رفع سن التقاعد وخفض الدعم.. جرعة أوكسجين لاقتصاد تونس المأزوم – مصدر24

رفع سن التقاعد وخفض الدعم.. جرعة أوكسجين لاقتصاد تونس المأزوم

رفع سن التقاعد وخفض الدعم.. جرعة أوكسجين لاقتصاد تونس المأزوم

خبراء يشككون من جدوى الإجراءات الجديدة التي اعتمدتها حكومة يوسف الشاهد، فإما أن تجنح تونس إلى الخيارات الشعبوية الرومانسية، وإما أن تصطف وراء الحلول المطروحة.

رغم التقدم الكبير، الذي حققته تونس على الصعيد الديمقراطي، منذ ثورة يناير 2011 ورحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، عجزت الحكومات المتعاقبة عن تلبية الاحتياجات الاجتماعية للسكان، ووجدت نفسها عالقة في فخ ضغوط تضخمية، فشلت في التغلب عليها ما أجبر الحكومة الحالية التي يقودها يوسف الشاهد على اتخاذ إجراءات كرفع سن التقاعد أو تخفيض الدعم عساها تكون جرعة أوكسجين لاقتصاد تونسي مأزوم.

تونس- توّج الاقتصاد التونسي، في “المنتدى الاقتصادي العالمي”، الذي انعقد في يونيو 2007، باختياره الاقتصاد الأعلى تنافسية في القارة الأفريقية، متقدما بذلك على جنوب أفريقيا، وحل في المركز 29 من بين اقتصاديات العالم، والرابع عربيا. كما احتل مرتبة متقدمة على العديد من الدول العربية، منها البحرين، وعُمان، والأردن، وتجاوز بعض الدول الأوروبية، كاليونان، وإيطاليا، والبرتغال.
لكن بعد ثماني سنوات من الثورة تغيّر الوضع تماما، حيث وصف الرئيسي التونسي الباجي قائد السبسي الوضع الاقتصادي في بلاده بـ”الخطير”، محملا مسؤولية ذلك لـ”الأداء الحكومي”، في خطاب ألقاه في قصر قرطاج، بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لاستقلال تونس عن فرنسا.
وعدّد قائد السبسي مؤشرات اقتصادية، اعتبرها دلالة واضحة على ذلك: “نسبة التضخم بلغت 7.3 بالمئة عام 2018، بعد أن كانت 4.4 بالمئة عام 2010″، أما نسبة الدين الخارجي، فقال إن المؤشر “كان عند 40 بالمئة عام 2010، قبل أن يقفز إلى 71.3 بالمئة عام 2018″.
وأشار إلى أن إنتاج الفوسفات انخفض من 8 ملايين طن عام 2010، إلى 3 ملايين طن العام الماضي، فيما تراجعت نسبة تغطية إنتاج النفط لاحتياجات البلاد، من 92 إلى 42 بالمئة، بين العامين المذكورين. ووجه الرئيس التونسي اللوم إلى حملات احتجاجية، انتظمت تحت شعار “وينو البترول” (أين البترول)، أدت إلى “عدم تعامل الشركات الكبرى في مجال التنقيب مع البلاد”.
الباجي قائد السبسي: الوضع الاقتصادي في تونس خطير والحكومة تتحمل مسؤولية ذلك
ومعلوم أن أحزابا سياسية ونشطاء أطلقوا حملة “وينو البترول”، في مايو 2015، طالبوا على إثرها الحكومة بكشف كل المعطيات المتعلقة بالنفط في تونس، على خلفية تقارير رقابية، أشارت إلى وجود شبهات فساد في القطاع.
وفي إحصاء جديد، تراجعت تونس عربيا، على مستوى الأجر الأدنى المضمون، نتيجة استمرار تهاوي سعر الدينار إزاء اليورو والدولار، والذي تجاوز نسبة 25 بالمئة سنويا. وباعتماد الدولار مرجعا في احتساب الأجور، تأتي تونس مع مصر في ذيل القائمة، حسب تقرير صدر مؤخرا.
ويقدر الحد الأدنى للأجور في مصر بـ115 دولارا، مقابل 180 دولارا في الجزائر، و300 دولار في العراق، و310 دولارات في الأردن، و325 دولارا في المغرب، و340 دولارا في ليبيا، و400 دولار في فلسطين، و450 دولارا في لبنان.
في المقابل، فإن الأجر الأدنى في تونس لا يتجاوز 123 دولارا شهريا. وحذر خبراء اقتصاد، ووزراء مالية سابقون، من العواقب التي تهدد بنية الاقتصاد التونسي المأزوم، جراء انخفاض حاد في احتياطي العملة الأجنبية، الذي تراجع إلى مستويات وصفت بالحرجة. في حين تبدي الحكومة استعدادها لمزيد من التداين الخارجي، لتعويض النقص.
وكانت بيانات للبنك المركزي التونسي قد كشفت مؤخرا أن احتياطي العملة الصعبة لا يفي سوى بـ81 يوما من التوريد، بينما كان الرصيد يغطي 101 يوم على الأقل، في الفترة نفسها من العام الماضي، الأمر الذي فسره خبراء اقتصاد، بتراجع الصادرات التونسية، خاصة في قطاع الطاقة، مقابل ارتفاع في الواردات.
وتشهد صادرات بعض منتجات المناجم، مثل الفوسفات، تراجعا قياسيا عقب سبع سنوات من الثورة، جراء استمرار الاحتجاجات والإضرابات التي تعطل آلية الإنتاج، في منطقة الحوض المنجمي بالجنوب التونسي.
والحال نفسه في قطاع النفط، حيث شهدت البلاد، العام الماضي، احتجاجات عطلت الإنتاج، ويبلغ معدل الإنتاج اليومي للنفط حاليا 45 ألف برميل، لا يكفي إلا لتغطية نصف حاجة تونس، التي اضطرت العام الماضي لتخصيص أربعة مليارات دولار لتغطية وارداتها.
واتخذ البنك المركزي التونسي، إجراءات وصفت بأنها تحفظية، لوقف إقراض الموردين لتمويل عدد من السلع الاستهلاكية، لم تجد نفعا للحد من تفاقم العجز التجاري، ولم تكبح انهيار المخزون الاحتياطي للعملة، أو توقف تدهور قيمة الدينار، مقابل العملات الأجنبية.
ويرجع خبراء أسباب أزمة الدينار التونسي، إلى السياسة التي انتهجتها الحكومة التونسية “بصمت” لتعويم الدينار، استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، الممول الرئيسي للدولة التونسية، تاركة قاعدة العرض والطلب تتحكم في السوق، ليأخذ الدينار قيمته الحقيقية أمام الدولار واليورو.
ولم يستبعد وزير المالية الأسبق، حسين الديماسي، أن يزداد الوضع قتامة، مع تدهور مدخرات البلاد من العملة الصعبة، بسبب تراجع قيمة الصادرات، والارتفاع المهول في استيراد المحروقات والسلع الاستهلاكية.
ويشير الديماسي، إلى أن تراجع عائدات القطاع السياحي، وتحويلات المغتربين، وانخفاض الاستثمارات الخارجية، عوامل كان لها كبير الأثر في تراجع الاحتياطي وانخفاض قيمة الدينار، وارتفاع نسبة التضخم، وتدهور المقدرة الشرائية. إضافة إلى المصاعب المتعلقة بسداد الديون.
حسين الديماسي: الوضع يزداد قتامة، مع تدهور مدخرات البلاد من العملة الصعبة
في مواجهة ذلك، أكد وزير المالية التونسي، رضا شلغوم، أمام البرلمان، أن تونس ستعمل على تعبئة تحويلات المغتربين، ودفع مقومات جذب الاستثمار الأجنبي، وتنمية عائدات السياحة، وتحقيق الأمن. لكنه أقر أن الحكومة ستكون مضطرة للاقتراض من الخارج لتسديد ديونها، وتمويل توريد المواد الأولية الأساسية. علما أن الاقتراض الخارجي ارتفع بنسبة 65 بالمئة بعد الثورة.
وتسعى الحكومة إلى اقتراض 10 مليارات دولار لتمويل الميزانية الجديدة، أكثر من نصفها سيأتي من ديون خارجية، وكان البرلمان قد صادق مؤخرا على قرض بقيمة مليار دولار من السوق المالية الدولية.
نظرة إلى الخلف
بعد الاستقلال، كان الهم الشاغل للحكومة التونسية تحرير الاقتصاد من مخلفات الاستعمار الفرنسي، الذي تركزت سياسته الاقتصادية على تشجيع الفلاحة، واستغلال المناجم، مهملا الصناعة. ورغبة منها في تأكيد سيطرتها على القطاعات الأساسية، أسست حكومة الاستقلال الشركة الوطنية للسكك الحديدية، عام 1956، وأممت القطاع المصرفي، وشركات الكهرباء والغاز والماء، وتبعتها بتأميم شركة النقل، وساهمت بنسبة 50 بالمئة في رأس مال شركة الطيران التونسي “تونيزاير”، وأسست الشركة التونسية للملاحة.
لم يكن هذا يعكس أي نزعة اشتراكية، بل كان حرصا منها على تعزيز سيطرة الدولة وهيبتها، متبعة سياسية ليبرالية، ومشجعة الاستثمار والتجارة الخارجية. فيما بعد، أدى التأثير المتنامي للاتحاد العام التونسي للشغل، بقيادة أمينه العام “أحمد بن صالح”، إلى اتخاذ الاقتصاد التونسي منحى اشتراكيا، حيث شرعت تونس، بداية من عام 1961، في اتباع سياسة جديدة تعزز سيطرة الدولة على مختلف قطاعات الاقتصاد.
وتميزت السياسة الاقتصادية في قرارين، الأول: تأسيس وزارة التخطيط والمالية و”اعتماد مخطط تنموي عشري (1962 – 1972)”، أساسه التقرير الصادر عن مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل، وكانت أهدافه تتمثل في تونسة الاقتصاد.
القرار الثاني: إعلان مجلس النواب، في مايو 1964، تأميم المزارع التي كانت على ملك الأجانب، من الفرنسيين والإيطاليين، حيث تم ملكيتها من قبل الدولة التونسية. فسارعت فرنسا إلى وقف المعونات الاقتصادية، لتدخل تونس في أزمة اقتصادية حادة. ويشير المسح إلى أن نسبة الأراضي الجماعية “التعاضديات”، عام 1969، بلغ 90 بالمئة من مجمل الأراضي الزراعية.
انتهت المغامرة الاشتراكية التونسية رسميا عام 1969، عندما أقال الرئيس التونسي السابق “الحبيب بورقيبة”، أحمد بن صالح من منصبه، إثر تقرير صادر عن البنك الدولي، يبرز حجم العجز المالي للمؤسسات الوطنية التونسية. ورغم ذلك استمرت التعاضديات إلى أواخر عام 1970، ولم تتجه تونس عمليا إلى اقتصاد السوق، وإعادة الملكية الفردية، إلا بعد تعيين “الهادي نويرة”، المحافظ السابق للبنك المركزي التونسي، وزيرا للاقتصاد، ثم رئيسا للوزراء. وبداية من عام 1970 شهد القطاع الخاص في تونس نموا مطردا، خاصة في الصناعات التحويلية.
تونس ترضخ لصندوق النقد
محمد الطرابلسي: الصناديق الاجتماعية تعيش ضغوطا في مستوى توازناتها المالية
في صيف 1986، عانى التونسيون من وطأة أزمة اقتصادية حادة، وفي ذلك التاريخ بالذات، تمت إقالة “محمد مزالي” من الوزارة الأولى، ومما كان يعاب عليه، قلة الدراية بالمسائل الاقتصادية والمالية، وإغراقه في “الرومانسية”، وتم تعويضه بـ”رشيد صفر” الذي سبق له شغل منصب وزير المالية، ووزارة الاقتصاد.
وفي رسالة مفتوحة إلى الرئيس بورقيبة، خصّص محمد مزالي بعض الفصول لتفنيد ما قيل بعد تنحيته ومغادرته البلاد، معاتبا، بالخصوص، خلفه رشيد صفر، يروي فيها كيف قبلت تونس شروط صندوق النقد الدولي لأول مرة في تاريخها.
لعل المأخذ الرئيس، الذي يمكن توجيهه للحكومات المؤقتة، التي تعاقبت بعد الثورة، هو تكريسها نفس التوجهات الاقتصادية للنظام السابق، ولجوئها المبالغ فيه، وغير المبرر، حسب خبراء، إلى التداين الخارجي “القذر”، المخصص للاستهلاك ودفع الديون القديمة، وليس الاستثمار.
كما يعاب على أغلب مكونات الطبقة السياسية، عجزها عن مصارحة الشعب بحقيقة الموقف، وخطورة الوضع الاقتصادي، وعجزها أمام ضغوطات الأطراف الخارجية.
حظيت تونس بالإشادة، بما حققته من تقدم ديمقراطي منذ عام 2011، لكن الحكومات المتعاقبة فشلت في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، وأخذ عليها التباطؤ في تطبيق إصلاحات، قد تكون مؤلمة، لتقليص العجز وتحفيز النمو.
واضطرت الحكومة التونسية، إلى توقيع اتفاق مع اتحاد الشغل، لزيادة أجور الموظفين العموميين، يوقف بموجبه الأخير إضرابات واحتجاجات كان قد نظمها ودعا إليها.
وجاء تعليق وزير الشؤون الاجتماعية، محمد الطرابلسي على الاتفاق قائلا “كل شيء له كلفة، وكلفة السلم الاجتماعي والتناسق الوطني في هذه المرحلة الانتقالية لا تقدر بثمن”.
“هناك 620 ألف عائلة في تونس (..) دخلها غير كاف لتلبية حاجيات الأسرة”. وتطمح تونس إلى تخفيض نسبة الفقر بالبلاد، من 15 بالمئة حاليا، إلى 7 أو 8 بالمئة بحلول عام 2030.
من جانبه، أكد رئيس الحكومة التونسية الحالية “يوسف الشاهد” أن الحكومة لم تختر الخيار الأسهل، في ما يتعلق بمفاوضات الزيادة في أجور الوظيفة العمومية.
وفي كلمة مقتضبة، قال إن الزيادات في أجور الوظيفة العمومية، يجب أن تكون في حدود لا تضر بالمالية العمومية، ويسمح بها الاقتصاد التونسي، وأن عدم مراعاة التوازنات المالية، سيؤدي إلى توجه الحكومة للاقتراض، أو سن معاليم جبائية إضافية. انفض الإضراب، وتم اتفاق بين اتحاد الشغل والحكومة على زيادة الأجور، فماذا حصل بعد ذلك؟
الدواء المر
مروان العباسي: انزلاق الدينار عمّق مستوى العجز في قطاع الطاقة بالأساس
سارعت الحكومة، بعد زيادة الأجور، إلى تطبيق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بهدف خفض العجز المالي، ومن بينها أساسا التحكم في كتلة الأجور، وخفض الدعم، وإصلاح الصناديق الاجتماعية التي تعاني من عجز مالي متفاقم.
ويعاني قطاع الخدمات في تونس من أزمة حادة، خاصة في مجال الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، أكرهت الحكومة على تبني قرارات مؤلمة، كان أولها مصادقة البرلمان على قانون رفع سن التقاعد الإجباري إلى 62 عاما، وهو قانون طرح عام 2015، لكن شابته الخلافات، وسيبدأ سريانه مع مطلع عام 2020.
وفي تبريره القانون الجديد، قال محمد الطرابلسي “تواجه الصناديق ضغوطا منذ سنوات، في مستوى توازناتها المالية، ما انعكس بدوره على الخدمات التي تسديها للمتقاعدين، وسيسمح القانون بمنح جرعة أوكسجين للصناديق، والتفكير بأريحية خارج الضغوطات”.
وتم رفع سن التقاعد سنتين بصفة إجبارية، وبعد ذلك بصفة اختيارية، لسنة أو سنتين أو ثلاث، إلى حين بلوغ الخامسة والستين. ويفرض القانون ضريبة أمان اجتماعي، نسبتها واحد بالمئة على الموظفين، واثنان بالمئة على أصحاب العمل. وتنسحب الإجراءات على أصحاب العمل. وكان رئيس الحكومة قد نبه، في وقت سابق، إلى أن الدولة مطالبة بدفع مئة مليون دينار تونسي لتغطية عجز الصناديق الاجتماعية شهريا.
الإجراء الثاني، كان زيادة في أسعار المحروقات، بنسبة 4 بالمئة، وهي الزيادة الخامسة منذ بداية عام 2018. وأكد الشاهد أن “الحكومة لم تتخذ القرار عن طيب خاطر، وتعديل الأسعار ليس مرتبطا فقط بسعر البرميل، ولكن بسعر العملة أيضا، نحن نمر بفترة صعبة، اضطررنا لهذا القرار لأن ليس لنا موارد كثيرة”.
وتتضمن ميزانية 2019 دعما يفوق 2 مليار دولار لقطاع المحروقات، وتقول الحكومة إن العجز في الطاقة بلغ ثلث العجز التجاري في عام 2018، والذي وصل إلى 19 مليار دينار (6 مليارات دولار) تقريبا.
وندد اتحاد الشغل في بيان له بالزيادات، معتبرا أنها إجراء “غير شعبي”، وقال إن الاتحاد “يندد بهذه الزيادة، التي تضاف إلى الأجراء اللاشعبي الآخر، المتمثل في زيادة أسعار الفائدة”.
وكانت تونس قد رفعت، في فبراير الماضي، نسبة الفائدة الرئيسية، كإجراء للحد من استنزاف احتياطي العملة الصعبة، ونسبة التضخم العالية، وردا على مؤشرات اقتصادية “خطيرة” حسب وصف محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، الذي قال “لو لم يتخذ البنك الإجراءات هذه السنة، والتي قبلها، لسجل احتياطي العملة تراجعا كبيرا”.
وتعاني تونس من عجز تجاري وصل إلى 11.2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. وأوضح العباسي أن انزلاق العملة عمّق مستوى العجز في قطاع الطاقة بالأساس، لاسيما مع تراجع عائدات الفوسفات.
وواجه إجراء زيادة أسعار المحروقات رفضا من قبل منظمات أخرى، حيث أعرب “الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة” عن رفضه للزيادة، محذرا من “تداعيات خطيرة على تنافسية وديمومة المؤسسات والقطاع الصناعي، وسط تجاهل لما يكابده أصحاب المؤسسات من مصاعب وارتفاع كبير في الكلفة”.
كما دعا الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري السلطات إلى “اتخاذ إجراءات عملية فعالة للحد من تداعيات هذه الزيادة على قدرات الفلاحين وإمكانياتهم”. وتطالب جهات مالية، محلية ودولية، تونس بإرساء نظام مالي لمحاصرة السيولة المتداولة في السوق الموازية، باعتبارها الخطوة الأولى في أي برنامج إصلاحي.
عجزت الحكومات المتعاقبة عن تلبية الاحتياجات الاجتماعية للسكانعجزت الحكومات المتعاقبة عن تلبية الاحتياجات الاجتماعية للسكان
وحذر خبراء اقتصاديون من أن الجنوب التونسي تحول إلى بنك مركزي موازي، يتحاشى الجميع التحدث عنه بوضوح. ويقدر البعض حجم الأموال هناك بنحو ثلاثة أضعاف احتياطي البنك المركزي.
ويمثل إنشاء مكاتب صرافة، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، خطوة أولى نحو تجرع “العلاج المر” الذي يطالب به صندوق النقد الدولي، لتحرير أسعار الصرف، الأمر الذي نفته كل من الحكومة التونسية والبنك المركزي مرارا.
ويشكك خبراء في تونس من جدوى هذه الإجراءات، مؤكدين أن مكاتب الصرافة لن تعمل على الحد من تجارة العملة في السوق السوداء. وهناك خشية من أن يساهم ذلك في تراجع قيمة الدينار لمستويات قياسية، أمام العملات الأجنبية، وتزايدت التحذيرات من الانعكاسات الخطيرة لهذا التراجع.
ورغم الجدل الذي أثارته الإجراءات الجديدة، ورغم الاحتجاجات، والتهديد بالإضراب، تبدو القرارات “دواء لا بد من تجرعه مهما بلغت مرارته”. للخروج من المأزق، لا بد من شد الأحزمة، فإما أن تجنح تونس إلى الخيارات الشعبوية الرومانسية، وإما أن تصطف وراء الحلول المطروحة وتدعمها.
الشاهد، أكد أن المؤشرات الاقتصادية ستتحسن في أفق سنة 2020، أي بعد عامين أو أقل من اليوم. الحكومة “لم تعط وعودا زائفة، ولم تكذب على الشعب التونسي” كما أكد رئيس الحكومة نفسه.
لا يوجد اليوم، ما يمنع تونس من العودة لاحتلال موقع الصدارة، بوصفها الأعلى قدرة تنافسية في القارة الأفريقية، لقد احتلت المركز عام 2007، وبينها وبينه اليوم أن يمنح الشعب حكومته فرصة تختبر فيها مصداقيتها.. لا خيار آخر لتونس غير ذلك.

 

'