رياح العقوبات الغربية تزعزع دفاعات اقتصاد روسيا – مصدر24

رياح العقوبات الغربية تزعزع دفاعات اقتصاد روسيا

رجح محللون أن تلقي الأزمة الأوكرانية وما انجر عنها من عقوبات غربية بثقلها على الاقتصاد الروسي في الفترة المقبلة بالنظر إلى حجم القيود التي تم فرضها على النظام المالي ومع بروز بوادر لهروب المستثمرين الأجانب رغم محاولات التصدي لها من قبل البنك المركزي لتفادي تداعياتها الكارثية.

موسكو – أمضت روسيا خلال السنوات السبع الماضية في بناء دفاعات مالية هائلة، لكن المحللين يرون أنه من غير المرجح على المدى الطويل أن يتحمل اقتصادها هجمة العقوبات المنسقة من الغرب بسبب غزو موسكو لأوكرانيا.

وأمطرت أوروبا والولايات المتحدة موسكو بسيل من القرارات الرادعة بعد أن أرسل الرئيس فلاديمير بوتين دبابات إلى أوكرانيا، مما أضاف إلى العقوبات التي تعهد بها بالفعل ردا على قراره الاعتراف باستقلال مقاطعتين أوكرانيتين انفصاليتين.

وقال كريستوفر جرانفيل العضو المنتدب لشركة الاستشارات تي.أس لومبارد لرويترز إن “وجهة النظر التي تقول إن اقتصاد روسيا لن يتأثر بتلك العقوبات خاطئة”.

وأضاف المراقب الروسي المخضرم “قد لا نشعر بالآثار السلبية سريعا، لكن العقوبات ستعيق إمكانات روسيا على المدى الطويل”.

كريستوفر جرانفيل: التفاعلات الاقتصادية العادية في روسيا ستتأثر بالقيود

وتشمل الخطوات التي اتخذها الغرب عقوبات وتجميد أصول المزيد من البنوك ورجال الأعمال الروس، ووقف جمع الأموال في الخارج وتجميد مشروع خط أنابيب غاز بقيمة 11 مليار دولار إلى ألمانيا وتقييد الوصول إلى مواد عالية التقنية مثل أشباه الموصلات.

وسارع البنك المركزي الروسي الجمعة إلى إعلان حزمة إجراءات لدعم القطاع المصرفي. وقال في بيان إنه سيقدم “كلّ المساعدة الضرورية للبنوك الخاضعة للعقوبات من قبل الدول الغربية”، لاسيّما لأكبر بنكين في البلاد وهما في.تي.بي وسبيربنك.

وأوضح المركزي أن “جميع عمليات هذه البنوك بالروبل ستنفّذ وتقدّم الخدمات المناسبة لجميع الزبائن كالمعتاد، وأنه تم الحفاظ أيضا على جميع وسائل الزبائن بالعملات الأجنبية ويمكن تسليمها بهذه العملات”.

وتتفاخر روسيا بأن قطاعها المصرفي لديه “احتياطي كبير متين” وأن البنك المركزي “جاهز لاتخاذ تدابير إضافية لضمان استقرار واستمرارية الأنشطة التشغيلية للبنوك للدفاع عن مصالح الدائنين وأصحاب الودائع”.

وترفض موسكو العقوبات باعتبارها تتعارض مع مصالح أولئك الذين فرضوها. ولن يؤثروا على الفور في اقتصاد يمتلك 643 مليار دولار من احتياطيات العملة وعائدات النفط والغاز المزدهرة.

وهذه المقاييس أكسبت روسيا لقب الاقتصاد “الحصين”، إلى جانب فائض الحساب الجاري بنسبة تبلغ 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

كما أن الديون البالغة نحو 20 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي تعد من بين أدنى المعدلات في العالم إذ نصف الالتزامات الروسية فقط بالدولار، بعد أن كانت 80 في المئة قبل عقدين.

جيفري شوت: موسكو ستلجأ إلى التمويل الذاتي مما يقيد الاستثمارات

ويؤكد خبراء أن هذه الإحصاءات كانت ناتجة عن سنوات من الادخار منذ العقوبات المفروضة بعد ضم بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014.

ووفقا لجرانفيل، فإن ارتفاع أسعار النفط سيوفر لروسيا 1.5 تريليون روبل (17.2 مليار دولار) مكاسب إضافية خلال هذا العام من الضرائب على أرباح شركات الطاقة.

وأشار إلى أن هذا النوع من الاكتفاء الذاتي له ثمن وهو العزلة العميقة عن الاقتصاد والأسواق والاستثمار في العالم.

وأضاف جرانفيل “ستُعامل روسيا بشكل أساسي كدولة معادية معزولة عن التدفقات العالمية والاستثمار والتفاعلات الاقتصادية العادية الأخرى التي تبني مستويات المعيشة والدخول والإنتاجية وربحية الشركة”.

وعلامات الضعف الاقتصادي موجودة بالفعل إذ لا يزال دخل الأسر الروسية أقل من مستويات عام 2014.

وفي العام الذي سبق انتشار الوباء، قدر البنك الدولي قيمة الناتج الاقتصادي السنوي لروسيا بنحو 1.66 تريليون دولار، وهو أقل بكثير من 2.2 تريليون دولار في 2013.

ويشير سيرجي جورييف أستاذ الاقتصاد في معهد العلوم السياسية الفرنسي إلى أن نصيب الفرد الروسي من الناتج المحلي الإجمالي، ضعف الصين في عام 2013 ، قد تأخر الآن.

وقال جورييف كبير الاقتصاديين السابق في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية “في 2013 كانت روسيا ذات دخل مرتفع وكانت تتفاوض بنشاط بشأن الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لكنها عادت الآن إلى وضع الدخل المتوسط”.

والمستثمرون الأجانب في روسيا هم أيضا في طور التقلص، فقد أظهر استطلاع أجراه بنك جي.بي مورغان أن الحيازات الأجنبية من سندات الروبل في أدنى مستوى لها منذ عقدين.

ووفقا لتقديرات صندوق كوبلي للأبحاث، لم يعد الاستثمار في رأس المال أبدا إلى مستويات ما قبل ضم روسيا جزيرة القرم من حيث القيمة المطلقة.

وارتفعت العلاوة التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بالديون الروسية بالدولار الخميس الماضي إلى أكثر من 13 نقطة مئوية فوق سندات الخزانة الأميركية، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف متوسط الأسواق الناشئة.

اقتصاد روسيا

وقال جيفري شوت خبير التجارة والعقوبات في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي “ستجبر العقوبات روسيا على التمويل الذاتي المزيد والمزيد من الأنشطة، مما يقيد الاستثمار في الصناعة والجيش”.

ويمكن أن تشمل العقوبات الأكبر إنهاء وصول روسيا إلى نظام المدفوعات الدولي “سويفت” والحظر التام للاستثمار في البلاد.

وسيؤدي فقدان الوصول إلى سويفت إلى تعقيد مدفوعات الصادرات والواردات، وقد يمنع أيضا دفع قسائم السندات، مما يؤدي إلى حدوث تقصير تقني.

ويقول جي.بي مورغان إن العقوبات ستقضم ما يصل إلى 3.5 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي في النصف الثاني من 2022.

وأوضح البنك أن محدودية الوصول إلى رأس المال الأجنبي تجعل شركات النفط تعتمد على صفقات الدفع المسبق وتواجه تكلفة رأس مال أعلى بكثير.

كما أن التآكل البطيء في مستويات المعيشة يهدد بتأجيج السخط الشعبي، مما يهدد الإدارة التي واجهت بالفعل احتجاجات متفرقة وقد تكون التداعيات أمرا لا مفر منه.

ولكن البعض يرون أن العقوبات ليست وصفة سحرية لتحقيق الهدف. وكتب محللون في بنك الاستثمار برينبرغ في مذكرة إن “التعامل مع روسيا المسلحة بالسلاح الغارقة في تدهور اقتصادي نسبي سيظل تحديا رئيسيا لأوروبا والولايات المتحدة في المستقبل المنظور”.

'