زيارة المنفي إلى باريس تُربك حسابات أنقرة في ليبيا – مصدر24

زيارة المنفي إلى باريس تُربك حسابات أنقرة في ليبيا

وضعت زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى فرنسا حسابات تركيا في ليبيا على المحك حيث بعثت هذه الزيارة برسائل عديدة مفادها منع محاولة احتكار أنقرة للملف الليبي، خاصة أن التكهنات كانت تشير إلى أن أول محطة لرئيس السلطة التنفيذية الليبية خارج ليبيا ستكون تركيا بعد الدعوة التي وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المنفي في وقت سابق.

تونس – قام رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، مصحوبا بنائبه موسى الكوني، بزيارة إلى العاصمة الفرنسية حملت بتوقيتها دلالات سياسية هامة، لاسيما وأنها جاءت على عكس التوقعات التي دفعت في وقت سابق باتجاه أن تكون الزيارة الأولى لرئيس السلطة التنفيذية الليبية خارج ليبيا إلى تركيا بناء على الدعوة التي كان الرئيس رجب طيب أردوغان قد وجهها له.

وبعثت هذه الزيارة التي تمت الأربعاء برسائل مُتعددة أبرزها كسر إمكانية احتكار تركيا للملف الليبي عبر السيطرة على توجهات السلطة التنفيذية الجديدة، وذلك من خلال اختيار فرنسا التي لا يُخفي رئيسها إيمانويل ماكرون خلافاته الحادة مع نظيره التركي أردوغان.

والتقى المنفي خلال هذه الزيارة مع ماكرون، وكذلك أيضا مع وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، وغيرهما من كبار المسؤولين الفرنسيين الذين بحث معهم العلاقات الثنائية، إلى جانب التطرق إلى جملة من المسائل الأخرى، وخاصة منها تلك المرتبطة بالسبل الكفيلة بمحاربة الإرهاب، حيث جدد الرئيس الفرنسي التأكيد على ضرورة إخراج كافة المسلحين الأجانب من ليبيا.

وكان لافتا تزامن لقاء ماكرون مع المنفي مع بث القناة التلفزيونية الفرنسية “تي.في 5” برنامجا وثائقيا بعنوان “السلطان الذي يتحدى أوروبا” تحدث فيه ماكرون بعبارات كشفت عمق الخلافات الفرنسية – التركية، حيث لم يتردد في اتهام تركيا بـ”التراجع عن احترام كلمتها” في ما يتعلق باتفاقيات التهدئة المبرمة في برلين حول السلام في ليبيا.

آمنة أمطير: مأساة كبيرة أن تكون محطة المنفي الأولى الخارجية فرنسا

وقال إن تركيا أرسلت جيشها والمرتزقة إلى ليبيا منتهكة بذلك اتفاقيات برلين المبرمة في يناير لإحلال السلام في ليبيا، ثم طالب بضرورة “توضيح” دور تركيا الشريك في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، قائلا “علينا توضيح دور تركيا في الناتو”، ذلك أنه و”بشكل طبيعي بين الحلفاء، لا يمكن أن تحدث الكثير من الأشياء التي تقوم بها تركيا خلال هذه الأشهر الأخيرة”.

وأربكت هذه الزيارة حسابات تركيا في ليبيا، حيث تحركت أدواتها الوظيفية في محاولة للتقليل من شأنها، حيث سارعت آمنة أمطير عضو المجلس الاستشاري عن حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان إلى انتقاد الموقف الفرنسي، قائلة في تصريح تلفزيوني بُث ليل الثلاثاء – الأربعاء إن “عقدة فرنسا الوحيدة في ليبيا هي إخراج القوات التركية أو إنهاء الاتفاق التركي – الليبي فقط لا غير”.

وانتقدت أمطير، التي اعتبرت أن “هناك ألاعيب أخرى سوف تقوم بها فرنسا”، اختيار رئيس المجلس الرئاسي الليبي العاصمة الفرنسية كأول محطة خارجية له منذ توليه رسميا لمهامه، حيث رأت أن “مد الخطوط من قبل الحكومة الجديدة، مع الجميع، هو أمر مرحب به، ولكن أن تكون افتتاحيتنا مع فرنسا، فهذه مأساة كبيرة”.

واتهمت في المقابل فرنسا بأنها “تريد قتل الشعب الليبي، وعينها على الجنوب الليبي، فهي دولة فرنكوفونية تريد السيطرة على الدول الأخرى في القارة الأفريقية، ولها إرث استعماري طويل جدا في الجنوب الليبي، وكذلك دول الطوق الجنوبي مثل النيجر ومالي… فرنسا هدفها استعماري فقط لا غير، وهي تريد إنهاء الاتفاقية الليبية التركية فقط لا غير، ولا تريد غير ذلك”.

ولم يكن مستغربا مثل هذا الموقف المدافع بشراسة عن مصالح ودور تركيا في ليبيا، باعتبار الارتباط الوثيق بين إخوان ليبيا وتركيا، لكن التركيز على هذه المسألة دون غيرها بدا ليس بريئا، لأن المسألة في حد ذاتها لا ترتبط بمعاييرها السياسية وافتراضاتها، بل باستهدافات إخوان ليبيا التي لا تخرج عن إطار ما يريد النظام التركي ترويجه للتشويش على مجمل المرحلة الانتقالية في ليبيا.

وتراهن تركيا من خلال هذا التشويش على تشتيت اهتمامات السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، بهدف إبعادها عن معالجة الأولويات التي تعهدت بها، وفي المقدمة منها استعادة سيادة ليبيا عبر إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وتوحيد كافة المؤسسات بما في ذلك العسكرية، وتحقيق المصالحة الوطنية، وصولا إلى تنظيم الانتخابات العامة في ديسمبر القادم.

ولا شك أن هذه الأهداف التي تم التأكيد عليها خلال اجتماع الرئيس الفرنسي ماكرون مع رئيس المجلس الرئاسي المنفي في قصر الإليزيه بباريس تُزعج تركيا التي تنظر إلى ليبيا على أنها رئة ثالثة يتنفس منها اقتصادها، كما تُمثل بموقعها الاستراتيجي بوابة لها لفرض دورها في توازنات موازين القوى في حوض البحر المتوسط، وكذلك أيضا في أفريقيا.

زيارة المنفي إلى باريس أربكت حسابات تركيا في ليبيا، حيث تحركت أدواتها الوظيفية في محاولة للتقليل من شأنها

ويأخذ هذا الانزعاج أبعادا أخرى قد تُهدد مشاريع تركيا في ليبيا، ويقضي على أطماعها، بالنظر إلى تزامن هذه التطورات مع الخطوات الهامة والمُتقدمة على طريق توحيد مؤسسات الدولة الذي يمهد للاستقرار الأمني والعسكري، التي قطعتها السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، التي استطاعت عقد أول اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة عبدالحميد الدبيبة في العاصمة طرابلس.

وعُقد هذا الاجتماع الأول من نوعه بعد حصول الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان في منتصف الشهر الجاري، وإتمام عملية الاستلام والتسليم بشكل سلس، حيث استلمت مهامها من حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج (غرب)، وكذلك أيضا من الحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني (شرق)، الأمر الذي ساهم في تعبيد الطريق نحو توحيد بقية المؤسسات، بما يضع حدا للانقسام الذي عانت منه البلاد طيلة السنوات العشر الماضية.

لكن هذه الخطوات التي حُظيت بترحيب ليبي، وإقليمي ودولي، تبقى رغم أهميتها غير كافية وحدها لتبديد المخاوف من تعثر مسارات المرحلة الانتقالية بعناوينها السياسية والأمنية والعسكرية التي نصت عليها خارطة الطريق، وخاصة منها تلك المُتعلقة بالاستحقاق الانتخابي الذي مازالت تعترض طريقه الكثير من العقبات التي ترتقي إلى تحديات جدية ثقيلة ومُتحركة، وقادرة على تحويله إلى سراب.

وتبدأ هذه التحديات بالألغام التي شرع إخوان ليبيا في زرعها في كل الاتجاهات للتشكيك في إمكانية تنظيم الانتخابات العامة في الموعد الذي ضبطته خارطة الطريق المُنبثقة عن حوار جنيف السويسرية، مرورا بمعضلة الميليشيات والانتشار الواسع للسلاح المُنفلت، ولا تنتهي عند العقبات الأخرى المُرتبطة بالحسابات السياسية المُتنافرة في علاقة بهذا الاستحقاق الانتخابي.

ورغم التزام السلطة التنفيذية الليبية الجديدة بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة في الموعد المُحدد، فإن الغموض مازال يلف هذا الاستحقاق، خاصة وأن الأوضاع الأمنية والترتيبات القانونية واللوجستية لم يطرأ عليها أي تغيير، والحال أن الوقت ضاغط بكل المقاييس، ويستدعي العمل بوتيرة أسرع لتوفير المناخ الملائم لإنجاح هذا الاستحقاق حتى وإن بدت غالبية الأحزاب والقوى السياسية في البلاد غير جاهزة لخوض غماره أو لا ترغب في تنظيمه في هذه المرحلة.

'