صديقان في مكعب – مصدر24

صديقان في مكعب

كان جورج براك (1882 – 1963) رساما تكعيبيا محافظا بالمقارنة مع زميله بابلو بيكاسو (1881 – 1973). لم يكن مصطلح “التكعيبية” ليجري على الألسن لولا الشاعر غيوم أبولنيير.

ذلك شاعر مات شابا. كان إيطاليا بجذور عائلية بولندية. سينسى العالم أمره مع الاهتمام بتحوّلات ذلك المخترع الإسباني العجيب الذي فرض جنونه على الرسم. بيكاسو الذي سيُهمل العالم اسم أبيه، لأنه جعل من اسم أمه قرينا بكل فتوحاته.

براك كان فرنسيا وكان رساما فخما ومهيبا في هيأته وأفكاره وأسلوب تأثّره بنظريات مواطنه بول سيزان الذي يُلقب بأب الحداثة الفنية. أما بيكاسو فقد كان أشبه بمصارع ثيران إسباني، الرسم بالنسبة إليه هو عبارة عن ثور هائج إما يدجنه أو يقتله.

في مرحلة ما كان فنّا براك وبيكاسو يتشابهان ولكن ليس تماما. كانت لوحات براك تخلو من النزق الذي تميّزت به شخصية بيكاسو. لوحات مرسومة بأناة وبنفس طويل وتأمل لا يخترقه الضجر.

لذلك كان براك أهم من بيكاسو في مرحلته التكعيبية. ولكن ذلك لا يعني أن بيكاسو لم يكن تكعيبيا مجيدا. لا تزال بلاغته البصرية في ذلك المجال صادمة.

انتقل الاثنان بالرسم من خلال تقنية لصق الصحف والمواد المختلفة على سطح اللوحة إلى مرحلة تقنية جديدة كانت بمثابة ثورة على صعيد انفصال الحداثة عمّا سبقها من مدارس فنية. وإذا كان براك قد أعجبته الإقامة في إطار المنطقة التكعيبية، فإن رفيق دربه الإسباني اكتفى بالخلاصات التقنية التي تعلمها ولاذ بالفرار بعيدا من أجل اكتشاف مناطق رؤيوية جديدة.

لقد استفاد بيكاسو من تجربته التكعيبية حين وظف نتائجها في خدمة فنه الشخصي الذي لم يعد تكعيبيا. ولأنه كان ثوريا فقد نظر إلى كل الإرث الفني الذي كان على اطلاع عليه من جهة كونه الخزانة التي يمدّ يده إليها متى يشاء. ويده تلك حرة، ترسم ما تشاء وبالطريقة التي تنسجم مع خيالها وتلبي شروط متعتها.

كان براك وبيكاسو صديقين. الأول غرق في ماضيه فيما انفتح الثاني على مستقبل الرسم ولم تعد التكعيبية إلاّ جزءا من ماضيه.

'