سلوك تركيا يدفع أوروبا إلى الدفاع عن مصالحها بشكل مستقل – مصدر24

سلوك تركيا يدفع أوروبا إلى الدفاع عن مصالحها بشكل مستقل

يعاني حلف شمال الأطلسي من موجة خلافات وانقسامات متزايدة. خلافات كثيرة بين واشنطن وبرلين، أنقرة وباريس، تجاه القضايا العالقة سياسيا وعسكريا، وسط اتهامات متبادلة بين تلك الدول. وامتد الخلاف على تحديد من هو العدو الذي يواجه الحلف، هل هو روسيا أم الصين ومدى امتثال تركيا للاستراتيجيات الدفاعية المشتركة؟

بروكسل- يعقد حلف شمال الأطلسي (الناتو) الثلاثاء اجتماعا لوزراء خارجية الدول الأعضاء لتقييم عمل الحلف ومناقشة الوضع في المنطقة الأوروبية الأطلسية، وسط انقسامات عميقة يؤججها سلوك تركيا الحربي الذي يتعارض مع مصالح أوروبا.

وسيتضمن جدول أعمال وزراء الخارجية قضايا مثل تقييم رؤية “ناتو 2030” التي بدأت بهدف تعزيز الدور السياسي للحلف، والوضع في المنطقة الأوروبية الأطلسية. كما تشمل الموضوعات الأخرى المدرجة على جدول الأعمال، آخر التطورات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبلقان ومنطقة البحر الأسود وشرق المتوسط الذي يشهد توترا بين تركيا وكل من اليونان وقبرص.

ويرى دبلوماسيون ومحللون أن الانسحاب الأميركي والصعوبات التي يسببها السلوك الحربي لتركيا، يهزان حلف شمال الأطلسي ويدفعان الأوروبيين إلى التزود بقدرات للتحرك من أجل الدفاع عن مصالحهم بشكل مستقل، لكن الخلافات الداخلية تقوض مساعيهم.

وبدأ حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، كل على حدة، العمل من أجل التكيف مع الوضع العالمي الجديد. من هم الأعداء الشركاء؟ ما هي التهديدات؟ ما هي الوسائل والثغرات ونقاط الضعف؟

وأعدت أجهزة الاستخبارات المدنية والعسكرية الأوروبية هذا الأسبوع جردة أدرجت في وثيقة سرية، يفترض أن تسمح هذه “البوصلة الاستراتيجية” للاتحاد الأوروبي “بإدارة أزمات”، ولتحقيق ذلك، بـ”تقليص تبعيتها” واكتساب “قدرات” وتحديد “شراكات”. وقام حلف الأطلسي بالعملية نفسها بعدما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه في حالة “موت دماغي”.

أرنود دانجان: لا بد من استقلال أوروبي في مناطق لم تعد من أولويات واشنطن

ونشرت مجموعة حكماء قامت بهذا العمل الفكري تقريرها مؤخرا. وسيناقشه وزراء خارجية دول الحلف خلال مؤتمرهم الثلاثاء، بينما سيعرض الأمين العام للحلف النرويجي ينس ستولتنبرغ مقترحات في فبراير 2021، لكن الخلافات والمنافسة بين الأوروبيين وبين الحلفاء تقوض المبادرتين.

وتساءلت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارنباور: هل الولايات المتحدة التي قررت من جانب واحد الانسحاب من أفغانستان والعراق وأجزاء من أوروبا بحلول نهاية العام، مازالت حليفا جديرا بالثقة وموثوقا به؟

وطرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان سؤالا: هل مازال لتركيا التي لم تعد تحترم قواعد الحلف، مكان فيه؟ وسيناقش أعضاء الحلف الأمر في ديسمبر، لكن سيكون عليهم الانتظار حتى يناير 2021 للحصول على ردود من الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.

وانتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أكثر من مناسبة وقف واشنطن دعمها للأكراد بشكل مفاجئ وكذلك الحملة التركية على سوريا، وهما القراران الاستراتيجيان اللذان تم اتخاذهما دون الرجوع لأعضاء حلف الناتو الآخرين. وتنظر تركيا إلى فرنسا على أنها تظهر الود الزائد تجاه الأكراد في وقت تطالب فيه كافة دول الناتو بدعم موقفها في سوريا.

وهذه المشكلة تظهر مشكلة أخرى تمس جوهر الحلف وهو ما يعبر عنه كثيرون داخل الحلف بابتعاد تركيا عن الناتو والغرب، فيما يعتبر شراء أنقرة لمنظومة دفاع جوي روسية متطورة خطوة غير عادية بالنسبة لحليف في الناتو.

والمشكلة هي أن حجم تركيا وموقعها الجغرافي يجعلان من أنقرة شريكا مهمّا في الناتو، على الرغم من إزعاجها، وذلك في وقت يتساءل فيه بعض المحللين عن استمرار أنقرة داخل الحلف من عدمه.

وحذر ستولتنبرغ من أنه يجب القيام “بخيارات صعبة”، فالأوروبيون لا يشكلون جبهة واحدة لا في الاتحاد الأوروبي ولا في حلف الأطلسي. والخلاف الأكبر يدور بين فرنسا وألمانيا. وتواجهت باريس وبرلين في منتصف نوفمبر حول “الاستقلالية الاستراتيجية”، وهو مفهوم فُسر بأن يكون الأوروبيون قادرين على التصرف بشكل مستقل.

وقالت وزيرة الدفاع الألمانية “يجب أن تنتهي أوهام الاستقلالية الاستراتيجية”، لكن ماكرون اعترض على “مغالطة تاريخية”. وردت كرامب كارنباور بالقول “لم أسمع المستشارة تقول إن الحلف لا ضرورة له”. وأعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن أسفه “للمناقشات العقيمة والأشبه باللاهوتية أحيانا” حول القدرة اللازمة للرد بشكل مستقل على التحديات.

وحذرت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الألمانية أولريكه فرانك من أن “الرئيس ماكرون قال دائما إن الدفاع الأوروبي مكمل للحلف الأطلسي”. وأضافت أن “الاشتباه بأنه يرغب في إضعاف الحلف خطير عندما يقال علنا”.

واستنكر النائب الفرنسي أرنود دانجان المتخصص في شؤون الدفاع ما وصفه بـ”مشكلة زائفة”. وقال دانجان إن “التبعية الأوروبية في العديد من القطاعات هائلة: الطائرات المسيرة وأجهزة نظام تحديد المواقع بالأقمار الاصطناعية (جي.بي.إس) والأسلحة الموجهة عن بعد، وحتى في مجال الفضاء حيث يحتاجون إلى تنظيم أفضل ليتجنبوا الإخفاق”.

وأضاف “يجب أن ننظر إلى تسلسل الأولويات الأمنية. الجميع يعرفون أن لب الحلف الأطلسي هو دوره على الجبهة الشرقية، في مواجهة روسيا”. وأوضح أن “السياسة الدفاعية الأوروبية تعني إدارة الأزمات وسيتم تنفيذ ذلك على الجبهة الجنوبية في مناطق لم تعد من أولويات الولايات المتحدة”.

وأكد أنه “يجب أن يكون لدينا استقلال أوروبي حقيقي على الجانب الجنوبي لأن قرارات الحلف تُتخذ بالإجماع وتركيا تشكل مشكلة لأنها تشل الحلف بمعارضتها بعض العمليات في هذه المنطقة وخصوصا في ليبيا”. وتقدمت فرانك بنصيحة مفادها أنه “على فرنسا وألمانيا وقف النقاشات الزائفة والتركيز على القاسم المشترك بينهما: الرغبة في بناء المزيد من القدرات الأوروبية”.

بدأ حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، كل على حدة، العمل من أجل التكيف مع الوضع العالمي الجديد

وأثارت مبادرة الدفاع الأوروبية المشتركة مخاوف أميركية، ما يهدد بالانعكاس سلبا على وحدة التحالف، في وقت تحاول الولايات المتحدة دفع شركائها الأوروبيين إلى الترفيع في نفقات الدفاع المخصصة للحلف.

ورغم تقارب المواقف في موضوع الجيش الأوروبي، فإنه من الصعب المقارنة دفاعيا وسياسيا بين فرنسا القوة النووية المعترف بها دوليا والعضو الدائم في مجلس الأمن وبين ألمانيا التي مازالت تستضيف قاعدة عسكرية أميركية، وتعتمد إلى حد كبير على حماية المظلة النووية الأميركية.

والسؤال الذي يطرح نفسه، في ضوء الاعتراضات الأميركية حيث تملك واشنطن سطوة على القرار الأوروبي، ما هي حظوظ هذا المشروع من النجاح، وهل سيكون الجيش الأوروبي القادم بديلا عن الناتو الذي تملك فيه واشنطن الصوت الأعلى والحضور الأقوى، أم أنه سيتحول إلى قوة هامشية محدودة التأثير في ميزان القوى العالمي الذي يعاد رسمه مجددا بعد صعود قوى جديدة وعودة روسيا إلى الساحة الدولية كقطب مؤثر؟

'