الرصاص أطلقه كارلوس الفنزويلي الجنسية وخمسة من أعوانه على السقف، ما أسفر عن سقوط ثلاثة قتلى من الموجودين في المكان.

وكان كارلوس قد استهدف يماني في إطار “مناصرة القضية الفلسطينية” باعتباره أثمن رهينة، وقال له أكثر من مرة إن الحكم قد صدر بإعدامه. واحتجز الوزراء لمدة يومين في غرفة ملغمة بالديناميت، قبل السماح للخاطفين بالسفر من النمسا على متن طائرة مع رهائنهم. ومضت 43 ساعة أخرى مروعة على متن الطائرة التي توجهت إلى الجزائر ثم إلى ليبيا قبل أن تعود إلى الجزائر، وخلق ذلك نوعا من الألفة بين المخطوفين والخاطفين.

فقد قال يماني لجيفري روبنسون كاتب سيرته “كان أمرا غريبا، لكن بدا الأمر ونحن جالسون معا نتحاور وكأننا قد أصبحنا أصدقاء.. أفاض في الحديث معي علما منه أني سأموت”. وتم التوصل إلى اتفاق في الجزائر، واختفى كارلوس إلى أن تم القبض عليه في العام 1994.

شاهد على عصر نفطي مختلف

● ولد أحمد زكي يماني سنة 1930

● عين وزيرا للنفط سنة 1962

● ساهم في فرض حظر نفطي على الغرب سنة 1973

● شهد اغتيال الملك فيصل سنة 1975

● اختطف على يد كارلوس في السنة نفسها

● أقيل من منصبه سنة 1986

وقبل ذلك بشهور كان يماني إلى جوار الملك فيصل في الرياض في استقبال وفد زائر، عندما أخرج أمير سعودي مسدسه وأطلق النار على الملك فأرداه قتيلا. وكانت حياة يماني العملية في ذلك الوقت استثنائية، باعتباره فردا من عامة الشعب في بلد يتبوّأ فيه أفراد الأسرة الحاكمة أهم المناصب القيادية في الدولة.

وولد يماني في 30 يونيو 1930 لأحد فقهاء الدين الإسلامي كان يعمل قاضيا في مكة، وكان من المتوقع أن يقتدي الابن بوالده وجده في سلك التعليم. وبعد دراسة القانون في القاهرة سافر إلى جامعتي نيويورك وهارفارد. وعندما عاد إلى السعودية أسس مكتبا للمحاماة، وتولى أعمالا حكومية، مما لفت انتباه الأمير فيصل إليه قبل أن يصبح ملكا.

وتولى يماني منصب وزير النفط في 1962، وأصبح شخصية قيادية في تطوير منظمة أوبك التي تأسست في العام 1960. واستطاع انتزاع صناعة النفط السعودية من قبضة الشركات الأميركية، في سلسلة من الخطوات التي أسفرت عن اتفاق على ملكية البلاد لشركة أرامكو السعودية في 1976. ولا تزال أرامكو واحدة من أغنى شركات العالم من حيث الأصول. وفي سنوات يماني الأولى في إدارة وزارة النفط، كانت نعرة القومية العربية في صعود، وكانت قوة النفط عنصرا رئيسيا في جوهرها.

وعندما قامت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 كانت الرياض مستعدة لاستعراض عضلاتها الاقتصادية. وأعلن يماني حظر إمدادات النفط للدول الصديقة لإسرائيل. لكن الحظر لم يكن مؤلما. فقد ساهمت في سد العجز ضخامة المخزونات في الغرب وزيادة الإمدادات من فنزويلا ومن إيران قبل قيام الثورة الإسلامية.

وفي 1973 دفعت الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة يماني إلى إعلان حظر نفطي آخر. وأفلح الحظر هذه المرة فارتفع سعر النفط لأربعة أمثاله لتتبلور بذلك سطوة منظمة أوبك، ودفع ذلك الدول الغربية إلى ركود اقتصادي وارتفاع شديد في التضخم، في ما أصبح يعرف باسم صدمة النفط الأولى. ولخص يماني تلك اللحظة التي أمسك فيها منتجو النفط بالزمام. فقد قال “حانت اللحظة. نحن سادة سلعتنا”.

وبانتهاء الحرب والحظر توصلت السعودية إلى وفاق مع الولايات المتحدة. وأصبح يماني بعدها من المعتدلين في ما يتعلق بالأسعار، ونصيرا للرأي القائل إن الأسعار المرتفعة ستدمر الطلب في نهاية الأمر، وتشجع الإنتاج من الاستكشافات الجديدة في مناطق مثل بحر الشمال.

وعندما أطلقت الثورة الإيرانية عام 1979 شرارة صدمة النفط الثانية في الغرب، رفع أغلب أعضاء أوبك أسعار النفط وأصدرت الرياض التي أصبحت تربطها بواشنطن صلة وثيقة قرار يماني بالإبقاء على الأسعار السعودية عند الأسعار الرسمية للتخفيف من معاناة المستوردين. وكان للاعتدال الجديد في الأسعار ثمنه الذي اضطر يماني لدفعه. فقد أفضت وفرة المعروض خلال الركود الذي أصاب الغرب في أوائل الثمانينات إلى تراجع الطلب على الوقود.

وطالب الملك فهد بن عبدالعزيز يماني بالعمل على حماية نصيب المملكة من سوق النفط ورفع الأسعار. وبدلا من ذلك خفض يماني الإنتاج السعودي إلى أدنى مستوياته في 20 عاما، ليصل إلى مليوني برميل فقط في اليوم في محاولة لرفع الأسعار.

ولم تكن الدول الأعضاء في أوبك على نفس الدرجة من الالتزام بالإنتاج، وتعرض يماني لانتقادات في الداخل حين زادت دول أخرى حصصها في السوق على حساب الرياض. ومع تزايد وفرة المعروض انهارت أسعار النفط لأقل من عشرة دولارات للبرميل.

يماني كان شاهدا على أحداث عاصفة في بلاده على رأسها اغتيال الملك فيصل بن عبدالعزيز سنة 1995

ودفع يماني الثمن بعد أن خالف أوامر الملك فهد وفشل في تحقيق المطلوب. وفي أكتوبر 1986 علم بعزله من منصبه من خلال التلفزيون السعودي، في ما بدا أنها خطوة لإحراجه.

انسحب يماني بعدها إلى حياته الخاصة، وأصبح رئيسا شرفيا لمؤسسة استشارية هي مركز دراسات الطاقة العالمي. وعند إطلاق المؤسسة في لندن في 1989 حين كان سعر النفط الخام لا يزال 20 دولارا للبرميل، تنبأ يماني بأن الأسعار ستتجاوز في يوم من الأيام 100 دولار للبرميل وهو ما حدث في الألفية الثالثة.

'