زيارة الدبيبة إلى القاهرة إشارة باتجاه الاعتدال العربي – مصدر24

زيارة الدبيبة إلى القاهرة إشارة باتجاه الاعتدال العربي

قدم رئيس حكومة الوحدة الليبية المكلف عبدالحميد الدبيبة إشارة إيجابية باختياره القاهرة كأول محطة خارجية له بعد انتخابه لمنصبه، فمصر بثقلها الإستراتيجي تمثل نقطة ارتكاز أساسية في المنطقة وعنصر تأثير حقيقي في مجريات الأحداث، كما أنها رمانة ميزان الأمن والاستقرار الإقليمي وقائدة محور الاعتدال العربي.

القاهرة – يعتبر المراقبون أن زيارة رئيس الحكومة الليبية الجديد عبدالحميد الدبيبة إلى القاهرة تصب في اتجاه سعي السلطات الجديدة لطي صفحة الماضي والدخول في شراكة فعلية مع محور الاعتدال العربي الذي تتزعمه مصر، وأن هذا الموقف وإن كان لا يرضي الإخوان وأمراء الحرب المتشددين إلا أنه يعبر عن تطلعات أغلبية الشعب الليبي.

وهناك اقتناع بأن أي محاولة للاستنقاص من دور مصر ستفشل أمام أحكام الواقع التي جعلت منها فاعلا مهما في مجريات الأحداث الليبية، إذ كانت عنصر حسم في الحرب عندما أوقفت الزحف التركي باتجاه منابع الثروة في الهلال النفطي ومناطق الواحات عند “الخط الأحمر” الذي حدده الرئيس عبدالفتاح السيسي في يونيو الماضي بمجال سرت – الجفرة.

وإذا كان رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي قد اختار شرق ليبيا لبدء نشاطه، من منطلق أنه ينحدر من إقليم برقة، فإن الدبيبة بدأ رحلته إلى شرق بلاده من القاهرة، وهي خطوة ذكية نظرا للعلاقة التاريخية المتينة بين برقة ومصر.

وليس ذلك فحسب، بل لأهمية تحقيق تفاهمات كبرى مع ذلك الإقليم الذي يختزن أغلب ثروات البلاد ومع قيادة الجيش التي تسيطر على أكثر من 90 في المئة من منابع ثروة ليبيا المتمركزة بطبعها في مناطق الشرق والوسط والجنوب، والتي تثق في دور القاهرة وتتابع نتائجه عن قرب.

وحظي الدبيبة الخميس الماضي باستقبال السيسي وبحضور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وعباس كامل رئيس المخابرات العامة، في تأكيد على أن “ليبيا المنتظرة” ستكون متصالحة مع نفسها ومحيطها وقارئة جيدة للتوازنات الإقليمية بما يخدم مصالحها ويعزز مكانتها كدولة موحدة وليس الخضوع لسياسة المحاور التي يسعى البعض لفرضها.

وبينما خاطب الدبيبة السيسي بالقول “نتطلع حكومةً وشعبًا إلى شراكة شاملة مع مصر بهدف استنساخ نماذج ناجحة من تجربتها التنموية الملهمة التي تحققت خلال السنوات الماضية بقيادتكم”، رد الرئيس المصري بأن بلاده “تضع كل تجاربها وإمكانياتها في خدمة الأشقاء الليبيين”. وشدد على حرص القاهرة على الاستمرار في دعم الشعب الليبي لاستكمال آليات إدارة البلد وتثبيت دعائم السلم والاستقرار لصون مقدراته وتفعيل إرادته.

واعتبر السيسي أن المرحلة الحالية تتطلب حشد ليبيا لكافة “جهود أبنائها ورجالها المخلصين” لترتيب أولويات التحرك والعمل تجاه المجالات المختلفة، بدءا باستعادة الأمن ومرورا بتثبيت أركان الدولة ووصولاً إلى الشروع في إنجاز المشروعات الخدمية والتنموية ذات المردود المباشر على أبناء الشعب الليبي.

ويرى المتابعون أن القاهرة يمكن أن تلعب دورا مهما في تقريب المسافات بين سلطات شرق وغرب ليبيا قبل الإعلان عن التشكيل الحكومي الجديد الذي يحتاج إلى دعم قيادة الجيش وثقة البرلمان المنقسم على نفسه بين فريق يتزعمه عقيلة صالح في طبرق وآخر يقوده الإخوان والجهويون في طرابلس.

وكانت مصر عنصر حسم في اتجاه تحقيق السلام عندما احتضنت وفود طرفي النزاع وأجرت مفاوضات عسيرة مع القوى الإقليمية والدولية، وضغطت بقوة من أجل إطلاق خارطة الطريق ووفرت الضمانات الكافية لعدم تحويل الاتفاقيات المبرمة برعاية الأمم المتحدة إلى منطلق لصراعات جديدة وفق نظرية النصر والهزيمة بين أبناء البلد الواحد.

وتحمل الزيارة في طياتها إشارة واضحة إلى رغبة السلطات الجديدة في ألا تحسب على المحور التركي الإخواني، فرغم أن الدبيبة لديه علاقات وطيدة مع أنقرة التي يدير منها كرجل أعمال إمبراطورية كبرى من الاستثمارات، وأكد تضامنه الكامل معها في أول تصريح له بعد انتخابه في جنيف، إلا أنه يتطلع الى ربط علاقات قوية مع القاهرة، تساعده على إدارة المرحلة القادمة وتفتح أمامه أبواب العمل السياسي الفعلي بعد الانتخابات وتنسجم مع المزاج الشعبي العام في ليبيا.

كما أن لها بعدا إضافيا انطلاقا من انتماء الدبيبة إلى مصراتة التي سبق أن أرسلت وفدا إلى القاهرة في سبتمبر الماضي للتعبير عن رغبة الجانب الأكبر من أبناء المدينة في تعديل بوصلتهم نحو الشقيقة الكبرى، وخصوصا أن رئيس الحكومة الجديدة أبلغ أهالي مدينته الأسبوع الماضي بضرورة أن يكونوا السباقين للدفع نحو المصالحة الوطنية.

ويقول المحلل السياسي خالد الترجمان إن “الزيارة تحمل رسالة هامة من القوى الدولية الداعمة للمجلس الرئاسي الجديد، مضمونها أن مصر دولة فاعلة وهامة في استقرار ليبيا، فهي تعد المساند الرئيسي لليبيين طوال التاريخ الماضي والحاضر، ولأنها لاعب إستراتيجي وأساسي في القضية الليبية، سواء اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا أو أمنيا”.

ولا يمكن عزل ذلك عن الرسائل الموجهة لسلطات شرق ليبيا بما في ذلك البرلمان المطالب بعقد جلسة لمنح الثقة للحكومة، وهو ما لن يتحقق ليس فقط بتنازل عقيلة صالح وفريقه عن شروطهما المسبقة ومحاولاتهما عرقلة الانعقاد أو قيادة الجيش التي أبدت دعمها للسلطات الجديدة، وإنما أيضا مع حث النظام التركي على الكف عن نقل مقاتليه ومرتزقته إلى المنطقة الغربية.

ويشير المراقبون إلى أن خطوة الدبيبة جاءت للتنصل من إرث فايز السراج وحكومته، وللانطلاق في عملية سياسية ودبلوماسية محسوبة، تسعى إلى إحداث توازن في علاقات ليبيا الإقليمية، وبالتالي توجيه إشارات تفيد بأن ليبيا القادمة لن تكون أسيرة الحسابات الأيديولوجية الإخوانية، ولا خاضعة للتدخل التركي مهما كان حجمه على الأرض.

واعتبر عضو مجلس النواب علي التكبالي أن اختيار القاهرة لتكون أولى المحطات الخارجية للدبيبة يؤكد إرادة تحجيم التواجد التركي في ليبيا، ويستهدف الحصول على تأييد الشعب الليبي، وخاصة أن الحكومة الجديدة ترى أن القاهرة مدخل أساسي لنجاحها في الفترة المقبلة.

مقالات ذات صلة
'