رسائل الشباب تحملها فرق “الأندرغراوند” لتغيير طريقة تفكير الناس – مصدر24

رسائل الشباب تحملها فرق “الأندرغراوند” لتغيير طريقة تفكير الناس

عرفت فرق “الأندرغراوند” انتشارا واسعا بين الشباب في السنوات الأخيرة خصوصا بعد الثورات العربية، وأدت إلى بروز فرق موسيقية تعزف في الشوارع ساعدتها على ذلك جرأة أغانيها حول السياسة والظلم وآمال وأحلام الشباب الذين يعبرون عن حماسهم بثقافة الأندرغراوند.

رام الله ـ بثت منصة “بويلر روم” الأكثر مشاهدة لموسيقى “الأندرغراوند” في العالم حفلا في صيف 2019 للمرة الأولى من الأراضي الفلسطينية، وكان العرض مفاجأة لغالبية المتابعين ليس فقط لأنه أعطى صورة مخالفة بأن الضفة الغربية منطقة محافظة وتعاني أزمات، بل لأن الحفل جمع موسيقيين شبابا من فصائل فلسطينية مختلفة.

وأصبح هذا الحفل في الضفة الغربية واحدا من أكثر عمليات البث شهرة في المنصة عام 2018، ونموذجا لما يحاول الشباب عبر موسيقى “الأندرغراوند” القيام به، فقد حاول هؤلاء بطريقتهم المساهمة في بناء جسر وإعادة توحيد المجتمعات التي تم فصلها جغرافيًا وثقافيًا على مدى عقود.

وقالت سما فنانة الـ”دي جيه” في الضفة الغربية وإحدى المشاركات في هذا الحفل “هناك جرح كبير بين المدن الفلسطينية منذ وقت طويل، لكننا جميعا نفس الأشخاص في النهاية، فنحن جميعًا فلسطينيون ولدينا جميعًا نفس الثقافة”.

وبثت المنصة الحفل كفيلم وثائقي بعنوان “فلسطين أندرغراوند” أبرز جانبا من رام الله لا يهتم به الكثيرون بمن فيهم الفلسطينيون أنفسهم، شوارع مزدحمة وعائلات تسرع عبر الطريق تحت أشعة الشمس بدلاً من حرائق الإطارات أو الاحتجاجات الجماهيرية، وتبدو رام الله مثل أي مدينة أخرى في جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط، فالمباني ليست متداعية، والناس يمارسون حياتهم الطبيعية اليومية، وهناك أشجار النخيل وأعلام كرة القدم تتدلى من الشرفات، فالمدينة لا تبدو في حالة اضطراب بل كقاعدة خصبة للإبداع.

نظرة عن قرب

منح “فلسطين أندرغراوند” نظرة عن قرب لحياة الشباب الفلسطينيين الذين يعيدون توحيد أقرانهم تحت راية جديدة قادمة هي الحق في الاحتفال.

وقالت المخرجة جيسيكا كيلي التي عملت على الفيلم “يفترض الكثيرون في الغرب أن الثقافة الفلسطينية محافظة جداً، وأن الرجال والنساء لا يختلطون ولا يشربون أو يتعاطون المخدرات، ولا يمكن أن يكونوا شاذين جنسيًا ولا يقضون معظم أوقاتهم في الحفلات”.

وأضافت “بالطبع القيم المحافظة هي المهيمنة إلى حد كبير في الضفة الغربية، لكن فيلمنا يظهر حقيقة أخرى مختلفة تمامًا عن هذه الصور النمطية”.

وفي الأراضي الفلسطينية كما في دول العالم العربي شهدت موسيقى وأغاني “الأندرغراوند” شعبية واسعة بين الشباب في السنوات الماضية، وتأخذ صورا متشابهة؛ فرقة بعدد صغير من الأفراد وسط جمهور من جيل الشباب الذين يعبرون عن حماسهم الذي يسيطر عليهم منذ فترة طويلة بثقافة “الأندرغراوند” واستخدامها كوسيلة للتعبير والاحتجاج.

خلق البدائل

 

أصوات متمردة
أصوات متمردة

 

بدأ مصطلح فنون “الأندرغراوند” يكتسب صيتًا في الستينات لارتباط الطرق تحت الأرض بحركات المقاومة وخلق البدائل، ومع ظهور الحركات الفنية الجديدة في الستينات كجزء من الثقافة البديلة التي كان يخلقها الشباب في ذلك الوقت بدأت الفرق الموسيقية تتشكل في الغرب لتقدم فنونها في الشوارع الخلفية ومحطات مترو الأنفاق وتولد ثقافة بديلة للتيار السائد.

وقديما كانت هذه الفرق تستخدم الشوارع لعرض فنها، فيجلس أعضاؤها في ‏الميادين والشوارع الحيوية بآلاتهم الموسيقية ويقومون بالعزف والغناء ‏ويتفاعل معهم المارة، وذلك قبل ظهور الإنترنت واستغلالها في طرح أعمالهم ‏الفنية.‏ وغالبًا ما تشتبك أغنياتهم مع وقائع الحياة اليومية ومشكلاتها وقضاياها.

وفي نهاية التسعينات ظهرت فرق موسيقية جديدة صنعت نفسها بجهد أفرادها سعيًا لتقديم الأغنيات التي يتمنونها دون قيود الرقابة على المصنفات المفروضة على الألبومات المُسجّلة، أو قيود الإنتاج عبر الشركات التي تضع ضوابط واختيارات معينة لإنتاج الألبومات الموسيقية. وخلقت هذه الفرق مشهدا جديدا أُطلق عليه “موسيقى الأندرغراوند”.

واستعادت الفرق المستقلة في مصر الأشرطة المسجلة يدويا في جلسات تيار اليسار القديمة التي كان يغني فيها الشيخ إمام لتعيد تقديم موسيقاها لشرائح جديدة من الشباب الذين جرى تغييب أغنيات سيد درويش غير العاطفية وأغاني الشيخ إمام عنهم عمدًا بقرارات من يتحكمون في المشهد الإعلامي.

فيلم “فلسطين أندرغراوند” نظرة عن قرب لحياة الشباب الفلسطينيين الذين يعيدون توحيد أنفسهم تحت راية الحق في الاحتفال

واتسق هذا مع تقديم الفرق الموسيقية البديلة لأغنيات تتناول أمورًا سياسية واجتماعية لم يكن معتادًا الحديث عنها. لكنها لم تكن منتشرة إلا ضمن نطاق محدود بسبب القيود الأمنية على الأنشطة التي تجمع الشباب.

وعرفت فرق “الأندرغراوند” انتشارا واسعا بعد ثورة 25 يناير 2011 وأدت إلى بروز فرق موسيقية تعزف في الشوارع ساعدتها على ذلك جرأة أغانيها حول السياسة والظلم وآمال وأحلام الشباب الذين صنعوا الثورة.

وفي ذات الوقت أصبحت تلك الفرق مصدر إزعاج للسياسيين بسبب حماسة نصوصها التي تلهب مشاعر الشباب وتعطيهم الأمل في الحفاظ على الثورة، خصوصا في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين.

ويرى العديد من الشباب أن فرق “الأندرغراوند” تحاول أن توصل للناس مبادئ تجعل حياتهم أفضل مثل الحرية والعدالة والأمن ونبذ العنف وثقافة الحوار، وهي دفعة للمجتمع للرقي عبر الموسيقى والأغاني. ويعتبرونها فنا بديلا هادفا ومختلفا عن الفن التقليدي يحمل الرسالة التي يؤمن بها الشباب لتغيير طريقة تفكير الناس لأن التأثير فيهم عبر الفن يعتبر أسهل طريقة، وهو السبب في ارتفاع شعبية “الأندرغراوند” لدى الناس بعد الثورة.

ومن الفرق التي خلقت نوعاً جديداً من الموسيقى المعبرة عن حال الشارع المصري والواقع الذي يعيش فيه فرقة “عمدان النور” (أعمدة الإضاءة) التي ضمت سبعة أعضاء متفرغين تماماً للغناء.

ونشأت “عمدان النور” عام 2011 نتيجة اندماج خمس فرق بقيادة الفنان يحيى نديم الذي ألّف معظم أغانيها وعلى رأسها أغنية “عمدان النور” التي استمدت منها الفرقة اسمها بعد ذلك.

وكان نديم قد أسس الفرقة في البداية تحت اسم “جازاجا” وهي كلمة مرادفة لأعمدة الإضاءة لكن باللهجة الصعيدية في محافظة المنيا (جنوب مصر). وسبب التسمية بحسب نديم “أن عمدان النور اسم سهل ومعبر عن الحالة، فأصبح هو الاسم الجديد”.

التفكير بشكل مختلف

 

شباب يتمرد على النمط التقليدي
شباب يتمرد على النمط التقليدي

 

وكان أعضاء الفرقة يغنون في الميدان واشتهروا كثيراً، فقد كانوا يتجولون وسط الشوارع ولم يعتمدوا على المنصات التي كانت تقام في ميدان التحرير، وكانوا من أولى الفرق التي غنت أثناء ذروة الأحداث التي عاشتها الثورة على مدى 18 يوماً.

واعتبر نديم أن “رسالة الفرقة هي تنوير الناس والتفكير بشكل مختلف. فكل أغنية لها هدف ومضمون. وتركز الفرقة أكثر على الكلمة ثم اللحن والكلام السلس حتى يفهمه الناس”. أما بالنسبة إلى الألحان، فيرى مدير الفرقة أنها لا بد أن تكون قريبة من وجدان الجمهور المصري بشكل قائم على الموروث الفني وليس الاقتباس. وأوضح “نحن مزيج من الشرقي والغربي ونخاطب الشباب الذي يسمع الروك والجاز، وفي نفس الوقت نغني للمصريين ويمكن سماع أغانينا في أي مكان”.

وتلاشت مساحة الحرية التي حصلت عليها “عمدان النور” بعد الثورة بقدر كبير بعد وصول جماعة الإخوان إلى الحكم.

فرق “الأندرغراوند” تحاول نشر مبادئ الحرية والعدالة والأمن وثقافة الحوار وهي دفعة للمجتمع للرقي عبر الموسيقى والأغاني

ويتبنى البعض وجهة نظر أخرى بشأن الهدف والرسالة، ويقولون إنه لا يوجد في مصر فرق “أندرغراوند” وإنما هو مصطلح تم إطلاقه واتبعه الناس، لكن توجد فرق مستقلة وموسيقى مستقلة، بعضهم ركب الموجة السائدة بعد الثورات للخروج إلى نطاق الشهرة ويتقاضون أجورا في الحفلات ويشاركون في حفلات كبيرة.

وأصبح هذا النوع من الموسيقى إحدى وسائل الشهرة بين الشباب الساعي للتمرد على النمط التقليدي الذي يبحث عن كل ما هو جديد، لكن ذلك لا ينفي وجود موسيقيين مؤمنين بمشروعهم ويسعون لإحداث فارق.

واستطاعت الفنانة المصرية أمينة خليل في أول ظهور لها كمغنية مع مطرب الراب زاب ثروت في أغنية “نور” تسليط الضوء على دور المرأة في المجتمع وقدرتها على المشاركة في جميع القطاعات. وتم طرح الأغنية لدعم حملة “تاء مربوطة” بهدف دعم وتمكين المرأة المصرية.

ومن خلال أغان أخرى تناقش شابات قضايا مهمة مثل التحرش والتمييز الجنسي وحق المرأة في التعليم والعمل باستخدام طرق مختلفة منها الحكي والراب والغناء الشعبي.

وتقول رانيا العدوي مؤسسة فرقة “تابو” في أغنية “الحرملك”، “من قلب الاستبداد، جاية آخد حقي وأرفض قانون الظلم للرجل الشرقي”، وتناقش مشكلة سيطرة الرجل الشرقي على المرأة والظلم والإهانة. وتطرقت العدوي مع فرقتها إلى مواضيع أخرى مثل مشكلة الغارمات والمطلقات والتحرش.

كسر التابوهات

 

الثورة على الكثير من التابوهات والمسلمات المجتمعية في عالمنا العربي
نمط موسيقي ثائر على الكثير من التابوهات والمسلمات المجتمعية في العالم العربي

 

بدورها عبرت فرقة “بنت المصاروة ” التي تضم إسراء صالح ومارينا سمير وميام محمود عن صوت البنات اللاتي يتعرضن للاضطهاد والتمييز لصالح الشبان، فيتحكم فيها أهلها لمجرد أنها بنت ويمنعونها حتى من الكلام، بحسب كلمات الأغنية “فهمونا زمان إن إحنا بنات صوتنا مكتوم جوانا تساؤلات، ممنوع الكلام ممنوع السلام، فهمونا إن الجهل أمان، علمونا نبطل كلام، صوت المرأة عورة فلازم السكات، ممنوع كلام ممنوع سلام”.

ويبدو هذا النوع من الموسيقى أكثر تماشيا مع الأوضاع العامة حاليا في العالم العربي إذ يدعو إلى الثورة على الكثير من التابوهات والمسلمات المجتمعية في عالمنا العربي، ففرق مثل “مشروع ليلى” اللبنانية مكونة من سبعة أشخاص يناقشون مواضيع حساسة في المجتمع مثل العلاقات الجنسية قبل الزواج والعلاقات المثلية والزواج المختلط والطائفية أيضا. وتتميز الفرقة بأغانيها الشبابية التي تحتوي خلطة من موسيقى “الروك” ولكن باللغة العربية.

وفرقة فلسطينية أخرى بعنوان “كالتشر شوك (صدمة ثقافية)” أزاحت الطريق لواحدة من أعضائها لتكون “المغنية الرئيسية” في الفرقة على غير المعتاد في إشارة إلى “صدمة” من نوع آخر في مجتمع شرقي يضع “الذكر” في المرتبة الأولى. وتتكون الفرقة من 6 أعضاء جاؤوا من خلفيات مختلفة ويجمعهم عامل واحد هو حبهم لهذا النوع من الموسيقى. وتتناول أغاني الفرقة القضايا والهموم المجتمعية اليومية للشعب الفلسطيني.

ونظيرتها الأخرى “فرقة دام” تناقش مواضيع شائكة في المجتمع الفلسطيني كان آخر أعمالها أغنية عن جرائم الشرف في المجتمع الفلسطيني بعنوان “لو أرجع بالزمان”.

ورغم انتشار هذه الفرق والشعبية التي باتت تحظى بها وخصوصا في دول الربيع العربي مثل مصر، فإن تيارا مضادا لها ومتشددا على الخصوص بات ينشر الدعوات إلى مقاطعة حفلاتها العامة مدعيا بأن حفلات “الروك” و”الميتال” ليست إلا واجهة لعبادة الشيطان. لكن رغم القيود تبقى موسيقى “الأندرغراوند” ظاهرة موسيقية شبابية للجمهور الحق في قبولها أو رفضها كما يحبون.

'