سائقات التاكسي في تونس يكسرن قاعدة “المهن الرجالية” – مصدر24

سائقات التاكسي في تونس يكسرن قاعدة “المهن الرجالية”

تمكنت المرأة التونسية من كسر الأعراف المهنية المتوارثة التي اقتصرت على حضور الرجال دون النساء، لارتباطها الوثيق بالجهد العضلي والاحتكاك الاجتماعي الصعب مع مختلف فئات المجتمع. وامتهنت قيادة التاكسي الفردي التي ظلت لسنوات حكرا على الرجال وتمنع عليها، ما أدى إلى القطع مع التقاليد الذكورية التي تتعارض مع جرأة المرأة على ممارسة نشاط رجالي بالأساس.

تونس – اقتحمت النسوة التونسيات ميدان سياقة التاكسي الفردي في البلاد، في خطوة تهدف إلى كسر طقوس وأعراف متعارف عليها ظلت لعقود ترافق تقاليد المجتمع “الذكوري” الذي يتعارض مع جرأة المرأة على ممارسة نشاط “رجالي” بالأساس.

وعلى الرغم من نسب التمثيل النسائي المحدودة في هذا المجال إلا أن امتهان المرأة لهذه المهنة صار يتوغل شيئا فشيئا في مخيلات التونسيين ليتعود عليه المسافرون، وسط إقرار تام بمبدأ التناصف (بين الرجال والنساء) حتى في المهن التي اقترنت سابقا بالرجال دون غيرهم.

وتتعدد أصناف المهن التي تمتهنها النساء كما الرجال على غرار النشاط في ورشات النجارة والحدادة ومحطات الوقود والسكك الحديدية، في خطوة يرى مراقبون أنها بمثابة التحدي للعنصر الرجالي في مواجهة مخاطر المجتمع وإكراهاته.

وأكد فوزي الخبوشي رئيس الاتحاد التونسي للتاكسي الفردي أن عدد سائقات سيارات التاكسي يبلغ 15 امرأة من مجموع 18 ألف سيارة تاكسي فردي في إقليم تونس الكبرى (العاصمة تونس ومحافظات بن عروس وأريانة ومنوبة)، و30 ألف سيارة في كامل تراب الجمهورية التونسية.

فوزي الخبوشي: هناك 15 امرأة يشتغلن في النهار فقط لتجنيبهن مضايقات الطريق

وبخصوص مدى تقبّل المواطن التونسي للمسألة قال الخبوشي لـ”العرب”إن “الأمر بات عاديا جدا لأن المرأة عنصر فاعل في المجتمع ولها تحديات اقتصادية واجتماعية، خصوصا من ناحية ضرورة توفير حاجيات عائلتها”.

وأضاف أن “الظاهرة تعتبر فريدة بالنظر إلى العدد الصغير للسائقات، لذلك يقتصر عملهن على ساعات النهار دون الليل لتجنيبهن مضايقات بعض الزبائن ومخاطر الطريق والمارة”.

ويعزى اكتساح النساء هذه المهنة إلى عدة أسباب أهمها الاستجابة لطموحهن في تعلم اختصاصات كانت تمثل حلمهن منذ الصغر أو لرغبتهن الخاصة في كسر قاعدة المهن الرجالية، والظروف الاجتماعية الصعبة التي حتمت عليهن العمل مع تقلص فرص التشغيل وارتفاع معدلات البطالة.

وتتطلب سياقة التاكسي في تونس مع اهتراء البنية التحتية من طرقات وجسور توفر جملة من الصفات على غرار الفطنة والانتباه والتركيز التام على كل مخاطر الطريق، فضلا عن الأسلوب الحواري الجيد مع الزبائن، خصوصا إذا تعلق الأمر بالنساء الملتحقات بهذه المهنة.

وفي هذا الصدد أفادت ليلى بن رحومة (53 سنة)، سائقة تاكسي، بـ”أنني أمارس هذا النشاط منذ 17 سنة (سنة 2004)، وانطلقت في غمار التجربة كهواية بادئ الأمر، لكنها سرعان ما تحولت إلى ضرورة مهنية واجتماعية فرضتها الأوضاع المادية والاقتصادية لأسرة تنتمي إلى الطبقة الضعيفة”.

وقالت ليلى لـ”العرب” “أشتغل في إقليم تونس الكبرى، وأجد مقدارا هاما من الاحترام والتقدير من قبل الزبائن”، مشيرة إلى  أن “سلوكات الزبائن تختلف حسب الطبقات الاجتماعية وطبيعة المناطق والأحياء، حيث يختلف أسلوب حديث الحريف بين الأماكن الراقية والأحياء الشعبية”.

وتابعت “أنطلق في عملي منذ الخامسة صباحا وكنا نشتغل ليلا قبل ثورة يناير 2011، لكن الآن الوضع الأمني تغير وأصبحت أخشى عدة مخاطر، خصوصا وأننا نتعامل مع فئات مختلفة من الزبائن وفي وضعيات متنوعة”.

إشراك المرأة في المهن التي يعتقد البعض أنها عصية على النساء يكرس مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين

وأشارت ليلى إلى أنها سبق أن تعرضت لعملية سطو مسلح من قبل شابين لاذا بالفرار بعد أن استوليا على رصيد عملها كامل النهار، مؤكدة أن بعض الزبائن يعمدون إلى عدم تمكينها من أجرة المسافة المقطوعة بتعلة كونها امرأة لا تستطيع مقاومتهم، فتضطر إلى تجاهل الأمر.

وتتقن المرأة فنون السياقة وتطبق قواعد المرور بحرفية لتصل وتوصل الركاب بسلامة وأمان، هذا إلى جانب أناقتها وحسن تواصلها مع من يركب معها فهي لطيفة في محادثاتها قليلة الكلام حين تكون مع من لا تعرفه لذلك تعتقد أغلب سائقات التاكسي أن المهنة خُلِقت لهن رغم ما يعانينه من نظرة المجتمع.

وتطالب سائقات سيارات التاكسي السلطات التونسية بالمزيد من الاهتمام وتأمين عملهن، خاصة في ظل الغياب الأمني الذي تشهده البلاد منذ سنة 2011.

وأكدت محدثتنا في ختام حديثها أن المرأة قادرة على امتهان مختلف الأعمال، وسياقة التاكسي تتطلب فهما لطرق عمل السيارة وآلاتها الميكانيكية حتى يتم تدارك الصعوبات ومشاكل الطريق، فضلا عن كونها مهنة صعبة تتطلب قوة الشخصية ودراية بخبايا المجتمع وفئاته.

وأصبح من البديهي جدا أن نرى امرأة تقود الشاحنات الثقيلة وعربات الميترو أو تمتهن الحدادة أو تشارك في أعمال البناء.

Thumbnail

ونجحت المرأة التونسية في خوض غمار السياسة وتبوأت مناصب هامة في جميع المجالات كالصحة والتعليم والرياضة والتي تتطلب الكثير من الجهد الفكري.

ويكرس إشراك المرأة في المهن التي يعتقد البعض أنها عصية على النساء مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المرأة والرجل في العمل وفي مختلف قطاعات الحياة المتشعبة.

وفضلا عن سياقة سيارات التاكسي تدعمت مكاسب المرأة التونسية مع ظهور ما يسمى بـ”التاكسي سكوتير” (درّاجات نارية للنقل)، حيث أصبحت المرأة تنافس الرجال في مجال يعتقدون أنهم الأقدر فيه وهو سياقة الدراجات من الحجم الثقيل.

ليلى بن رحومة: المهنة صعبة فرضتها أوضاع الأسرة المادية والاقتصادية

وتحصلت بعض النساء على شهائد في سياقة الدراجات النارية الخاضعة إلى أربعة اختبارات، وأصبحن يؤمّن تنقل تونسيين داخل محافظات إقليم تونس الكبرى.

وتمثل الظروف الاجتماعية الصعبة أكبر حافز للنساء في تونس يدفعهن نحو امتهان الأعمال الصعبة نظرا لانعدام فرص العمل.

وكان المعهد الوطني للإحصاء في تونس (حكومي) قد أكد في وقت سابق أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 746.4 ألف عاطل، بارتفاع 19.63 في المئة عن عددهم في نهاية العام الماضي، وكان عددهم 623.9 ألف عاطل.

وتشير بيانات المعهد إلى ارتفاع معدل البطالة في تونس بنسبة 17.58 في المئة، مقارنة بنهاية الربع الأول من عام 2020 حيث كان عدد العاطلين آنذاك 634.8 ألف عاطل.

ومن حيث الجنس لفتت البيانات إلى أن نسبة البطالة لدى الإناث بلغت 25 في المئة في نهاية النصف الأول من العام، وبلغت نسبة البطالة 15.2 في المئة لدى الذكور.

وبسبب الجائحة الصحية وإجراءات الإغلاق المشدد التي اتخذتها السلطات التونسية سجلت تونس أعلى معدلات البطالة التي عرفتها البلاد منذ سنوات، كما فقد نحو 270 ألف تونسي وظائفهم، وفق بيانات رسمية.

وتمكنت الكثير من القطاعات الحيوية خلال الربع الثالث من استعادة نشاطها والاحتفاظ بمواطن العمل واستعادة موظفيها ما نتج عنه تقلص في النسب العامة للبطالة.

ويعاني الاقتصاد التونسي من انكماش تاريخي بسبب جائحة كورونا ومخلفات الإغلاق الاقتصادي، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من سنة 2020 بنسبة غير مسبوقة بلغت 21.6 في المئة مقارنة بالربع الثاني من سنة 2019.

'