روسيا تدخل مرحلة تصفية الحسابات مع أردوغان – مصدر24

روسيا تدخل مرحلة تصفية الحسابات مع أردوغان

روسيا تدخل مرحلة تصفية الحسابات مع أردوغان

موسكو – يشير انقلاب روسيا على تفاهماتها مع تركيا بشأن سوريا إلى أن موسكو بدأت في تصفية حساباتها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يبدو محاصرا في أكثر من ملف وأن “تحالف الضرورة” بين البلدين في طريقه إلى التفكك.

وتعكس التطورات الأخيرة في إدلب أن روسيا تعامل أردوغان كمتعاون محلي يجب ألّا يبالغ في تقييم مكانته وأن وضعه لا يسمح له بفرض رؤيته على المنطقة والوقوف في وجه الخطة الروسية التي تهدف للتوصل إلى تسوية شاملة في سوريا.

وقال مصدر دبلوماسي روسي إن “أنقرة تواصل وضع العراقيل أمام جهود دمشق وموسكو لتطبيق اتفاق سوتشي الموقع في سبتمبر 2018، بعد تقاعس الجيش التركي عن تنفيذه”.

ورجح المصدر في تصريح لـ”العرب” أن تتصاعد الخلافات في منطقة شرق الفرات، لافتا إلى أن “موسكو راعت في السنوات الأخيرة قلق أنقرة تجاه المسألة الكردية، وقامت بالمساهمة في معالجة ما يسمى بالتهديد الكردي، وإبعاد الفصائل الكردية عن الحدود التركية”.

جوزيف دانا: تركيا تحولت من سياسة الحفاظ على علاقات طيبة مع الجوار إلى إثارة المتاعب في كل مكان
جوزيف دانا: تركيا تحولت من سياسة الحفاظ على علاقات طيبة مع الجوار إلى إثارة المتاعب في كل مكان

واستدرك “ورغم ذلك، تواصل أنقرة عرقلة جهود موسكو الهادفة إلى تسوية شاملة في سوريا، وتسعى إلى فرض رؤيتها السياسية والديمغرافية في المنطقة، وتستغل المسلحين المدعومين من قبلها في مساومات سياسية”.

وردا على تجاوز أردوغان للخطوط الروسية الحمراء بتكرار عدم اعتراف بلاده بروسيّة شبه جزيرة القرم وإعلانه نيته تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، أطلقت وسائل إعلام روسية مقربة من الكرملين حملة بدأتها بنشر تقرير مفصل عن إرسال أنقرة للمرتزقة السوريين إلى ليبيا.

وأعدت وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية (فان) تقريرا كشف بدقة الطرق التي اعتمدتها تركيا لنقل المتطرفين من سوريا إلى طرابلس لدعم ميليشيات حكومة الوفاق المسيطرة على العاصمة طرابلس.

وذكر التقرير أنه منذ 24 ديسمبر الماضي أرسلت أنقرة أكثر من 1200 إرهابي سوري عبر حدود الدولة إلى الجانب التركي من خلال ممرات نقل معدة خصيصًا، وبعد وصولهم إلى تركيا تلقى الجهاديون تدريبات خاصة في معسكرات تقع بالقرب من مدينة إزمير في غرب البلاد لمدة أسبوعين. بعد ذلك، تم نقل المتطرفين على متن طائرات تابعة لخطوط الأجنحة (يملكها الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج) والخطوط الأفريقية حيث هبطت الطائرات في مطار معيتيقة بالقرب من طرابلس.

وأكد التقرير أن مراسلي الوكالة حصلوا على وثائق تؤكد تكفل قطر بشراء الأسلحة في حين تقوم شركتا “بي أم سي” و”سادات” التركيتان بتجنيد متطرفين في سوريا.

وتضمّن التقرير عدة تفاصيل تؤكد اختراق روسيا لتركيا على الصعيد العسكري وهو ما يربطه مراقبون بمنظومة الدفاع الروسية “أس 400” التي اشترتها أنقرة مؤخرا والضباط الروس الذين يشاركون في تركيزها ويدربون الأتراك على استخدامها.

وينسف تقرير الوكالة الذي تداولته وسائل إعلام روسية على نطاق واسع ما راج من أنباء مؤخرا بشأن وجود صفقة بين تركيا وروسيا تنص على استرضاء روسيا في سوريا مقابل التخلي عن دعم الجيش الليبي والسماح بتدفق المسلحين السوريين إلى طرابلس، ما يسمح بسيطرة تركيا على الملف الليبي.

واستشعر الرئيس التركي جدية موسكو التي تبدو عازمة على التصدي لتحركاته وهو ما دفعه الثلاثاء إلى إطلاق تصريحات في محاولة لتهدئة التوتر.

وقال أردوغان “ليست هناك ضرورة للدخول في نزاع مع روسيا خلال هذه المرحلة، لدينا معها مبادرات استراتيجية جادة للغاية”.

وتتعرض العلاقات الروسية التركية إلى أقسى اختبار لها منذ نوفمبر 2015 حين أسقطت تركيا مقاتلة روسية تسببت بقطيعة بين البلدين. ورغم حرص الجانبين على عدم الوصول إلى مواجهة مباشرة على الأرض، فإن وقوف جيشي البلدين في خندقين متقابلين، وسقوط قتلى من الجانبين في الأيام الأخيرة يزيدان من مخاطر الصدام العسكري خاصة مع حشد أنقرة العسكري الكبير في الأيام الأخيرة، واستمرار موسكو في دعم حملة النظام جوا وبرا على محافظة إدلب والمناطق المحررة غربي حلب.

وفي تجاوز للخطوط الحمراء الروسية، كرر أردوغان عدم اعتراف بلاده بروسيّة شبه جزيرة القرم، وإعلانه عن نية تقديم دعم عسكري لأوكرانيا ممثلا بصفقة طائرات مسيرة بقيمة 200 مليون ليرة تركية خلال زيارته إلى كييف يوم الاثنين، ووقع اتفاقات مع وزارة الدفاع الأوكرانية التي تناصب روسيا العداء وتعتبرها العدو الأول منذ ربيع 2014.

وقال أردوغان إن بلاده تعتبر تتار القرم إخوة للأتراك، مشددا على ضرورة عودتهم إلى بلدهم الأم القرم. كما دعا إلى الإسراع بحل الخلاف حول “الجمهوريات الانفصالية” شرقي أوكرانيا، مع مراعاة وحدة أراضي أوكرانيا.

وكالة أنباء روسية تنشر تقريرا بشأن طرق تجنيد وإرسال المرتزقة السوريين إلى طرابلس
وكالة أنباء روسية تنشر تقريرا بشأن طرق تجنيد وإرسال المرتزقة السوريين إلى طرابلس

ولم تنتظر موسكو طويلا، وسارعت إلى رفض تصريحات أردوغان، على لسان المتحدث باسم الرئيس الروسي دميتري بيسكوف، الذي قال للصحافيين “في هذا الصدد، نختلف بشدة مع شركائنا الأتراك، نحن لا نتفق مع اللغة المستخدمة في هذا السياق، لقد تحدثنا مرارا وتكرارا عن عدم وجود أي مخاوف بشأن تتار القرم”، كما علق بيسكوف على عدم اعتراف تركيا بروسية القرم مشيرا إلى أن “أردوغان لديه دعوة صالحة من الرئيس بوتين لزيارة شبه جزيرة القرم ورؤية كل المواضيع المثارة من مصدرها الأول”.

ولم تكتف تركيا بتصعيد لهجتها تجاه روسيا في موضوع القرم والتتار، بل أعلنت يوم الاثنين عن نيتها تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا.

وشهدت العلاقات الروسية التركية أزمة حادة بعد إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015، تمكن بعدها البلدان من تجاوز الخلافات، لتنطلق رحلة تعزيز التعاون في صيف 2016 في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاستثمارية، تكللت بتنسيق جهودهما في سوريا، وبالاتفاق على توريد منظومات “أس 400” للدفاع الجوي، وإنشاء خط “السيل التركي” لنقل الغاز من روسيا إلى تركيا وأوروبا، ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 25 مليار دولار في 2018.

وفي ضوء التطورات الأخيرة يرى مراقبون أن مغامرات أردوغان قد تؤدي إلى خسارة تحالفه مع روسيا وتراجع دور بلاده في ملفات سوريا وليبيا إضافة إلى أضرار اقتصادية كبيرة في مجال السياحة والتبادل التجاري، مع عدم قدرتها على التخلي عن مصادر الطاقة الروسية التي تؤمن أكثر من 55 في المئة من احتياجات الغاز في البلد.

وطالب جوزيف دانا رئيس التحرير بمؤسسة Emerge85، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتخلي عن الطموحات الإمبراطورية من أجل مصلحة تركيا نفسها.

وكتب دانا في مقال بموقع “سنديكيشن بيورو” للرأي بعنوان “كيف تحولت تركيا من سياسة الحفاظ على علاقات طيبة مع الجوار إلى إثارة المتاعب في كل مكان” على أردوغان وداعميه في حزب العدالة والتنمية التخلّي جميعهم عن طموحات الإمبراطورية العثمانية الجديدة، وإذا نظرنا إلى الإخفاقات الأخيرة في ليبيا كمثال، فإن تلك العملية ستكون في غاية الصعوبة.

وقال “بدلًا من الاستهزاء بالقانون الدولي، فإن تركيا بحاجة إلى العودة إلى سابق عهدها بالأفعال الجيدة”.

'