سد النهضة.. هل ينفد صبر القاهرة على أديس أبابا – مصدر24

سد النهضة.. هل ينفد صبر القاهرة على أديس أبابا

سد النهضة.. هل ينفد صبر القاهرة على أديس أبابا

القاهرة – أبدت مصر الخميس تحفظّها على ورقة تقدّمت بها إثيوبيا تضمّنت رؤيتها المتعلّقة بملء سدّ النهضة وتشغيله، بحسب بيان لوزارة الريّ المصرية، وذلك خلال اليوم الثالث من التفاوض بين وزراء الري المصري والسوداني والإثيوبي حول السدّ الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق.

وشددت مصر على ضرورة أن “تمتنع إثيوبيا عن اتّخاذ أيّ إجراءات أحادية (..) لما يمثله هذا النهج الإثيوبي من تعقيد للموقف قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المنطقة برمتها”.

وعلى الرغم من التحذيرات المصرية، يتوقع متابعون أن تنفذ حكومة آبي أحمد في إثيوبيا، كليا أو جزئيا، تعهدها بملء منفرد لخزان سد “النهضة”، في يوليو المقبل.

وبالملء المنفرد من دون اتفاق، يهدف آبي أحمد، الذي يواجه انتقادات داخلية لتأجيله الانتخابات، إلى كسب جولة لدى الرأي العام، وتحقيق انتصار معنوي وحشد مبكر للأصوات الانتخابية، من دون أن يلتفت إلى نتائج قبوله بـ”إنعاش مؤقت” لمفاوضات فنية بدأت الثلاثاء، بعد توقف لأشهر.

ووفق معلومات نقلتها تقارير صحافية، يبدأ ملء خزان السد بالتزامن مع بداية فيضان النيل الأزرق، على أن يستمر حتى نهاية فصل الشتاء، بإجمالي 4.9 مليار متر مكعب، ليبدأ التشغيل التجريبي لإنتاج الكهرباء من السد، في مارس 2021، وذلك رغم مخاوف مصر من احتمال المساس بحصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.

وليس آبي أحمد فقط المتمسك بملء السد، حتى من دون اتفاق، فنائبه ديميك ميكونين، قال الأحد إن بناء السد مستمر على قدم وساق، لبدء ملء المياه في الإطار الزمني المحدد له بموسم الأمطار هذا العام، بحسب الوكالة الإثيوبية الرسمية للأنباء.

ولا يضع آبي أحمد في تصوره أن يعيق “كورونا” ملء السد، حيث قال في الذكرى التاسعة لبدء إنشاء السد، في أبريل 2011 “رغم كون وباء كورونا أصبح تحديّا، فإننا نتوقع أن نرى عملية بدء تخزين مياه سد النهضة في بداية الخريف”.

وإزاء جمود الموقف الإثيوبي تجاه تغيير موعد الملء، يعلق البعض آمالا على الوساطة السودانية الجديدة في تفكيك التشدد الإثيوبي، ولاسيما مع قبول متحفظ من مصر لعودة المفاوضات وإعلان الخرطوم، في بيانات رسمية، عن مخاوف بشأن حماية مصالحها المائية، فضلا عن ذهابها إلى مجلس الأمن بمذكرة عن أزمة السد.

ولم تخف الوساطة السودانية، وهي بمثابة “الفرصة الأخيرة”، أن “جزءا أساسيا” من عودة المفاوضات ينصب على “بحث إعلان إثيوبيا عن ملء السد”، بحسب تصريح لوزير الري السوداني، ياسر عباس، عقب استئناف المفاوضات الثلاثية، الثلاثاء.

ولن يمثل حضور مراقبين من الاتحاد الأوروبي ودولة جنوب إفريقيا (الرئيسة الحالية للاتحاد الإفريقي)، إلى جانب المراقب الثالث الأميركي، لأول مرة، فرس رهان “قوي” يساعد الوساطة السودانية على حل القضايا العالقة بين القاهرة وأديس أبابا.

غير أنه يبقي دليلا على اتساع دائرة الرقابة الدولية، بظهور أوروبي يزاحم الرعاية الأميركية. إذ أن أديس أبابا، وبعد جولات مفاوضات قادتها واشنطن والبنك الدولي خلال الأشهر الأخيرة، رفضت الذهاب للتوقيع على وثيقة للحلّ قبلتها مصر، بدعوى أنها لم تحز قبولا ونقاشا واسعا في إثيوبيا، وذلك قبل شهر من إعلان تأجيل الانتخابات، وبالتالي لن يكون التوافق الشعبي أو السياسي على الأقل حاضرا في ظل تداعيات تأجيل الاقتراع.

فرص أخيرة أم جديدة للحل
فرص أخيرة أم جديدة للحل

ولم يكن الرفض الإثيوبي والتحفظ السوداني على وثيقة واشنطن أمرا متوقعا في ملف تدخلت فيه الولايات المتحدة، والتقطت عدسات الكاميرات ظهورا لافتا للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال إطلاق المباحثات التي تعثرت لاحقا.

وكان تفاؤل السودان بنجاح الرعاية الأميركية مشابها لما خرج به ياسر عباس، عقب الاجتماع الأول لاستئناف المفاوضات، بقوله إن اللقاء الثلاثي الافتراضي “تم بروح إيجابية ونقاش مثمر”.

والسؤال هنا، هل ستكون تلك اللقاءات الثلاثية، برعاية سودانية ومراقبة أوروبية أفريقية أميركية، “حرثا في البحر”؟. سؤال طرحت مصر، الثلاثاء، إجابته مبكرا، عبر مخاوف أعربت عنها عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي المصري رفيع المستوى، بتحذيره من أن تصبح اللقاءات “أداة جديدة للمماطلة والتنصل من الالتزامات”، في إشارة إلى انسحاب غير متوقع لأديس أبابا من مسار واشنطن.

ورفض المجلس بوضوح الملء المنفرد للسد أو الحديث الإثيوبي في شأنه، مؤكدا عودة القاهرة إلى المفاوضات لاستكشاف “مدى توفر الإرادة السياسية للتوصل إلى اتفاق”.

هذه اللغة اعتبرها محمد نصر علام، وزير الري الأسبق بمصر، عبر تدوينة بـ”فيسبوك”، دليلا على أن صبر القاهرة “كاد ينفد”، وأن المشاركة وفق شروط جدول زمني محدد “فرصة أخيرة للسلام”، و”إرضاء للوسيط السوداني”.

غير أن قراءة “صبر مصر الذي ينفد” قد تصطدم واقعيا بقراءة مختلفة يتبناها “علام” أيضا، وترى أن تصريحات إثيوبيا تستهدف كسب الرأي العام بالداخل وليست للخارج، وهو ما يرجح استمرار مصر في خيار مناورات المعارك الدبلوماسية.

وبدلا من تضييق إثيوبيا الخناق على مصر بخيار الملء المنفرد، للقبول بأقل الخسائر مع السودان، تتحرك القاهرة إلى الأمام عادة، عبر جولات محرجة لإثيوبيا خارجيا أمام الرأي الدولي، وضاغطة محليا، وظهر هذا بتوجه مصر، في مايو الماضي، بخطاب إلى مجلس الأمن بشأن ما اعتبرته “موقفا إثيوبيا متعنتا”.

وما يمكن استنتاجه أن الرابح في صراع سد النهضة هو من سيمتلك أوراقا دبلوماسية وقانونية أقوى إن احتاج الأمر ذلك، وليس من يمارس دعاية الحشد، مهما كانت ترياقا للشعبية. فالمنطقة تعاني تداعيات جائحة “كورونا”، ولن تتعافى قبل 2021 على أقل تقدير، وليس بوسعها تحمّل مواجهات صدامية مباشرة مستبعدة عادة لدى الطرفين المصري والإثيوبي.

'